مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي


بحوث عامة في القانون التونسي

مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي

إشراق شبيل - أستاذة القانون بالمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان

نصت على هذا الإجراء الفقرة 3 من الفصل 16 من مجلة التهيئة حيث يتم تعليق مشروع مثال التهيئة الترابية
بمقر البلدية أو بمقر المعتمدية أو الولاية وذلك بإذن من المجلس البلدي أو الجهوي وبعد الانتهاء من
الاستشارة الأولى، وتهدف هذه العملية إلى اطلاع العموم عليه آما يتم نشر إعلان استقصاء في شأنه بوسائل
11
الإعلام المسموعة والمكتوبة وبالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بهدف تمكين آل من يهمه الأمر من "
تدوين ملاحظاته أو اعتراضاته بدفتر الاستقصاء المفتوح للغرض بمقر البلدية أو المعتمدية أو الولاية المعنية
أو توجيه مذآرة اعتراض بواسطة مكتوب مضمون الوصول إلى السلطة الإدارية المعنية وفقا للفقرة 4 من
الفصل 16 من مجلة 1994 شريطة أن يتم ذلك خلال الشهرين المواليين لتاريخ نشر الإعلان بالرائد الرسمي
للجمهورية التونسية وبمختلف الوسائل الأخرى وهي إمكانية خولت للأفراد وأصحاب العقارات والمواطنين
عامة للمساهمة باقتراحاتهم وأرائهم حول ما تضمنته وثائق المشروع من توجهات عمرانية وتراتيب وارتفاقات
مما يفترض وضع هذه الوثائق على ذمتهم بمقر الجماعة المعنية للاطلاع عليها خلال الأجل المحدد لكن
التطبيق يكشف وفي غالب الأحيان عن تقاعس المواطن والأفراد في استغلال هذه الفرصة تماما وسطحية
التعامل مع الوضع آكل عبر الاهتمام بجوانب ليس لها تأثير على العملية العمرانية آما أنه لا شيء في مجلة
التهيئة يضمن فعالية الرأي الصادر عن العموم والأخذ به ويقع العمل بالاستقصاء أيضا في النظام الفرنسي
قصد تحقيق نفس الأهداف تقريبا لكن يختلف الأجل المحدد لذلك عن التشريع التونسي إذ أن المدة المقررة
لتقديم مختلف الآراء لا يجب أن تتجاوز الشهر ويلجأ رئيس البلدية في هذا المستوى لرئيس المحكمة الإدارية
الراجع إليها بالنظر حتى يقوم بتعيين لجنة استقصاء للغرض وعمليا يتم عرض المشروع على العموم مرفقا
بمختلف الآراء الصادرة عن المؤسسات والمصالح المعنية.
يتبين مما سبق التجسيم العملي لفكرة توسيع قائمة المتدخلين في مجال التعمير والمساهمة في تفعيله غير أن هذه
السياسة لم تقطع مع المبدأ القاضي بالحفاظ على الحضور الدائم للهياآل والإدارة المرآزية ودورها الحيوي في
هذا الشأن.
الفقرة 2 : الحفاظ على دور الهياآل المرآزية:
تقوم الهياآل المرآزية المختصة بدور جوهري في مختلف المراحل التي يمر بها مثال التهيئة العمرانية ابتداء
بتحديد المناطق التي تقتضي إعداد أو مراجعة مثالها ( 1)والمشارآة في عملية الإعداد ( 2) وصولا إلى حق
.( التعديل ( 3)والمصادقة النهائية ( 4
-1 تحديد المناطق التي تقتضي إعداد أو مراجعة مثال التهيئة العمرانية:
إن تأمل المرحلة الأولى والمتمثلة في تحديد المناطق التي تقتضي إعداد أو مراجعة مثال التهيئة العمرانية يؤدي
إلى الوقوف على إرادة المشرع منح الوزارة المختصة سلطة مطلقة في هذا المجال إذ تنص الفقرة 1 من
الفصل 14 من مجلة التهيئة وآما نقح بالقانون عدد 71 لسنة 2005 المؤرخ في 4 أوت 2005 على ما يلي:
" تحدد المناطق التي تقتضي إعداد مثال تهيئة عمرانية والمناطق التي تقتضي مراجعة آامل مثال التهيئة
العمرانية الذي يغطيها أو جزء منه بقرار من الوزير المكلف بالتعمير..." بعد أن آان الوالي هو المختص سابقا
12
ويبدو أن وعي السلط المسؤولة بأهمية هذه الخطوة ومالها من تأثيرات مستقبلية هو الذي دفع إلى منح سلطة
اتخاذ قرار التحديد إلى وزارة التعمير.
