القيم الدينية والأخلاقية في أناشيد الأطفال
يخرج الطفل إلى هذه الحياة وهو صفحة بيضاء نقية لم تطبع عليها أي أفكار أو قيم أو مواهب.. كما في قوله تعالى (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل: 78]. ثم بتأثير البيئة والظروف المحيطة -بما فيها من مؤثرات جسمية وعقلية ووجدانية واجتماعية وتربوية- تتشكل ذات الطفل وتتفاعل وتتطور مما يبني شخصيته الفردية، ولا شك في أن التربية تهدف إلى بناء الطفل بناءً متكاملاً، وإلى توجيه سلوكه في الدرب السليم، وهذا يوجب تهيئة الجو التربوي المشبع بالمؤثرات الفكرية والتطبيقية الإيجابية التي تُعِينُ الطفلَ على أن يغدو أكثر وعياً. ومن ثم تعزز نموه العقلي والمعرفي لينعكس ذلك على سلوكه في المجتمع، لذلك فإن بناء القيم التربوية عملٌ صعب وشاق ويحتاج إلى مزيد من تحمل المسؤولية والتحلي بالوعي المطلوب وفي الوقت الملائم.
ولا شك في أن أناشيد الأطفال، كمحورٍ مهمٍّ من محاور ثقافة الطفل، تقع على عاتقها مسؤولية الإسهام في تربية الطفل وبناء القيم لديه؛ باعتبارها مادة ثقافية تربوية توظف لتؤدي دوراً فاعلاً في بناء النظام القيمي عند الطفل، وبما يحقق ترشيد سلوكه ودفعه للسير في الدرب الصحيح، لذلك لا بد من تنقية أناشيد الأطفال من كل ما يسيء إلى الفضائل. وتوجيه قدراتها للإسهام في خدمة الجمال الحقيقي والقيم التربوية الصحيحة، نظراً لسرعة تأثر الأطفال بالمواقف التي تشدهم والأحداث التي تثير اهتمامهم، فينفعلون ويتفاعلون معها، وهم أكثر استجابة للتأثر بالأناشيد في تنشئتهم، حيث تستطيع أن توضح لهم الطريق نحو الأجمل والأفضل. وتستطيع أن تُكَوِّنَ عندهم احترام التقاليد والقيم الإنسانية بروح عالية.
سأحاول في هذه الدراسة الموجزة التي سأقدمها هنا في حلقات متعددة أن أستعرض بعض القيم التربوية المنبثقة من مجتمعنا العربي والإسلامي، مع تقديم نماذج من أناشيد الأطفال التي قمت بتأليفها سابقاً لمرحلة الطفولة المتأخرة، والتي يمكن حصرها بين سن التاسعة والثانية عشرة من العمر، لنرى معاً مقدار استيعابها لتلك القيم.
القيم الدينية والأخلاقية:
تتمثل القيم الدينية في الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، والتأُمُّلِ في قدرة الله العظيمة، والترغيبِ في العبادة، ويختلف تناول هذه القيم باختلاف المجتمعات وطبيعة تواصلها مع الدين ونظرتها إلى الكون والحياة.
ولعل الفكرة الأولى التي يدعو إليها الدين الحنيف هي فكرة التوحيد، والطفل بحكم انتمائه الاجتماعي يتوصل إلى هذه الفكرة لترفد إحساسه الفطري بذلك. وما أجمل أن يتغنى نشيد الطفل بهذه الفكرة لأنها تشكل اللبنة الأساس في التكوين الروحي للطفل:
رَبِّي الخَلاَّقُ وليسَ سِواهْ
لا نَفْعَلُ إلاَّ ما يَرْضَاهْ
في كُلِّ مَكانٍ في الدُّنيا
لا نَعْبُدُ رَبَّاً غَيرَ اللهْ
****
في البَرِّ وفي عُمْقِ البَحْرِ
في الغابَةِ في حَقْلِ الزَّهْرِ
تَوْحِيدُ اللهِ يُطَمْئِنُنَا
ويَعُودُ عَلَينا بِاليُسْرِ
****
بِالفِطْرَةِ نحنُ نُوَحِّدُهُ
ونَتُوبُ إليهِ ونَعْبُدُهُ
نَدْعُوهُ ونَبْقَى نَقْصِدُهُ
نَسْأَلُهُ الخَيْرَ ونَحْمَدُهُ
ففكرة التوحيد يستشعرها الطفل في مراحله الأولى، وهنا يأتي النشيد ليرسخ هذه الفكرة ويؤكد هذا الشعور مستعرضاً الأدلة البسيطة التي تقع تحت حواس الطفل ومدركاته.
