التربية بالمـكافـأة
لقد اهتم الإسلام بقضية المكافأة على العمل الصالح والعمل المثمر، وفي ذلك يقول الله تعالى: "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا" [الأنعام : 160]، فهذه مكافأة على عمل واحد إيجابي يكافئ بعشر أمثاله، وهذا تعزيز ودعم معنوي، ودافع مستمر في عمل الصالحات؛ بل إن الأمر يتجاوز المكافأة على العمل، إلى المكافأة على النية الصالحة، ففي حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى، قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هَمَّ بها، فعملها، كتبها الله عز وجل عنده عشر حسناتٍ، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هَمَّ بسيئة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة [1]".
وحديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الآخر المشهور:" إنما الأعمال بالنيات.."، فالنتائج والمكافآت التي ينالها الإنسان عند إنجازه أمراً ما، تحفّزه على عمل أشياء أخرى إيجابيّة، فالتعزيز الإيجابي يقوّي السلوكَ، ويزيد من احتمالية تكرار السلوك الإيجابي مرة أخرى.
وهناك نوعان من التعزيز في التربية: التعزيز الإيجابي، والتعزيز السلبي:
التعزيز الإيجابي:
في التعزيز الإيجابي تشكّل المكافأة حافزًا فعَّالاً، إذ تُعطى مباشرة بعد السلوك المرغوب فيه، كي يزيد من احتمالية حدوث ذلك السلوك مرة أخرى. فتعزيز السلوك الإيجابي يحفز الابن في مواصلة الأداء الإيجابي. مثال ذلك: قد يُعطى الطفل مكافأة؛ تتمثل في منحه وقتًا ليعمل على الحاسوب، بعد إتمام جزء من واجباته المنزلية، فإذا كان الطفل يحِبُّ العمل على الحاسوب، فمن المحتمل أن يستمر في إتمام الجزء الباقي من الواجب لينال مكافأة أخرى، والتعزيز الإيجابي وسيلة جيدة لغرس الانضباط واستمراره، فلا شك أن بعضًا من الانضباط الذاتي أمر ضروري للطفل خلال مرحلة تعلمه.
إلا أنه عند ممارسة التعزيز، فإننا نحتاج لنسأل: ما الشيء الذي أعززه في الطفل؟ فأحياناً -من غير قصد- قد نعزّز سلوكاً خاطئا. مثال ذلك: عندما يرفض الطفل أن يعمل أو يسمع الأوامر، فقد تتّجه وتعِدُه بشيء إذا فعل ذلك الأمر لكي يستجيب لأمرك. فإن ما تحفزه الآن هو الاستمرار في الرفض والعناد واستجداء المكافأة. ففي المرة القادمة، سوف يعيد الكرة مرة أخرى، رغبةً في الحصول على مكافأة جديدة.
التعزيز السلبي:
وهو مناسب لإزالة سلوك سلبي أو خاطئ، وذلك عن طريق حافز غير محبوب للطفل. مثال ذلك، تستخدم كثير من الأمهات -لكي تفطم رضيعها- وضع شيء مر أو فلفل حار على مصاصة الطفل، وعندما يتناول الطفل الرضاعة يجد أن طعمها مر، ومع التكرار ووجود الطعم المر فإنه يترك الرضاعة.
وكثير من الناس يخلط بين العقاب والتعزيز السلبي، فالتعزيز السلبي عكس العقاب تماماً. فالتحفيز السلبي يقوي السلوك الإيجابي بسبب اجتناب أو منع حالة سلبية كنتيجة لسلوك ما. أما العقاب فهو يضعف السلوك بسبب حالة سلبية أُدخلت أو جُربت كنتيجة لسلوك ما. مثال على التحفيز السلبي، أنت تتضايق كثيراً من زحمة المرور، فتخرج يوماً مبكراً، فلا تجد تلك الزحمة التي تضايقك، ثم تخرج مرة أخرى مبكراً فتجد الطريق خالياً، فسلوكك لمغادرة البيت مبكراً تقوّى عن طريق نتيجة اجتناب زحمة السيارات.
