القراءة في المرحلة الابتدائية
القراءة كوسيلة للتّعلم واكتساب المعرفة، والقراءة كمجرد نشاط في حد ذاته من جهة، وتغيير السلوكات والممارسات اليومية للأساتذة الكرام من جهة أخرى، كما سأحاول شرح الغاية الأساسية للقراءة، وأهدافها في الحياة اليومية للمواطن، وأقترح كيفية معالجة النصوص.
1) حاليا تعليم القراءة مختصر في دراسة الحروف مع مختلف الحركات، والقراءة الجهرية للكلمات، والاهتمام بجمال النصوص، أما فهم النصوص عبارة عن شرح الكلمات، وطرح الأسئلة حول النص بدون دراسة تركيبة وهيكلة النص والقواعد الكتابية، ونوعية الصياغة والتراكيب الموجودة فيه، كما لا تسخَّر القواعد النحوية والصرفية لفهم النص، فالطريقة المتبعة من أغلبية المعلمين والأساتذة هدفها: التحكم في ميكانزمات القراءة ( تعريف الحروف وقراءتها) والقراءة الجهرية ( قراءة الكلمات – جمالية النص القصير) وهذا ما هو موجود في كتاب التلميذ، وهذه الطريقة لا تسمح بغرس وتنمية كفايات وقدرات المتعلم الذي يعتبر " قارئ الغد".
ومن أهداف المدرسة: تكوين قارئ المستقبل القادر على مواجهة كل الوضعيات التي تحتاج إلى اللجوء، وتوظيف القراءة لحل مشاكله اليومية، ففي الحياة اليومية يحتاج المواطن إلى البحث عن المعلومات الموجودة في الكتاب أو الجريدة أو المجلة ( قراءة قصة، برنامج تلفزيوني، وصفة دواء، بطاقة فنية لتركيب جهاز...إلخ)، فالمواطن مضطر أن يكيّف استراتيجية قراءته حسب السند والموضوع والهدف.
على الأستاذ أن يراجع مفهوم القراءة وأن يحضّر حصص القراءة على ضوء الكفايات والأهداف التربوية، وأما بالنسبة لمعالجة النصوص، على الأستاذ أن يختار الطريقة أو المقاربة حسب نمط النص، وتوظيف القراءة الصامتة للبحث عن المعلومات، والقراءة الجهرية لمراقبة الأداء وتحسين آليات القراءة.
تنبيه: تحسين آليات القراءة لا يعتبر هدفا، بل شرطا للقراءة.
2) تعريف القراءة: القراءة عبارة عن فهم المكتوب، والفهم يعني بناء وتأليف معنى النص، ويتمثل هذا المعنى في البحث والاستدلال والكشف عن الكلمات المفتاحية التي لها دلالة، لربطها ببعضها لتكوين علاقات تساعد على نسيج الفهم داخل شبكة.
3) مفهوم النص: ما معنى النص؟ يتكون النص من المكتوب وما هو ليس بالمكتوب: العنوان، النص المكتوب، الصورة أو الصور، المرجع.
أولا: معالجة النص: تهدف معالجة النص إلى بناء مفهوم أوّلي للنص، يمكن للقارئ بناء الفهم من خلال ملاحظة ودراسة وتحليل الصورة وعلاقتها بالعنوان مثلا.
ثانيا: استخدام الصورة: تستخدم الصورة كمصدر للحصول على المعلومات والحقائق، وهي تساعد على تكوين مفاهيم وصورة عقلية، من خلال ملاحظة ودراسة وتحليل الصورة نحاول بناء الفهم الأوّلي للنص، ويمكن أن تكون الملاحظة موجّهة، وهذا حسب مستوى وقدرات المتعلمين، والهدف من هذا النشاط ( العمل) هو البحث عن معالم تساعد القارئ في بناء الفهم الأولي، وهذه المعالم يمكن لها أن ترمز إلى (المكان، الزمان، الأشخاص...).
ثالثا: بناء الفهم الأوّلي: فبعد إحصاء المعالم المتعلقة بالزمن، المكان، الأشخاص، يحاول القارئ أن يكوّن علاقات بينها لكي يبني فرضيات وتنبّؤات، وليتأكد من صحة الفرضيات أو التنبّؤات يمكن للقارئ أن يقارن ما استنتجه من العنوان حتى ينفي أو يؤكد ما تنبّأ به فيما يخصّ الفهم الأوّلي، وفي حال عدم بناء الفهم الأوّلي بعد دراسة الصورة والعنوان، يلجأ إلى قراءة النص؛ وهذا للبحث عن الإجابات للفرضيات التي قدمّها القارئ.