ولأن الرسُل جميعاً جاؤوا ليرسّخوا أسس الخلق السليم. وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم متمماً لمكارم الأخلاق؛ فإن كثيراً من الأناشيد التي تطرح القيم الأخلاقية استمدّت طرحها من الدين الإسلامي بشكل أساسي من خلال القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وما أجمل أن نعرّف الطفل على هذه الأخلاق في ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة:
كانَ رسولُ اللهِ حليمـــَا
لا يغضبُ إلاَّ في حَقِّ
يَعِظُ الناسَ ولا يَنْهَرُهُمْ
يَدْعُوهُمْ لِلْحَقِّ بِرِفْقِ
***
لِنَكُنْ مِثلَ نَبِيِّ الرَّحْمَهْ
لا نَغْضَبُ بلْ نَحْلُمُ دَوْما
بِأنَاةٍ نَعْمَلُ وبِهِمَّهْ
نَسْتَغْفِرُ إنْ نَغْضَبْ يَوْما
***
نَمْلِكُ أنْفُسَنا إذْ نَغْضَبْ
نَذْكُرُ خالِقَنا الغَفَّارَا
تَهْدَأُ أنْفُسُنا لا نَتْعَبْ
نَتَراجَعُ عمَّا قدْ صَارَا
***
اللهُ حليمٌ سُبحانَهْ
يَغْفِرُ ما شاءَ لِمَنْ شَاءَ
يَرْحَمُنا ما أعْظَمَ شانَهْ
لِنَكُنْ في الدُّنْيا حُلَمَاءَ
فالنشيد هنا ينفّر من عدم ضبط النفس عند الغضب.ويدعو إلى الحلم والهدوء، ومن المؤكد أن لتمثل هذه القيمة الدينية أثراً كبيراً في نفس الطفل. لاسيما أن القدوة في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدخل في هذا الباب أيضاً التواضع وفعل الخير والمروءة والتسامح والوفاء بالوعد والصدق وغيرها من القيم. ومن الأناشيد التي تناولت قيمة الصدق:
نَصْدُقُ نَصْدُقُ، لا لا نَكْـذِبْ
نَتَحرَّى في هذا رَشَدَا
فَالكِذْبُ لِصَاحِبِهِ مُتْعِبْ
لن يُنْجِيَهُ مهما جَهِدا
***
عَلَّمَنا الإسلامُ الخُلُقَا
عَلَّمَنا أنْ نَصْدُقَ دَوْما
أفْلَحَ يا صَحْبِي مَنْ صَدَقا
لن يَنْدَمَ لن يَخْسَرَ يَوْما
***
دُنْيَانا كمْ تُصْبِحُ أجْمَلْ
إنْ نَصْدُقْ في كُلِّ أوَانِ
هذا الأسْلَمُ هذا الأفْضَلْ
فَالكِذْبُ طَرِيقُ الخُسْرَانِ
فعلى نشيد الطفل أن يبيّن بأسلوب لطيف ما للصدق من فضائل ومحاسن، وفي المقابل عليه أن يسلط الضوء على الصفة المناقضة له وهي الكذب وذلك عن طريق توضيح مثالبها ومضارها على الفرد والمجتمع، وهذا الطرح سنجد شبيهاً له عند الحديث عن قيمة القناعة:
اَلْقَانِعُ يَحْيَا بِسُرُورِ
ويَنالُ مِنَ اللهِ رِضاهُ
هُوَ يَمْشِي في دَرْبِ النُّورِ
دَوْماً لا يَسْعَى لِسِوَاهُ
***
أمَّا الطامِعُ فَلَهُ الخُسْرُ
لا يَهْنَأُ في عَيْشٍ أبَدَا
ليسَ لهُ وَزْنٌ أوْ قَدْرُ
لا يَمْلِكُ عَوْناً أوْ مَدَدَا
***
نَشْكُرُ لِلَّهِ الرَّزَّاقِ
مهما كانَ الرِّزْقُ قليلا
لا نَتذمَّرُ مِنْ إِمْلاقِ
نَصْبِرُ صَبْراً كانَ جَمِيلا
ولا يغفل نشيد الطفل ما للعبادات من أثر في بناء شخصية الطفل من خلال تقربه من الله عز وجل بالطاعات، وفي النشيد التالي صورة لطفل يصف رحلته إلى الحج ويعبر عن مشاعره وهو يسير في الرحاب الطاهرة ويؤدي مناسك الحج، وقد بُثَّ هذا النشيد في أيام أعياد الأضحى، وكان للصورة الحية والأداء الجميل أثرٌ كبيرٌ في تعزيز إيصال هذا النشيد إلى قلب الطفل وقلوب المشاهدين عموماً:
نورٌ في الأجواءِ تَألَّقْ
هبَّ نسيمٌ يحملُ طِيبَا
روحي أَنِسَتْ.. قلبي حَلَّقْ
منْ مكةَ أصبحتُ قريبا
***
أحرمتُ ولبَّيتُ كثيرا
بِمنىً بِتُّ أُناجي اللهْ
أنْ يجعلَ حجِّي مبرورا
أن أحْظَى دوماً بِرِضَاهْ
***
كمْ لبَّيْتُ على عَرَفاتْ
وتَلقَّيْتُ فُيوضَ الرَّحْمَهْ
أخْلصْتُ لِربِّي الدَّعَوَاتْ
وشَكَرْتُ اللهَ على النِّعْمَهْ
***
بِتُّ الليلةَ بِالمُزدلفَةْ
هذِي الليلةُ ليلةُ عيدْ
بتُّ أصلِّي بتُّ أُلبِّي
وفؤادي بالحَجِّ سعيدْ
***
سَعْيٌ تَلْبِيَةٌ وطَوافْ
والكعبةُ شَعَّتْ بِالطُّهْرِ
أنهارٌ مِنْ غيرِ ضِفَافْ
في قلبي تَجْرِي بِالذِّكْرِ
.
إن القيم الدينية والأخلاقية من أهم القيم التي يجب على نشيد الطفل مواكبتها وتقديمها بأسلوب شائق؛ نظراً لأهميتها في حياة الطفل وفي بناء شخصيته على أسس سليمة ليكون دربه إلى المستقبل مستقيماً، فهو يعرف إلى أين يتجه، ولماذا يسير؟ وكيف يسير؟ وهذا يعود بنتائج إيجابية على علاقة الطفل بنفسه وبخالقه وبالناس مِن حولِه.