والفرق بين المكافأة والعقاب، أن المكافأة هي أي شيء يزيد السلوك ، والعقاب هو أي شيء يقلل السلوك.
وبطريقة ملخصة: أي حدث يزيد استجابة يُسمى تحفيز، وأي حدث يقلل الاستجابة يُسمى عقاب، وأي حدث يُوجد يُسمى إيجابي، وأي حدث يُزال يُسمى سلبي.
ملحوظات مهمة للتحفيز:
أولاً: تحفيز الخير: عند منح أبنائنا هدية تحفيزية للخير، فإننا نقرن مع ذلك أن هناك هدية أعظم وأبقى وأفضل عند الله لمن فعل الخير، إن الربط المستمر بين المكافأة والرغبة بما عند الله عامل قوي لدفعهم لعمل ما يرضاه الله. فلا يعطى على كل عمل ينجزه مكافأة، إذ يكون العمل دائماً من أجل الحصول على المكافأة؛ بل لا بد أن يعلم أن هناك أعمالاً يجب أن تُعمل من أجل الله -عز وجل- فيتعلّمَ الإخلاص، وأن لا ينال أجره إلا من الله وحده.
وفي هذا الموقف ينبغي توسيع وتصحيح مفهوم العبودية لدى الأطفال، فليست العبودية محصورة فقط في الصلاة أو الصيام، بل كل عمل خير يعمله يعتبر عبادة إذا صَلُحت النية، فالابتسامة والاحترام والتقدير ومعاونة المحتاج، كلها عبادة محبوبة لله. فليس هناك عدد محصور لعمل الخير، فكل سرور تدخله في قلوب الآخرين هو عبادة.
ثانياً: الإطراء الرائع المعتدل: فمن أقوى وسائل التعزيز: الثناء الصادق، والمديح المتزن، والكلام الجميل الممتلئ بالتقدير والشكر. فبالإضافة ليُسْر هذا الأمر؛ إلا أنه ينقل التعزيز من التركيز على الأشياء المادية إلى العواطف الأبوية، فالطفل بحاجة لإظهار الشكر والمديح على إنجازاته وسلوكياته المقبولة الجيدة؛ فإن هذا الأسلوب يعزّز شعور الحب بين الطفل ووالديْه، فالتعزيز اللفظي من المحفزات القوية في تنمية السلوك وتقويمه.
ثالثاً: المكافأة المادية: كثير من الناس عندما يسمعون لفظة المكافأة، يتجه تفكيرهم إلى الأشياء المادية، وليس الأمر كذلك، فيمكن تعزيز السلوك عن طريق كلمات الشكر والثناء، مع لفت الانتباه إلى هذا السلوك الإيجابي، أو عن طريق هدية بسيطة، أو الخروج في رحلة، أو قراءة قصة، مع إشعار أن ذلك نتيجة لهذا السلوك الإيجابي، فلا يُشترط في نوعية المكافأة أن تكون أمرا ماديا .
رابعاً: التوازن في المكافأة: فلا بد أن تكون الهدية متناسبة مع طبيعة العمل المُنجَز، فيجب أن يكون هناك اعتدال في نوعية المكافأة، فلا إفراط ولا تفريط، فليس من المعقول مثلاً إذا عمل عملاً بسيطاً أن أكافئه مكافأة كبيرة وعظيمة، بل كلُّ عملٍ بحَسَبه. فالإفراط في الهدية لا تعطي الطفل المقياس الموضوعي أو المصداقية الحقيقية التي من خلالها يقيس سلوكه؛ بل يولد لدى الطفل الغرور والتكبر، وأنه قد وصل إلى القمَّة، مع أن عمله قد يكون تحت المتوسط، وهذا التكبر قد ينمو مع نمو شخصيته، مما يجعله يفقد المصداقية والاحترام في عيون الآخرين.
