بحث عن الخوف عند الاطفال | بحث معمق عن أنواع الخوف عند الطفل والوقاية منه
[gdwl]
ملخّص البحث
يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على الحلول العلمية والنفسية لمشكلة الخوف عند الأطفال من محورين اثنين، أولهما الوقاية من الخوف وثانيهما علاج الخوف، ولا بد قبل ذلك من تعريف الخوف وأنماط الخوف وكيفية تطور مخاوف الأطفال وأسباب حدوثها وأنواع المخاوف عند الأطفال في سن ما قبل المدرسة، ثم سيتناول البحث علاقة الخوف بالقلق والذكاء ونتائج ذلك وتأثيره على الطفل وصحته النفسية. ينتهي البحث بخاتمة تبين واقع الخوف وثقافته عند الأطفال في مجتمعاتنا العربية.
مخطط البحث
1 - المقدمة.
2 - تعريف الخوف.
3 - نمط الخوف.
4 - مخاوف الأطفال وكيفية تطورها.
5 - أسباب خوف الأطفال :
أ - الخبرات غير السارة.
ب - التأثير على الآخرين.
ج - الحساسية في الاستجابة ذات المنشأ الولادي.
د - الضعف النفسي أو الجسمي.
هـ - الاستجابة للجوّ العائلي.
- النقد والتوبيخ.
- الضبط والمتطلبات الزائدة.
- الصراعات الأسرية.
- تقليد الخوف.
6 - أنواع المخاوف.
أ - موضوعي.
ب - ذاتي.
7 - أبرز أنواع المخاوف عند الأطفال في سن ما قبل المدرسة.
أ - الخوف من البقاء منفرداً في البيت.
ب - الخوف من الحيوانات.
ج - الخوف من الظلام.
د - الخوف من المدرسة (الروضة).
هـ - مخاوف أخرى.
8 - الخوف والقلق.
9 - الخوف والذكاء.
10 - تأثير الخوف على الطفل.
11 - المخاوف المتلاشية والمتزايدة.
12 - الوقاية من الخوف.
أ - تهيئة الطفل للتعامل مع التوتر.
ب - التعاطف والدعم للأطفال.
ج - التعرّض المبكر والتدريجي للمواقف المخيفة.
د - التعبير عن المشاعر ومشاركة الآخرين بها.
هـ - تقديم نموذج للهدوء والتفاؤل والاستجابة المناسبة.
13 - علاج المخاوف
أ - تقليل الحساسية والإشراط المضاد.
ب - ملاحظة النماذج.
ج - التخيل الإيجابي.
د - مكافأة الشجاعة.
هـ - طرق أخرى للعلاج.
14 - الخاتمـة.
15 - المراجـع.
1 - المقدمة :
من بين الانفعالات التي يعيشها الإنسان في حياته يعتبر الخوف واحداً من أكثرها شيوعاً وتثيره موافق عديدة لا حصر لها، والتي تتباين تبايناً كبيراً في حياة مختلف الأفراد، كما تتنوع شدته من مجرد الحذر إلى الهلع والرعب، ويعتبر الخوف إحدى القوى التي قد تعمل على البناء أو على الهدم في تكوين الشخصية ونموها[1].
وقد كان العلماء يعتقدون أن الطفل يولد مزوداً بغريزة الخوف، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الخوف عند الطفل لا يبدأ قبل الشهر السادس، ولا يكون في هذه السن واضحاً أو محدداً، وأكثر ما يبدو ذلك بتأثير الأصوات العالية، وإضاعة التوازن[2].
وتعتبر السنوات الأولى في حياة الفرد من أهم الفترات، بل هي الدعامة الأساسية التي تقوم عليها حياته النفسية والاجتماعية، وفي خلالها يتقرر ما إذا كان سينشأ على درجة معقولة من الأمن والطمأنينة، أو سيعاني من القلق النفسي والخوف، ذلك لأن أية خبرة نفسية وجدانية مخيفة يصادفها الإنسان في طفولته تسجل في نفسه وتظل هائمة فيها، وقد يستعيدها لاشعورياً في كبره فيشعر بالخوف، وقد يسقط مشاعرها على المواقف والخبرات المشابهة فيخاف[3].
