مدرسة الموسيقى العربية : بحث شامل أعلام الموسيقى .. محمود كامل
في العشرين من ديسمبر عام 2000 , فقدت الحياة الموسيقية المصرية والعربية أحد أعلامها البارزين , ذلك هو مؤرخ الموسيقا العربية الشهير محمود كامل , الذى ذاع صيته من خلال برنامجه الاذاعى الشهير (ألحان زمان) الذى كتب مادته العلميه لاذاعة البرنامج العام بالقاهرة , وقدمته الاذاعية القديرة السيدة /هالة الحديدى على مدى ثمانية وعشرين عاما . ولكن لم يكن ذلك البرنامج الهام , هو العطاء الوحيد للأستاذ محمود كامل , فقد كانت له اسهامات مهمة من خلال العديد من الكتب التى ألفها واللقاءات المباشرة مع الجماهيرمن خلال الندوات , وعبر ميكروفون الاذاعة والقنوات التليفزيونية المختلفة . بجانب مساهماته فى العديد من اللجان الرسمية فى اجهزة الدولة المتنوعة التى أفادت من خبراته الموسيقية .
ولد محمود كامل بحى محرم بك بمدينة الاسكندرية فى الثانى عشر من مارس عام 1917 . وبعد فترة بلغ والده سن التقاعد , فانتقلت الأسرة الى القاهرة .
أحب محمود كامل الموسيقا وانجذب اليها من خلال ابن خاله عبد الرحمن سامى الذى كان من الجيل الأول من الاذاعيين المصريين , وكان محبا للموسيقا والغناء ودرسهما فى معهد الموسيقا العربية , وتخرج فيه , وكان يصحب معه محمود كامل الى حفلات كلا من عبد الوهاب وام كلثوم . وفى عام 1937 حصل محمود كامل على شهاة البكالوريا , لم يكمل دراسته نظرا لتعلقه الشديد بالموسيقا والغناء . وفي عام 1938 عين موظفا بوزارة الحربية . وفى عام 1942 التحق بمعهد الاتحاد بحى عابدين بالقاهرة , حيث درس علوم الموسيقا العربية . وفى عام 1946 تخرج فى المعهد , واتجه لممارسة التلحين وكتابة النقد الموسيقى فى الصحف . ولكنه وجد أن مجال التلحين حافل بالعمالقة أمثال (محمد القصبجى ،زكريا أحمد ،محمد عبد الوهاب ،رياض السنباطي )
وفى الوقت نفسه وجد أن كبار الموسيقيين المصريين لا يعرف احدا عنهم شيئا , ولم تكن هناك عملية رصد لما يحدث فى الحياه الموسيقية المصرية آنذاك .فقرر محمود كامل التوقف عن التلحين والاتجاه للكتابة عن كبار الموسيقيين المصريين . ومتابعة كتابة النقد فى الصحافة , كما أصدر كتبا مهمة تتناول حياة وأعمال كل من (محمد عثمان – عبده الحامولى -داود حسنى ).
وخلال تلك الكتب حقق محمود كامل التراث الغنائي لكل شخصية ونسب الأعمال لأصحابها الحقيقيين . وتابع التأليف فصدرت له كتبا عن (محمد القصبجى – تذوق الموسيقى العربية – المسرح الغنائى العربى ).
واشترك مع خليل المصرى فى اعداد كتاب عن النصوص الكاملة لجميع أغاني كوكب الشرق (أم كلثوم) , كما اشترك فى تأليف عدد من الكتب الموسيقية المهمة هى :رياض السنباطي (1993)- محمدعبد الوهاب
(1995) – محمد القصبجى (1996)- سيد درويش (1997) – أم كلثوم (2001) . وقد عمل محمود كامل أستاذا فى المعهد العالى للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون بالهرم , كما أشترك فى الاشراف على بعض الرسائل العلمية للماجيستير والدكتوراه . وجاءت جهود محمود كامل الاعلامية ذات أثر كبير . وخاصة –كما قلت – فى برنامجه الأسبوعى (ألحان زمان)الذى كانت تقدمه الاذاعية القديره السيدة / هالة الحديدى .
ومن خلال ذلك البرنامج عرفت الجماهير العريضة تراث الموسيقا المصرية عبر القرن العشرين , بما كان يقدمه محمود كامل من معلومات موثقة , ومايذاع من نماذج غنائية وموسيقية , كان يسجلها الكثير من المستمعين لتبقى عندهم زادا فنيا يستمعون اليه من آن لآخر .
