القصة مصدر إبداع وابتكار في حياة الطفل
إن الطفل مولع بقصص الخيال وله رغبة حادة في الاستطلاع والتعرف على أسرار الحياة، بما فيها أسرار الكون من الطبيعة والحياة والموت... فتكثر أسئلته في هذا المجال، مما يجعلك مشدوها أمام أسئلته التعجيزية إن صح التعبير. فلا تمر عليك ليلة إلا تجد نفسك غارقا في بحر من الخيال لنسج القصص والحكايات حتى ترويها لأطفالك.
وأذكر لكم هنا طرفة حدثت لابنتي مع والدها وهو يروي لها قصة، غلبه النعاس فنام فأخذت تبكي حتى أيقظته ليكمل لها بقية القصة وإن كانت ترى أن النهاية لازالت بعيدة جدا في نظرها. والمشكل أن الوالد نسي القصة فأخذت تصحح له وتذكره بالقصة الحقيقية. وفي الصباح أخذها إلى المكتبة واشترى لها مجموعة من القصص فأصبحت كلما تمر على المكتبة إلا ألزمتنا بشراء مجموعة من القصص لها ومن اختيارها طبعا. وهي تعرف عناوين قصصها بأكملها وتحسن النطق بالعنوان بلغة فصحى وهي لم تبلغ الرابعة من العمر بعد.
بالرغم من أن الطفل لا يحسن التفريق بين الحقيقة والخيال من خلال القصص التي ترويها له، إلا أنه يدرك حقيقة المشاعر الإنسانية بحيث تتولد فيه روح المحاكاة وحب الاطلاع والابتكار فتجده أيضا يسبح بخياله للإبداع والإنتاج. ومن هنا حق على الأسرة أن تكتشف نسبة الذكاء المتولدة في طفلها. فهي بين أمرين: إما أن تشجعه وتدفع به إلى الأجود والأحسن بتسخير كل الإمكانيات التي تساعد على صقل موهبته الأدبية والفنية والعلمية حسب رغبة طفلها، وإما أن تهمله وتنظر إلى ابداعاته على أنها نوع من اللهو واللعب فتقتل فيه روح المواصلة في الابتكار والإبداع.
كما أن للمدرسة دور أساسي في غرس حب الاطلاع في نفسية الطفل وتشجعيه على الكتابة والابداع في شتى ميادين الحياة. ومن خلال مزاولتي لمهنة التعليم اكتشفت أن المدرسة تحتوي على كل أصناف الثقافة بما فيها الفن والأدب والرسم و............... ويعود الفضل لذلك كله لدور القصة في حياة الطفل فهي تصنع المعجزة. من خلال الفصل الدراسي وفي حصة المطالعة أو التربية المدنية أو الإسلامية، عند الوصول إلى المغزى، كنت أستغل الفرصة لرواية قصة أو جزء يسير منها أتحدث فيها عن جميع المهن وكيف وصل كل مشتغل بواحدة من تلك المهن إلى تحقيق الهدف المنشود والوصول إلى المكانة التي يحتلها الآن. فلا تتصور أخي القارئ أختي القارئة الصمت والهدوء الذي كان يخيم على الفصل وأنا أروي لهم تفاصيل تلك القصص. وحينما كنت أتوقف كان يحصل لي ما وقع مع شهرزاد والملك شهريار. وعند عودتنا فـي الغــد وبمجرد الانتهاء من الدروس المقررة كنت أجد التلاميذ يلحون ويصرّون على مواصلة القصة.
كما أصبحت مكتبة القسم تشبه المكتبات الجامعية لكثرة الكتب التي فيها ومصدر أغلبها من تبرعات أولياء التلاميذ. كما أن التلميذ أصبح يتصور النهاية للقصة وصار ينتج ويبدع قصصا من خياله في شتى المواضيع.
(...) هناك من أجرى حوارا مع الشمس وباقي الكواكب. وهناك من تحدث عن الفصول الأربعة وهناك من تحدث عن الكون وخالقه، ومن تحدث عن الوسائل الضرورية في الحياة كالكهرباء والغاز والماء والنبات إلى غير ذلك من المواضيع. وهي كلها تجارب علمتني اكتشاف ما يختزنه الطفل من مقدرة كبيرة على الابتكار والإبداع.
.ختاما أتمنى من الأسرة والمؤسسات التعليمية الاهتمام بهذه الطاقات الإبداعية ومد يد المساعدة لها حتى تحقق طموحها وإبداعها الفني والأدبي والعلمي من أجل غدا مشرق.