وفي الواقع قد تلعب وزارة التعمير دورها حتى قبل إصدار قرار التحديد على أساس أنها تتمتع بحق المبادرة
بإعداد أو مراجعة مثال تهيئة عمرانية لمنطقة ما إلى جانب حق الاقتراح الذي يمكن أن تمارسه الجماعة
المحلية المعنية وذلك وفقا للفقرة 1 من الفصل 14 المشار إليها.
من جهة أخرى وعند قيام جماعة عمومية محلية ما بتقديم اقتراح في هذا الشأن، يتم إرفاق هذا الاقتراح بتقرير
في مبررات الإعداد أو المراجعة وهذا التقرير "... يتم ضبط عناصر هو محتواه بقرار من الوزير المكلف
بالتعمير" بمقتضى الفقرة 2 من نفس الفصل.
ويعد هذا الضبط بمثابة دليل ومرجع للولاية أو البلدية تستند إليه عند إعدادها التقرير المطلوب وفي صورة
مخالفتها للعناصر المطلوبة أو تضمن التقرير عناصر لم يستوجبها القرار فإنه يرفض اقتراحها ونشير إلى أن
هذا الشرط المتمثل في تقديم تقرير من قبل الجماعة العمومية المحلية هو جديد جاء به تنقيح 2005 إذ أن تنقيح
2003 لم يشترط ذلك.
وإضافة إلى تحديد مضمون التقرير المتعلق باقتراح إعداد مثال التهيئة العمرانية أو مراجعته تتدخل الوزارة
وفي مرحلة موالية لتشارك في عملية الإعداد.
-2 المشارآة في عملية الإعداد:
رغم تحميل الجماعة العمومية المحلية المعنية بمثال التهيئة أو مراجعته مسؤولية الإعداد فإن هذه العملية لا
تختص بها وحدها وإنما تم إقرار مبدأ مشارآة المصالح المختصة ترابيا التابعة للوزارة المكلفة بالتعمير في
الإعداد وذلك وفقا للفقرة 1 من الفصل 16 من مجلة التهيئة والتي نصت صراحة على عبارة "الاشتراك" وهو
ما يعكس الرغبة الواضحة من قبل المشرع في العودة أو التعاون مع الهياآل الممثلة للمرآز لاعتبارات قد
تتعلق بضعف الإمكانات البشرية والفنية لدى الولاية أو البلدية ودون أن يمس ذلك بمبدأ لا مرآزة الإعداد هذا
بالإضافة إلى أهمية مثال التهيئة العمرانية بما يجسمه من خيارات وتوجهات عمرانية تقتضي حضور الدولة
بشكل أو بآخر.
ويبدو أن مثل هذا الحرص على لا مرآزة إعداد المثال أو مراجعته مكرس بنسبة أآبر في النظام الفرنسي
باعتبار أن الجماعة العمومية المحلية تقوم بنفسها بعملية الإنجاز الفعلي وتأمينها باستيفاء الإجراءات القانونية
الضرورية لذلك.
13
لكن تبقى دائما لسلطة الإشراف طرقها الشرعية لممارسة الرقابة اللازمة وهو ما يجسمه حق التعديل الذي
تملكه.
-3 حق التعديل:
أقرت مجلة التهيئة الترابية والتعمير صراحة مبدأ تدخل الوزارة المكلفة بالتعمير للنظر في مشروع مثال التهيئة
العمرانية أو مراجعته والواقع إعداده،وذلك وفقا للفقرة 2 من الفصل 16 وفي ال واقع يتم هذا التدخل عدة
مرات وفي مستويات مختلفة نص عليها الفصل المذآور والفصل الموالي.
إذ أن الوزارة تتولى دراسة المشروع لأول مرة بعد إحالته على المؤسسات والمنشآت العمومية المعنية وعلى
المصالح الإدارية الجهوية ثم إرجاعه خلال شهر من تاريخ اتصالها به.