وقد عمل محمود كامل فى عدة جهات , فقد نقل من وزارة الحربية الى مصلحة الارصاد الجوية , حيث عمل رئيسا للمستخدمين , وفى عام 1952 أنشئ ديوان الموظفين , فتبع ديوان الموظفين بحكم عمله , ثم عمل فى مصلحة التجارة الخارجية . وفى ذلك الوقت التقى بالكاتب عبد الحميد جوده السحار , فلما علم بوجوده فى تلك المصلحة , اتصل بصديقه الكاتب الكبير يوسف السباعي الذي كان وزيرا للثقافه انذاك , ليوصيه به ,فتم انتدابه من ديوان الموظفين الي المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب , ثم نقل الى المجلس , وتدرج فى وظائفه , ثم أصبح عضوا فى لجنة الموسيقا والأوبرا والباليه . وفي نفس الوقت استمر محمود كامل يكتب فى الصحافة ,وعلى وجه الخصوص فى جريده أخبار اليوم ,حتى صدر قرار يمنع الجمع بين وظيفتين ,فتم تخييره اما أن يبقا في عمله فى المجلس أو يتفرغ للعمل الصحفى ,ففضل البقاء فى عمله بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب . وكان محمود كامل يكتب ايضا تعليقات على الاعمال التى تقدمها فرقة الموسيقا العربية بقيادة الفنان القدير عبد الحليم نويرة , وكانت تلك التعليقات تتضمن نصوص الأعمال الغنائية , والسيرة الذاتية للملحن وأهم اعماله وهو الذي اكتشف بعد التحري الدقيق أن قصيدة (أراك عصي الدمع ) التى غنتها أم كلثوم من ألحان (عبده الحامولى ) وليست من ألحان (الشيخ أبو العلا محمد ) كما كان يعتقد فى ذلك الوقت .
وفى حديثه عن برنامج (ألحان زمان) قال انه بدأ ببرنامج بعنوان (مكتبة الأغانى) فى أواخر الستينات , وكان يشترك مع محمود كامل فى اعداده عازف القانون المعروف أمين فهمى , وكانت مده البرنامج نصف ساعة , ولم تكن هناك رابطة بين الأغاني التى تقدم فى البرنامج وانما لمجرد وجودها فى المكتبة , فتوقف ذلك البرنامج . وعاد محمود كامل بعد فترة يفكر فى كتابة برنامج لاحياء التراث القديم , وعرض الفكرة فرفضت فى البداية , ثم عاد عرضها مرة اخري بعد عامين على الأستاذ محمد محمود شعبان , فوافق عليها , وقدمت البرنامج من بدايته السيدة /هالة الحديدى وأذيعت أولى حلقاتة يوم (15\4\1971) وحرص فيه علي تقديم حلقات عن كبار الملحنين ثم المطربين , وبعدها قدم الصيغ الغنائية فى الموسيقا العربية , وأتبعها بحلقات عن صيغ موسيقا الآلات , وبعد ذلك قدم حلقات عن الشعراء الذين كتبوا الأغاني , ثم اتجه الى تقديم الملحنين والمطربين العرب ونذكر منهم (وديع الصافى – فيروز – صباح فخرى – زكية حمدان "سورية") , وكذلك حلقات عن كبار العازفين على آلات الموسيقا العربية المختلفة . ومن المناصب الفنية التى شغلها المؤرخ الموسيقى الراحل محمود كامل نذكر أنه عمل :
- استاذا غير متفرغ بالمعهد العالى للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون
- عضوا بمجلس ادارة معهد الموسيقى العربية ومشرفا على الدراسات الحرة فيه .
- عضوا بلجان الاستماع واختبار المقرئين بالاذاعة والتليفزيون وشركة صوت القاهرة , كما حضر فى معهد التدريب الاذاعي .
- عضوا بالمكتب الفني لفرقة الموسيقا العربية منذ انشائها .
- اشترك فى المؤتمر الدولى الثانى للموسيقا العربية بالقاهرة عام 1969 , وحضر مؤتمرات الموسيقا العربية فى لبنان وسوريا عام 1995 .
- عضو اللجنة التحضيرية لمهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية بدار أوبرا القاهرة عام 1992 وحتي وفاته عام 2000 .
.- عضو اتحاد الكتاب المصريين , والنادى الثقافى ونقابة المهن الموسيقية.
كما حصل محمود كامل على عدد من الميداليات وشهادات التقدير من كل من :
المركز الثقافى القومى (دار الأوبرا المصرية ) , والمعهد العالى للموسيقى العربية , ووزارة الاعلام والثقافة الجماهيرية , والاذاعة المصرية , ونقابة المهن الموسيقية . وبعد حياة فنية حافلة بالانجازات الكبيرة فى الحياة الموسيقية المصرية والعربية , توفى المؤرخ الموسيقى محمود كامل بمدينة القاهرة فى العشرين من ديسمبر 2000عن عمر يناهز ثلاثا وثمانين عاما , رحمه الله رحمة واسعة .