معجم البلدان " كتاب معجم البلدان "


الكتاب : معجم البلدان
المؤلف : ياقوت الحموي

كلتا يديه لا تزايل ثوبَه ... كل الشتاء كأنه مأسورُ
أسفاً على بر العراق وبحره ... أنّ الفؤادَ بشجوَه معذور
وكنا كتبنا قصيدة مالك بن الريب متفرقة وأحلنا في كل موضع على ما يليه ولم يبق منها إلا ذكر مرو وبها تتمُ فإنه قال بعد ما ذكر في السمينة:
ولما تراءت عند مرو منيتي ... وحل بها سقمي وحانت وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنني ... يقرُّلعيني أن سهيل بدا ليا
فيا صاحبا رحلي دَنى الموتُ فانزلا ... برابيةٍ إني مقيم لياليا
أقيما عليَ اليوم أو بعض ليلة ... ولا تعجلاني قد تبينَ شانيا
وقوماً إذا ما استل روحي فهيّئا ... ليَ السدر والأكفان عند فنائيا
وخطا بأطراف الزجاج لمصرَعي ... وردا على عينيَ فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك الله فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعاليا
خذاني فجزَاني ببُردي إليكما ... فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا
وقد كنتُ عَطافاً إذا الخيل أحجمت ... سريعاً لى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت محموداً لدى الزاد والقرى ... ثقيلاً على الأعداء عضباً لسانيا
وقد كنت صباراً على القِرن في الوغا ... وعن شتم ابن العم والجار وانيا
ويوماً تراني في رحاً مستديرة ... تخرق أطرافُ الرماح ثيابيا
وما بعد هذه الأبيات ذكر في الشبيك، وبمرو قبورُ أربعة من الصحابة منهم بُرَيدة بن الحُصيب والحكم بن عمرو الغفاري وسليمان بن بريدة في قرية من قراها يقال لها فَنِي ويقال لها فَنين وعليه علم رأيتُ ذلك كله والآخر نسيته، فأما رستاق مرو فهو أجل من المدن وكثيراً ما سمعتهم يقولون رجال مرو من قراها، وقال بعض الظرفاء يهجو أهل مرو:
لأهل مرو أيادٍ مشهورة ومُرُوه ... لكنها في نساءٍ صغارهن الصُبوه
يبذلن كل مصون على طريق الفُتوَة ... فلا يسافر إليها إلا فتىً فيه قُه
وإليها ينسب عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفال المروزي وحيد زمانه فقهاً وعلماً رحل إلى الناس وصنف وظهرت بركته وهو أحد أركان مذهب الشافعي وتخرج به جماعة وانتشر علمه في الآفاق وكان ابتداءُ اشتغاله بالفقه على كبر السن حدثني بعض فقهاء مرو بفَنينَ من قراها أن القفال الشاشي صنع قفلاً ومفتاحاً وزنه دانق واحد فأعجب الناس به جدًا وصار ذكره وبلغ خبره إلى القفال هذا فصنع قفلاً مع مفتاحه وزنه طسوج وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر فقال يوماً لبعض من يأنس إليه ألا ترى فيَ شيء يفتقر إلى الحظ عمل الشاشي قفلاً وزنه دانق وطنت به البلاد وعملت أنا قفلاً بمقدار رُبعه ما ذكرني أحد فقال له إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة وجاءَ إلى شيخ من أهل مرو وعرفه رغبته فيما رغب فيه فلقنه أول كتاب المُزَني وهو هذا كتاب اختصرته فرَقِيَ إلى سَطحه وكرر على هذه الثلاثة ألفاظ من العشاءِ إلى أن طلع الفجر فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها فضاق صدره وقال أيش أقول للشيخ وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته فتلقنها منها وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه فقال له لا يَصدنك هذا عن الاشتغال فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة فجذ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان فعاش ثمانين سنة أربعين جاهلاً وأربعين عالماً وقال أبو المظفر السمعاني عاش تسعين سنة ومات سنة 417 ورأيت قبره بمرو وزرته رحمه الله تعالى، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي أحد أئمة الفقهاءِ الشافعية ومقدم عصره في الفتوى والتدريس رحل إلى أبي العباس بن شريح وأقام عنده وحصل الفقه عليه وشرح مختصر المزني شرحين وصنف في أصول الفقه والشروط وانتهت إليه رياسة هذا المذهب بالعراق بعد ابن شريح ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر وتوفي بها لسبع خلون من رجب سنة 340 ودُفن عند قبر الشافعي رضي الله عنه.



يتبــــــع

مكتبة Edunet Cafe
Edunet Cafe forum Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com