آما أنه وبعد استيفاء إجراءات الاستقصاء وفي إطار الاستشارة الثانية يمكن للوزارة التدخل في هذه المرحلة
لتدخل على المشروع "... عند الاقتضاء التعديلات الضرورية لجعله متناسقا مع بقية أمثلة تهيئة المناطق
المجاورة ومتلائما مع التراتيب العمرانية الجاري بها العمل " وذلك في ظرف شهرين من تاريخ اتصالها
بمشروع المثال حسب أحكام الفصل 17 غير أن التدخل الثاني للوزارة ليس آليا باعتبار استعمال المشرع لفظة
" وإن اقتضى الحال" في حين أن الإحالة تكون آلية على المصالح الجهوية التابعة للوزارة المكلفة بالتعمير.
ويعتبر التعديل أمرا منطقيا على أساس حرص الدولة على ضمان التناسق بين مختلف الجهات في مستوى
ترآيز مختلف المشاريع والتجهيزات وغيرها خدمة للأهداف المرسومة والمخطط لها في ميدان التهيئة
والتعمير.
غير أن هذه النتيجة قد لا تتحقق في بعض الأحيان نظرا لتقاعس الجماعة المعنية في تطبيق الأحكام التي
تضمنتها مجلة التهيئة وإحالة المشروع إلى الوزارة لإعادة النظر فيه اعتمادا على الطابع الاختياري لعبارة "و
إن اقتضى الحال..." آما أنه ومن جهة أخرى في صورة القيام بهذه الإحالة قد لا يتم احترام أجل الشهرين
المنصوص عليه بالنظر إلى مشاغل المرآز وصعوبة ضمان دراسة مستفيضة للمشروع خلال هذه المدة.
لكن حتى وإن لم تتدخل المصالح المرآزية في هذا المستوى فإن حضورها مؤآد في المرحلة الأخيرة المتمثلة
في المصادقة على مثال التهيئة العمرانية.
-4 المصادقة على مثال التهيئة العمرانية:
تتم المصادقة على مثال التهيئة العمرانية بمقتضى أمر وباقتراح من الوزير المكلف بالتعمير وهو ما أآد عليه
الفصل 19 من مجلة التهيئة آما نقح بقانون 2005 ، حيث تم سحب هذا الاختصاص من الوالي آسلطة مؤهلة
سابقا للقيام بهذه العملية باتخاذ قرار في هذا الشأن وهو ما يعد تراجعا نوعا ما عن تدعيم دور الهياآل
اللامرآزية هذا بالإضافة إلى ثقل وطول إجراءات إعداد المثال آما أشارت إلى ذلك الأستاذة آمال عويج مراد
14
والتي قد تكون سببا غير مباشر في اللجوء مرة أخرى إلى مراجعة مثال التهيئة العمرانية بعد إعداده هذا
بالإضافة إلى تعمد الإدارة والمصالح المعنية التمطيط في الآجال ولهذا السلوك تأثير آبير على عملية التخطيط
العمراني والتصرف آكل.
« Unité de gestion par objectifs » وهو ما فسر اللجوء إلى إحداث وحدة تصرف عبر الأهداف
في وزارة التجهيز والإسكان في سبتمبر 2001 مكلفة بإنجاز مخططات التهيئة في بعض ضواحي مدينة تونس
ونشير إلى أن هذه الإدارة المكلفة بمهمة سعت خاصة إلى التنسيق بين خيارات المشاريع العمرانية وعمليات
التهيئة الخاصة بالبلديات المعنية وإعانتها في مراجعة مخططات التهيئة ومتابعة مراحل الدراسة الخاصة بتهيئة
دوائر التدخل العقاري.
و إذا آانت المصادقة على مثال التهيئة العمرانية في تونس تتم بأمر فهي في التشريع الفرنسي تتم بمداولة
المجلس البلدي حيث يتم بعد ذلك تمكين العموم من الاطلاع على المثال المحلي للتعمير.