وقد علَّمنا الإسلام أن لا نبالغ ونتجاوز الحد في الثناء، فقد جاء في الحديث عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يبالغ في ثناء آخر فقال :"ويلك قطعت عنُق صاحبك، قطعت عنُق صاحبك" مرارا. ثم قال: "من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة، فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه .([2])" فالمكافأة إذا كانت متوافقة مع السلوك، وغير مبالغ فيها، وإلا سيكون لها تأثير سلبي، فالمكافأة تكون أحياناً عقاباً للطفل. فهي قد تكون مسكّنًا مؤقَّتا للسلوك السلبي.
خامساً: التعزيز أمر نسبي: فالمكافأة التي تجذب طفلاً ما قد لا تروق لطفل آخر، ولذلك من المهم أن نقدم المكافأة التي يرغب فيها الطفل بذاته. وكذلك من المهم التنويع في نوعية المكافأة، فالمكافأة المتكررة تفقد جاذبيتها وقيمتها المعنوية لدى الطفل، وانتقاء المكافأة وتغييرها يتطلب ممارسة وحنكة من المربي، وقد يكون هناك إخفاق في اختيار المكافأة، إلا أنه يجب أن تكون هناك ملاحظة لتصرفات الطفل تجاه المكافأة، ومحاولة كشف رغباته ومواهبه وتحقيقها في المكافأة.
سادساً: وقت التعزيز: فلكي تكون المكافأة فعّالة بحقّ، أعط المكافأة مباشرة عند حدوث السلوك المرغوب، وذلك لترتبط المكافأة بالسلوك. ومن المهم كذلك أن يفهم الطفل السبب وراء حصوله على المكافأة. فمثلاً تقول له: بسبب طريقة تعاملك الرائع والممتاز مع أخيك حصلت على هذه المكافأة. فاستخدام المكافأة بطريقة صحيحة ومعتدلة يمكن أن تقود الطفل -بعد توفيق الله عز وجل- إلى الاتجاه الصحيح. وإذا لم يكن بالإمكان مكافأة الطفل مباشرة، فيمكن استخدام المعزز المشروط، وذلك باستخدام الجدول ووضع العلامات أو النجوم، فعندما يحرز الطفل على قدر معين من العلامات أو النجوم لسلوكيات معينة، فإنه يحصل على المكافأة، فالعلامات هي المعزز المشروط.
ومن الخطأ أن تكون المكافأة دائماً عن طريق التعزيز المشروط؛ بل لا بد من استخدام التعزيز المتغيّر، أي المكافأة على أساس عشوائي أو غير متوقع. فعندما يصبح السلوك السليم عادة للطفل، أو عندما يعمل الطفل سلوكاً جديداً إيجابياً فإنه يكافئ عليه. فمثلاً، إذا فاجأت طفلك بمكافأة بسبب ممارسته للقراءة فإن الطفل سيقرأ أكثر، إذ يأمل أن تعيد له المفاجأة. فالتعزيز المتغير يساعد في استمرار السلوك القويم والمحافظة على السلوك الممارس.
والتعزيز المتغير قد يأتي بنتائج عكسية إذا استخدم في إزالة السلوك غير المرغوب فيه. مثال ذلك، إذا بكى الطفل لأمر ما، ثم أعطيته حلوى أو لعبة لكي يسكت عن الصراخ؛ فإنك بذلك تشكل لديه عادة وهو: البكاء طريق للحصول على مكافأة، والأفضل لإزالة السلوك السيئ أن يُعالج بالتجاهل أو بأي طريقة تربوية أخرى، فمن الخطأ .استخدام المكافأة لجعل الطفل ينصاع للأوامر، وإنما يجب أن تستخدم المكافأة لتتحكم في السلوك وتوجهه.
-----------------
[1] رواه مسلم رقم (131)
[2] متفق عليه.