أ ) حسب مستوى وقدرات المتعلمين: يمكن للأستاذ أو المعلم مساعدة التلاميذ على البحث عن الإجابة لتساؤلهم.
ب) يمكن قراءة النص من طرف المتعلمين.
رابعا: معالجة النص المكتوب: عبارة عن أنشطة مختلفة تعرض على المتعلمين، هدفها: فهم المكتوب وبناء تصور عن محتوى النص، دراسة تصميم وهيكلة النص، اكتشاف نمطية النص، تحسين آليات ومكانيزمات القراءة، اكتساب معجم لغوي، صياغة وتراكيبا، وقواعد كتابة النص، اكتساب نموذج مكتوب.
لتحقيق هذه الأهداف يقترح الأستاذ أنشطة مختلفة للمتعلمين، وهذا حسب الهدف المقصود، كما أنه يجب أن يوظف نوعين من القراءات: القراءة الصامتة، القراءة الجهرية.
أما القراءة الصامتة: فهي القراءة التي يستعملها الإنسان في حياته الاجتماعية اليومية، ولهذا يجب تدريب المتعلمين عليها من بداية مرحلة التعلّم.
القراءة الصامتة ( لماذا؟ متى؟): تستخدم القراءة الصامتة في إطار بناء الفهم الأوّلي للنص، وللبحث عن المعالم التي لها دلالة في بناء فهم النص ( المكان، الزمان، الأشخاص، الأحداث ...إلخ)، ولتحقيق أهداف القراءة الصامتة، ينبغي على الأستاذ اختيار وتحديد الأسئلة والأنشطة المناسبة، ويكون ترتيبها محكما مع الأخذ بعين الاعتبار تركيبة النص، وتسلسل الأفكار.
يمكن استخدام القراءة الصامتة ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي بغرض البحث عن المعلومات، أما بالنسبة للأقسام (الأولى والثانية) يمكن للأستاذ أن يقرأ النص على تلاميذه حتى يساعدهم على إيجاد الإجابات المناسبة.
القراءة الصامتة تعتبر وسيلة تجنيد للبحث عن المعلومة في الحياة اليومية، ولهذا يجب على المدرسة أن تنمّيَ كفاءات، وقدرات القراءة الصامتة عند المتعلم ابتداء من السنة الأولى.
وأما القراءة الجهرية فأهدافها تتمثل في مراقبة نوعية القراءة، وتحسين آليات وميكانزمات القراءة.
مراقبة نوعية القراءة الجهرية: يراقب الأستاذ القراءة الجهرية لإحصاء الصعوبات ومعالجتها، وتعالج الصعوبات على السبورة حتى يستفيد المعنيّ منها، والمتعلمون الآخرون، هذه المعالجة الفردية (المعنيّ)، والمعالجة الجماعية (كل التلاميذ) تعتبر فرصة لإعادة التعلم بالنسبة للتلاميذ الذين لديهم بعض الصعوبات، ومراقبة القراءة الجهرية عمل يومي ومستمر على دوام السنة.
تحسين آليات القراءة: تتمثل آليات القراءة في:
- الأداء أو النطق، أي إخراج أصوات القراءة بدون تهجٍّ.
- قراءة وحدات لها معنى.
- القراءة الإجمالية للكلمات.
- احترام علامات ترقيم النص.
- التعبير عن الشعور الموجود في النص...
وهدف تحسين كل هذه الآليات هو الوصول بالمتعلمين إلى القراءة المتسلسلة، المعبّرة، المسموعة والمفهومة من الآخرين، وتوظف القراءة الجهرية للرّدّ على الأسئلة المتعلّقة بفهم النص، عوض أن يكون الجواب شفهيا، يطلب من المتعلم قراءة الجمل، أو الفقرة التي تحتوي على الإجابة.