إن الدور الكبير الذي تقوم به الهياآل المرآزية في مستوى إعداد مثال التهيئة والمصادقة عليه يفسر غالبا
بضعف الإمكانيات المتاحة للجماعة العمومية المحلية وهو ما يؤدي بهذه الأخيرة إلى الاستعانة بالمصالح
الخارجية التابعة للوزارة المتدخلة في ميدان التعمير.إذ لا يمكن العمل بمبدأ اللامرآزية دون توفير الوسائل
اللازمة لتجسيم ذلك على أرض الواقع خاصة وأن الآثار القانونية المنجرة عن المصادقة على المثال هامة
ومتنوعة.
تنوع آثار مثال التهيئة العمرانية : -II
من أهم الآثار المنجرة عن المصادقة على مثال التهيئة العمرانية نجد التصريح بالمصلحة العامة للأشغال
المقررة بمقتضى الفقرة 3 من الفصل 19 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير (الفقرة 2) غير أنه وحتى قبل
حصول هذه المصادقة تنتج مجموعة من الآثار القانونية تتلاءم وإرادة السلطة في إقرار امتيازات أولية لفائدة
.( الجماعة العمومية المحلية والوزارة المكلفة بالتعمير (الفقرة 1
الفقرة الأولى : إقرار امتيازات أولية لفائدة الجماعة العمومية المحلية والوزارة
المكلفة بالتعمير (آثار مثال التهيئة العمرانية قبل المصادقة عليه)
تشمل هذه الامتيازات مجالات متنوعة تمكن الجهة المنتفعة بها من إرجاء البت في مطالب الرخص الفردية
.( 1) تسجيل الأراضي غير المبنية ( 2) أو آذلك طلب تغيير صبغة الأراضي الفلاحية ( 3 )
1) وسيلة إرجاء البت في مطالب الرخص الفردية :
15
مكن المشرع التونسي السلطة الإدارية المختصة من تأجيل النظر أو البت في مطالب الرخص المتعلقة
بالتقسيمات والبنايات والتجهيزات أو العمليات التي من شأنها أن تعرقل تنفيذ مثال التهيئة المزمع إعداده أو أن
ترفع في تكاليف إنجازه وذلك طبقا للفصل 15 من المجلة والذي أآد على ضرورة استعمال هذا الامتياز "...
لمدة عامين على أقصى تقدير بداية من تاريخ تعليق القرارات المشار إليها بالفصل 14 ..." أي قرارات التحديد
تحديد المناطق التي تقتضي إعداد مثال تهيئة عمرانية أو مراجعته.
و تقوم الولاية أو البلدية المعنية باتخاذ قرار إداري صريح في تأجيل البت في المطالب في حدود المناطق
المعنية بالمثال، ويقع احتساب الأجل ابتداء من تاريخ صدور قرار التحديد عن وزير التعمير لا من تاريخ إيداع
طلب الرخصة.
و يلاحظ أن ضبط أجل أقصى للإرجاء اعتمد بهدف الحفاظ على حقوق المعنيين بالأمر
و بالتالي وعند انتهاء المدة القانونية تصبح الجماعة العمومية المحلية ملزمة بالنظر في الملفات المعروضة
عليها واتخاذ قرار في شأنها في صورة إعادة تقديم المطلب رغم أنه لم يقع تبيان مآل مطلب الرخصة بعد
مرور سنتين سواء تمت المصادقة على المثال أم لا والى جانب وسيلة إرجاء البت في المطالب المتعلقة
بالرخص الفردية يمكن أيضا للسلط المعنية اللجوء إلى تسجيل الأراضي غير المبنية.
2) تسجيل الأراضي غير المبنية:
يجوز عملا بالفصل 24 من المجلة للوالي أو لرئيس البلدية حسب الحال وللوزير المكلف بالتعمير في جميع
الحالات أن يطلب تسجيل الأراضي غير المبنية وغير المسجلة الكائنة داخل المناطق المعينة بالقرار المشار
إليه بالفصل 14 أي قرار التحديد وذلك بعد إعلام مالكيها.
و تمكن الفقرة 2 من الفصل 24 هؤلاء من حق الحصول على التسجيل باسم المالكين الذين لا يمكنهم
الاعتراض على هذه العملية، لكنهم وفي المقابل يحتفظون بحق تقديم آل ال وثائق والحجج المثبتة لملكيتهم
والإدلاء بالبيانات والملاحظات المؤيدة لتلك الملكية.