والمخاوف المعقولة جزء طبيعي من الحياة، وكل طفل يتعلم طائفة معينة من المخاوف، وبعض هذه المخاوف تساعد على حفظ الذات مما يدفع الطفل إلى تجنب الأخطار المرتبطة بها، وقد تكون هذه المخاوف أساساً لتعلم أمور جديدة (كالخوف من السيارة المسرعة أو الخوف من بعض الحيوانات المؤذية).
إلا أن المخاوف الشديدة والكثيرة الانتشار والتكرار والتي ترتبط بأنماط سلوكية معينة (كالبكاء والانسحاب والتماس المساعدة...) لا تتفق ولا تتناسق مع السلوك المتزن الفعال، وقد تكون بعض مخاوف الأطفال من هذا النوع، وبذلك يمكن أن تكون أكبر عائق يقف في سبيل نموهم الصحي[4].
2 - تعريف الخوف :
هناك تعاريف عديدة للخوف وسنكتفي بهذه التعاريف :
"الخوف إشارة تهدف إلى الحفاظ على الذات، وذلك بتعبئة الإمكانات الفيسيولوجية للكائن الحي"[5].
"الخوف حالة انفعالية طبيعية تشعر بها كل الكائنات الحية في بعض المواقف... فيظهر في أشكال متعددة وبدرجات تتراوح بين مجرّد الحذر والهلع والرعب"[6].
"الخوف هو انفعال قوي غير سار ينتج عن الإحساس بوجود خطرٍ ما وتوقّع حدوثه"[7].
3 - نمط الخوف :
يعدّ الخوف إشارة تهدف إلى الحفاظ على الذات، وذلك بتعبئته الإمكانات الفيزيولوجية للكائن الحي. إذ يبدأ الخوف على صورة نبض في الدماغ فينبه بدوره الأعصاب الودّية لتنبه مناطق مختلفة في الجلد وأعضاء مختلفة كالقلب والرئتين والأمعاء لتفرز علامات تدل على الخوف، مثل تعرق راحتي اليدين وخفقات القلب وتسرع النبض والتنفس وجفاف الحلق...الخ. والأعصاب الودية تؤدي عملها بواسطة مادة تسمى الأدرينالين، وهي تُفرز عند نهايات الأعصاب[8] الكائنة في الأعضاء المعينة. وإن الغدتين الأدرناليتين نفسيهما وهما تحت تأثير تنبيه أعصاب الود، تفرزان مادة أدرينالية إضافية في مجرى الدم لتزيد المادة الإضافية هذه من نشاط الأعصاب الودية.
فالصورة الكاملة للخوف تنطوي على جميع الأعراض التي يسببها الأدرينالين، وتنتج عنه والتي سبق ذكرها، ولا يشعر الفرد في العادة بما يقوم به الجسم من عمل وما يؤديه من وظائف، ذلك لأن الأعصاب نظيرة الودية تنظّم عمل الأعصاب الودية. وأنه فقط في الحالات غير الاعتيادية مثل حالات / الخوف - القلق - الغضب - الاستشارة / تتحكم الأعصاب الودية بالأعصاب نظيرة الودية فيشعر الفرد بوظيفة بعض الأعضاء[9].
4 - مخاوف الأطفال وكيفية تطورها :
لقد كان هناك شبه إجماع بين العلماء على أن من أهم المثيرات الأولى للخوف في الطفولة المبكرة هي الأصوات العالية الفجائية في السنة الأولى من عمر الطفل، خصوصاً عندما تكون الأم بعيدة عنه. وبتقدّم نمو الطفل تزداد مثيرات الخوف وتتنوع، ففي السنة الثانية وحتى الخامسة قد يفزع الطفل من الغرباء ومن الوقع من مكان مرتفع ومن الحيوانات والطيور التي لم يألفها، ويخاف من تكرار الخبرات المؤلمة التي مر بها - كالعلاج الطبي أو عملية جراحية - كما أنه يخاف مما يخاف منه من حوله من الكبار في البيئة التي يعيش فيها لأنه يقلدهم، فهو يتأثر بمخاوف الغير حتى لو لم تكن واقعية، وكانت وهمية أو خرافية.