ملاحظة: إذا كانت القراءة الصامتة هدفها البحث عن المعلومات، فإن القراءة الجهرية هدفها تحسين آليات القراءة منها السرعة والنوعية، فعلى الأساتذة الكرام أن يوظفوا هاتين القراءتين بالتوازي خلال معالجة النصوص،
فتحسين آليات القراءة يخضع إلى أهداف ومحتويات معينة ومختارة من الأستاذ حسب حاجيات التلاميذ، ولهذا السبب يختار الأستاذ مقطعا أو فقرة من النص تكتب على السبورة، وتعالج من حيث الفهم والأداء، ويستعمل الأستاذ الألوان للإظهار كالمد، والحروف الساكنة، وعلامات الترقيم، وعلامات التعجب، والاستفهام... وأما التركيز على آليات القراءة فيساهم في تحسين وتطوير سرعة ونوعية القراءة الجهرية، لكي يصبح القارئ مفهوما ومسموعا.
* تنظيم مسابقات في إطار أداء النصوص بعد تحديد مقاييس التقييم حسب نمط ونوعية النص، وهذا الأخير يساهم في تطوير كفايات وقدرات القراءة عند المتعلم.
* تنظيم مسابقات في القراءة هدفها ليس ترتيب التلاميذ أو أفواج القسم، بل هدفها التحفيز والترغيب للقراءة، والنظر إليها كنشاط فكري وتعليمي.
الخلاصة: القراءة ليست إجهار المكتوب بل فهم ما هو مكتوب بدرجة أولى، وبناء معنى (فهم) النص. ويكون من خلال البحث وإحصاء الكلمات المفتاحية التي لها دلالة تساعد على فهم المدلول.
* لبناء فهم النص يوظف القارئ القراءة الصامتة.
* القدرة على بناء المعنى الإجمالي للنص تنمّى عند المتعلم من بداية مرحلة التعلّم، كما يأخذ بعين الاعتبار التعلمات الظرفية الخاصة بتحسين آليات وميكانزمات القراءة لكي تصبح القراءة مسترسلة، معبرة، مسموعة، ومفهومة.
لتحقيق أهداف القراءة (فهم المكتوب) ينبغي على الأستاذ الأخذ بعين الاعتبار الفهم والتحكم في آليات القراءة.
آليات القراءة ليست أهدافا بل شرط ضروري للقارئ، وتسمى تعلمات ظرفية، يركز عليها الأستاذ خلال السنوات الأولى من التعليم (السنة الأولى، والثانية من التعليم الابتدائي).
* أنشطة بناء الفهم وتحسين آليات القراءة تعتبر أنشطة متداخلة، وليست منفصلة عن بعضها.
* على الأستاذ الفاضل أن يقترح خلال الحصة الأنشطة الخاصة بالفهم، وبآليات القراءة.
* مفهوم القراءة بهذا المنظور يتنافى مع كيفية معالجة النصوص التي تتمثل في تنظيم وترتيب مراحل منفصلة، مستقلة عن بعضها لا تخدم فهم وتركيبة النص، وطريقة تدريس القراءة المعمول بها في معظم الأقسام تهتم بكثرة بالقراءة الجهرية، ومراحل معالجة النصوص تتمثل في القراءة النموذجية للأستاذ، القراءة الفردية (الجهرية)، طرح الأسئلة حول النص، شرح المفردات، وهذه المراحل تطبق على جميع أنماط وأنواع النصوص، علما أن كل النصوص لا تقرأ بنفس الكيفية كما لا تعالج بنفس الطريقة.
توجد أنماط مختلفة للنصوص، وكل نمط يخضع لقواعد كتابية خاصة به. وهذا التنويع في النصوص يفرض مقاربات شتى لمعالجتها، لا نقرأ القصة، ووصفة الدواء بنفس الكيفية، وبالتالي يمكن القول بأنه لا توجد طريقة واحدة لمعالجة النصوص (تعليم القراءة).
.- انطلاقا من هذا الوضع على المؤسسات التربوية أن تنمي عند المتعلم كفايات وقدرات قارئ المستقبل لكي يستطيع أن يكيّف القراءة حسب نمط ونوعية النص، وهدفه، ومشروعه في القراءة،
(أقرأ لماذا؟ متى؟ كيف؟): هدف القراءة ليس التحكم في الرموز، بل القدرة على استعمالها لاكتساب المعرفة والتعلم، لأن القراءة تعتبر مفتاح التعلم.