هذا ووفقا للفقرة 3 الموالية يتحمل طالب التسجيل سواء آانت الدولة أو الجماعة العمومية المحلية المعنية
المصاريف الناتجة عن عملية التسجيل المنصوص عليها في حكم التسجيل والتي يقع إدراجها بالسجل العقاري
آدين ممتاز لفائدته غير أنه عند بيع آامل العقار أو جزء منه أو عند تقسيمه أو طلب الترخيص في البناء عليه
يقع استرجاع هذه المصاريف من المالك بموجب الفقرة 4 من الفصل المذآور.
و تحدد طرق الاستخلاص بأمر باقتراح من الوزير المكلف بالتعمير بعد أخذ رأي وزير المالية.ورغم أهمية
مثل هذا الامتياز إلا أن التطبيق يكشف عن عزوف الجماعات العمومية المحلية عن اللجوء إليه وتفضيلها القيام
بعمليات أخرى تتصل في غالب الأحيان بالتجهيز والبنية التحتية مما قد يؤثر على الدفتر العقاري آكل ومن
بين الأعمال التي تلجأ إليها نجد طلب تغيير صبغة الأراضي الفلاحية.
16
1) إمكانية طلب تغيير صبغة الأراضي الفلاحية :
حرصا على عدم تعارض مقتضيات ورهانات مثال التهيئة العمرانية مع النصوص يقع اللجوء إلى اتخاذ
القرارات المتعلقة بتغيير صلوحية الأراضي الفلاحية المعنية إن اقتضى الأمر ذلك ومن بين هذه النصوص نجد
القانون المؤرخ في 11 نوفمبر 1983 المنقح سنة 1996 والمتعلق بحماية الأراضي الفلاحية وه و قان ون
صدر في إطار حماية الأراضي الفلاحية والمجال العمراني خاصة وقد سن إجراءات خاصة لتغيير صلوحية
الأراضي الفلاحية تختلف حسب إدراجها إما ب"مناطق تحجير" أو ب"مناطق صيانة" أو آمناطق فلاحية أخرى
.( 9 من قانون 1996 >-- خاضعة لترخيص مسبق (الفصول 3
و يتجه التذآير بضرورة القيام بتغيير صلوحية الأراضي الفلاحية في المرحلة الأولية أي عند إعداد الملف
التحضيري للتمكن من إدراجها بعد ذلك صلب مختلف الخيارات مع مراعاة حاجة آل منطقة إلى نسبة معينة
من الأراضي الفلاحية خدمة لإنتاجها ألفلاحي آعنصر من العناصر الأخرى التي تساهم في تحقيق التنمية
عامة.
بناء على ما سبق تملك الأطراف المتدخلة في مجال التعمير إمكانيات متنوعة لضمان إنجاز الأهداف المرسومة
تضاف إليها الضمانات المترتبة عن التصريح بالمصلحة العامة للأشغال المقررة بمثال التهيئة العمرانية.
الفقرة الثانية : التصريح بالمصلحة العامة للأشغال المقررة بالمثال (آثار مثال التهيئة
العمرانية بعد المصادقة عليه)
نتيجة للتصريح بالمصلحة العامة للأشغال المقررة بمثال التهيئة تتولى الجماعة العمومية المعنية أو الوزارة
المكلفة بالتعمير مهمة تحديد المناطق المخصصة للاستعمال العمومي ( 1) آما أحدثت المجلة مجموعة من
الارتفاقات العمرانية ( 2) ترمي إلى تحقيق الغايات المتعلقة بالتهيئة العمرانية
1) تحديد المناطق المخصصة للاستعمال العمومي:
تفترض هذه المهمة وبمقتضى الفقرة 1 من الفصل 20 من مجلة التهيئة قيام الجماعة العمومية المحلية المعنية
بالمثال أو وزارة التعمير على الميدان بكل الإجراءات العملية الرامية إلى تحديد المناطق التي يعتزم تخصيصها
للطرقات والساحات العمومية والمساحات الخضراء والمساحات المخصصة للتجهيزات الجماعية.
و تتم هذه العملية بوضع علامات تحديد بارزة للعيان مع الحرص على عدم عرقلة العلامات الموضوعة
للاستغلال العادي للعقارات المعنية بعملية التحديد من طرف مالكيها وهو ما يؤدي منطقيا إلى ضمان حصول
العلم بحدودها للعموم آما هو الشأن بالنسبة إلى الارتفاقات العمرانية عند ترتيبها.