ويظهر انفعال الخوف عند الطفل على أسارير وجهه في صورة فزع وقد يكون مصحوباً بالصراخ، ثم يتطور بعد السنة الثانية إلى الصياح والهرب المصحوب بتغيرات في خلجات الوجه أو الكلام المتقطع أو قد يكون مصحوباً بالعرق أو التبول اللاإرادي أحياناً، وتنتشر عدوى الخوف بين الأطفال كالنار في الهشيم.
ويمكن معرفة مدى خوف الطفل بمقارنة مخاوفه بمخاوف أغلب الأطفال الذين هم في مثل سنّه، وبمقارنة درجة هذه المخاوف بدرجة مخاوف أقرانه. فالطفل مثلاً في الثالثة من عمره يمكن أن يخاف من الظلام ويطلب إضاءة المكان، وربما كان خوفه هذا في حدود المعقول، أما إذا فقد الطفل اتزانه وأبدى فزعاً شديداً من الظلام فلا شك أنه خوف شاذ، وهذا النوع من الخوف مبالغ فيه، وهو ضار لشخصية الطفل وسلوكه، أما الخوف الطبيعي المعقول فهو مفيد لسلامة الطفل[10].
ويبدو بعض الأطفال خوافين بشكل عام، وبعضهم الآخر يخاف خوفاً محدداً من شيء أو شيئين، ولا تُظهِر معظم الدراسات وجود فروق في الخوف بين الأولاد والبنات.
إن حوالي نصف الأطفال على الأقل تظهر لديهم مخاوف مشتركة من الكلاب والظلام والرعب والأشباح وحوالي /10%/ من هؤلاء يعانون خوفاً شديداً من شيئين أو أكثر، والمخاوف الأكثر شيوعاً بين سنتين وست سنوات فيما بين سن السنتين والأربع سنوات تغلب المخاوف من الحيوانات والظلام والحيوانات والغرباء، وتقلّ هذه المخاوف عمر خمس سنوات ثم تختفي فيما بعد، وفي عمر /4/ إلى /6/ سنوات تسيطر المخاوف المتخيلة مثل الأشباح والوحوش، وتبلغ ذروتها في عمر /6/ سنوات ثم تختفي فيما بعد.
إن /90%/ من الأطفال تحت السادسة من العمر يظهر لديهم خوف محدد يزول بشكل طبيعي[11].
وبالرغم من أن طبيعة مخاوف الأطفال قد يعتريها التغير مع مرور الزمن، إلا أنه في جميع الحالات تعتبر المخاوف أساساً توقعاً لخطر أو لحدث غير سار، إلا أنها تتميز الواحدة منها عن الأخرى في بعض النواحي، فالخوف الواقعي بصورة عامة يعتبر أكثر تحديداً، فهو عبارة عن استجابة لخطر حقيقي، والجدير بالذكر أنه لا يوجد مثير واحد يُحدث الخوف في مرحلة الطفولة، بل هناك مجموعة من العوامل، ويتعلم الطفل من خلال نموه التمييز بين ما هو مألوف (لذلك فهو في أمان) وما هو غير مألوف (يعتبره خطراً عليه) وقد قام جيرسلو وهولمر (1935) بدراسة واسعة لمخاوف الأطفال في فترة ما قبل المدرسة، حيث سُجّلت مخاوف الأطفال والظروف المتصلة بها لمدة /21/ يوماً، وقد كانت نتيجة الدراسة أن المخاوف من الأشياء الحقيقية (الضوضاء أو الأشياء أو الأشخاص أو الحركات المفاجئة غير الموقعة والغريب من الأشياء والمواقف والأشخاص) كانت تتناقص بتقدّم العمر، على حين أن المخاوف من أخطار متوهمة أو خارقة للطبيعة (كالوقائع المرتبطة بالظلام والأحلام واللصوص والمخلوقات الخرافية وأماكن وقوع الحوادث) فكانت تزاد بتقدم العمر، كما لوحظ أن العلامات المرتبطة بالخوف (مثل البكاء - الهلع - الانسحاب) كانت تتناقص من حيث التكرار أو الشدة كلما تقدّم الطفل بالعمر.