17
2) إحداث مجموعة من الارتفاقات العمرانية :
قد تتصل الارتفاقات العمرانية التي نصت عليها مجلة التهيئة بتحجير البناء على المواقع المخصصة للاستعمال
العمومي إن آانت بيضاء مثلا أو تحويرها إن آانت مبنية إلا برخصة خاصة وذلك حتى لا تصبح آلفتها أآبر
عند اقتنائها إما بالتراضي أو بالتقادم إذ نص الفصل 21 على ما يلي :
"لا يجوز البناء على العقارات الكائنة داخل المناطق المحددة وفق مقتضيات الفصل 20 من هذه المجلة إن
آانت بيضاء ولا تحويرها لغاية تحسين مرافقها إذا آانت مبنية..."
غير أنه يجوز وبمقتضى نفس الفصل القيام بتشجير الأراضي البيضاء الكائنة داخل هذه المناطق وآذلك ترميم
البنايات الموجودة بها وتعهدها بشرط الحصول على رخصة من السلطة الإدارية ذات النظر.
هذا وقد أقر المشرع في الفقرة 2 من الفصل 21 مبدأ عدم إمكانية اعتبار البنايات وأشغال الترميم أو التحوير
المنجزة خرقا لأحكام الفقرة الأولى عند تقدير غرامة انتزاع الأراضي التي أقيمت عليها هذه البنايات أو انتزاع
البنايات موضوع أشغال الترميم أو التحوير من جهة أخرى لا ينجر أي تعويض عن الارتفاقات الناتجة عن
التراتيب العمرانية المتخذة والمنصوص عليها بالفصل 23 من مجلة التهيئة إلا استثناء في الحالات التي ينتج
عنها من جراء تلك الارتفاقات ضرر مادي ومباشر وثابت للمباني المرخص فيها بصفة قانونية أو لعقارات بقي
جزء منها غير قابل للاستغلال وذلك في أجل محدد قدره ستة أشهر ابتداء من تاريخ إعلام المالك بخضوع
عقاره للارتفاقات،ويتعين على السلطة الإدارية المعنية إجابته في ظرف ثلاثة أشهر من تاريخ اتصالها بمطلب
جبر الضرر.
و بتأمل الفقرات الموالية من الفصل المذآور يلاحظ جليا حرص المشرع على حماية مصالح المالك إذ يمكن
لهذا الأخير ووفقا للفقرة 4 تقديم دعوى في جبر الضرر لدى المحاآم المختصة إذا لم يقبل ما تعرضه عليه
الإدارة في هذا الشأن أو إذا لم تقع إجابته في ظرف الثلاثة أشهر المشار إليها سابقا.
و تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن لمالكي العقارات التي بقي جزء منها قابلا للاستغلال المطالبة بجبر الضرر إلا
بالنسبة لما زاد عن رجع مساحتها الجملية.
و بالإضافة إلى حالتي المباني المرخص فيها بصفة قانونية والعقارات التي بقي جزء منها غير قابل للاستغلال
هناك حالة ثالثة تتعلق بالعقارات التي أصبحت غير قابلة للاستغلال بأآملها فقد نص الفصل 23 على أنه لا بد
من مطالبة الإدارة باقتنائها وطبعا يقدم المطلب من قبل المالك لكن إذا ما عبر هذا الأخير عن رغبته آتابيا في
الاحتفاظ بعقاره فإنه يحرم من حق المطالبة بأية غرامة بعد ذلك.
18
بصفة عامة وعملا بمقتضيات الفصل المذآور يتم الانتفاع بالتعويض وفي جميع الحالات المذآورة إما
بالمراضاة أو بالتقاضي لدى المحاآم المختصة وفقا للتشريع الجاري به العمل في مادة الانتزاع من أجل
المصلحة العمومية. غير أنه يتم تقدير قيمة التعويض باعتبار الاستعمال الذي سيخصص له العقار والارتفاقات
الناتجة عن ترتيبه أو حمايته حينما يتعلق الأمر بعقارات خاضعة لارتفاقات من أجل المحافظة على التراث
التاريخي والأثري والتقليدي وهو ما يمثل ضمانة هامة رغم أن البعض من الفقهاء ذهب إلى اعتبار مس هذه
الاتفاقات بمبدأ دستوري هام ألا وهو مبدأ المساواة المنصوص عليه بالفصل 6 من الدستور التونسي لكن سعى
البعض الآخر آالأستاذ صالح بوسطعة إلى نفي مثل هذه المعارضة للأحكام الدستورية مؤآدا على أن التنطيق
آكل ينطبق على العقارات بصفة عامة وموضوعية بشكل لا يستهدف المالك وإنما يحفظ مبدأ المساواة أمام
القانون.
من جهة أخرى تبرز الإرادة جلية من قبل السلط المسؤولة نحو توفير آل الظروف الملائمة لتحقيق المصلحة
العامة وهو ما يؤآده ثقل الإجراءات المحمولة على طالب التعويض بالإضافة إلى التعويض بشروط والتضييق
من نطاقه وجعله مجرد استثناء.
و مهما آانت المجالات التي تشملها الارتفاقات العمرانية فانه من المؤآد أن الرهانات المتعلقة بمثال التهيئة
العمرانية هي هامة وجوهرية مما يبرر تنوع الوسائل المتاحة للسلطة المتدخلة يضاف إليها الطابع الإلزامي
لهذا الصنف من الأمثلة إذ اتفق الفقهاء سواء في فرنسا أو في تونس على اعتباره قرارا إداريا ترتيبيا ملزما
للإدارة والغير أي لاعتماد بقية الأمثلة آمثال التهيئة التفصيلي واتخاذ آل الرخص الفردية آرخص البناء
وغيرها لكنه يظل قرارا ترتيبيا من نوع خاص لأنه ذو طابع وقتي محدد بأجل منذ صدوره آما أن آثاره
القانونية لا تنقضي بمجرد انقضاء الأجل المحدد له بل يبقى قائما إلى حين إلغائه أو مراجعته صراحة.
و بالنسبة للأفراد فيمكنهم الاستناد إلى مثال التهيئة العمرانية آمصدر من مصادر الشرعية للطعن في قرار
إداري مخالف له أو لطلب التعويض.
و لقد أآدت المحكمة الإدارية على ذلك في العديد من قراراتها إذ أقرت مثلا صحة قرار رفض رخصة بناء
روضة أطفال في منطقة غير قابلة للتعمير .
آما يعتبر القاضي الإداري أن عملية تحديد المناطق المخصصة وفقا لمثال التهيئة للطرقات أو الساحات
العمومية والمساحات الخضراء حسب الفصل 20 من مجلة التهيئة لا تعني انتقالا مباشرا للملكية بل تستوجب
إما الشراء بالتراضي أو الانتزاع قبل التجوز بها وإلا يعتبر عملها موجبا للتعويض .وتمارس المحكمة في هذا
المجال رقابة دنيا باعتبار أن السلط الإدارية المعنية ومن خلال تدخلها والأحكام المنظمة لها في وضعية سلطة
تقديرية وبالتالي تشمل الرقابة المسلطة التثبت في الصحة المادية للوقائع في عدم وجود الخطأ القانوني،وعدم
19
الانحراف بالسلطة وعدم وجود خطأ واضح في التقدير ولقد أقر مجلس الدولة الفرنسي صراحة مبدأ خضوع
. أمثلة التهيئة العمرانية إلى رقابة دنيا في قرار صادر عنه بتاريخ 1979
لكن ومع آل هذه الضمانات التي يكفلها فقه القضاء في مستوى احترام مضمون مثال التهيئة العمرانية فإنه من
الواجب التذآير بضرورة رصد الوسائل القانونية والمادية اللازمة للسّلط المتدخلة في هذا المستوى قصد تفعيل
دورها ودفع عملية التخطيط العمراني آكل بما تتطلبه من تنفيذ فعلي للبرامج الموضوعة وتبرز هذه الحاجة
ملحة حسب رأينا لدى الجماعات العمومية المحلية رغم المجهودات المبذولة لتدعيم دورها ومساهمتها في
إنجاز أهداف التهيئة بأنواعها مع الحرص على عدم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية للأشخاص
وحقوقهم خاصة المرتبطة بالعقارات آعنصر يستهلك باستمرار لتجسيم مخططات التعمير.





منتدى القانون والقضاء
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com