ويصعب التنبؤ بمخاوف الأطفال إلى حدّ كبير بسبب الفروق الفردية الكبيرة من حيث القابلية للخوف ومن حيث مبلغ تعرضهم للخوف، فالمثير الواحد قد يكون مخيفاً إلى حدٍّ كبير بالنسبة لطفل ما، بينما لا يُحدث شيئاً من الاضطراب لطفل آخر، كما أن الطفل نفسه يمكن أن يضطرب كثيراً بمنبه خاص في موقف معين، ثم لا يعيره انتباهاً في موقفٍ آخر[12].
فمثلاً، الطفل الذي يعيش في الريف لا يخشى الحيوانات الأليفة كالكلب أو البقرة أو النعجة، لكن الطفل الذي يتربى في المدن يخافها، وهذه إشارة إلى تأثير البيئة ومخاوف الأطفال تتكون أثناء الطفولة الباكرة ونتيجة لتعاملهم مع البيئة وتأثرهم بالنمط بالحضاري لهذه البيئة وما فيها من مفاهيم وعادات وأساطير ومواقف[13].
5 - أسباب خوف الأطفال :
إن للخوف عند الأطفال مصادر كثيرة من أهمها :
أ - الخبرات غير السارّة : إن الخبرات غير السارة التي يمرّ بها الأطفال تترك آثاراً سلبية لا تزول بسهولة، إذا يخاف الطفل من تكرار الخبرات المؤلمة التي مرّ بها كالعلاج الطبي أو عملية جراحية أو أن يكون قد تعرّض للعض مثلاً أو التهديد من قبل حيوان ما يمكن أن يسبب له خوفاً محدداً من ذاك الحيوان أو خوفاً من جميع الحيوانات أو توجهاً عاماً للخوف من أي موقف، ويمكن أن يتسع مدى الخوف بالنسبة لموضوع الخوف الأصلي بالتعميم حيث يمتد ليشمل لدى الأطفال مجالات متعددة. فالخبرة التي يمر بها طفل صغير مع كلب ما يمكن أتؤدي إلى خوف من جميع الطلاب وجميع الحيوانات وجميع الأشياء ذات الفراء - كذلك من الخبرات غير السارة التي مكن أن يكون قد تعرّض لها - السقوط - الاصطدامات - الرعد - الحرق بشيء ما - المياه مثلاً : يمكن أن يصبح الاستحمام مخيفاً للطفل بسبب الانزلاق في الماء أو لسع الصابون عندما يدخل عينيه.
ب - التأثير على الآخرين : إن الطفل يمكن أن يستخدم المخاوف كوسيلة للتأثير على الآخرين واستغلالهم، فأحياناً قد يكون إظهار الطفل الخوف هو إحدى الطرق القوية لجذب الانتباه، وهذه الطريقة[14] تعزز بشكل مباشر وجود المخاوف لدى الطفل. وهكذا يؤدي الخوف إلى حالة من الارتياح والرضى على نحو يزيد من حالة الشعور بالخوف، والمشكلة أن الخوف يصبح مريحاً ومؤلماً في آن واحد، ويزداد الأمر تعقيداً عندما يكون الخوف هو الطريقة الوحيدة لدى الأطفال للتأثير على والديهم، وكلما أظهر الطفل خوفه فإن الوالدين يسعيان لتهدئة الطفل، رغم ذلك فهم يفشلون في الوصول إلى هذا الهدف، ومن الأمثلة على هذا النمط من السلوك الخوف المرضي من الذهاب إلى الروضة، إذ يُظهر الطفل خوفاً شديداً من الذهاب إليها وتكون النتيجة أن يسمح له الوالدان البقاء في البيت، وبذلك يحصل الطفل على ما يريد من تجنب الروضة والبقاء في البيت، ويقوى هذا الخوف إذا كان الوالدان مترددين حول إرسال الطفل للروضة وعملا دون قصد على جعل إقامته في البيت متعة أو خبرة سارة بالنسبة له، كأن يعطي اهتماماً زائداً لم يكن ليحصل عليه من قبل، ونتيجة لذلك يصبح الخوف وسيلة يستخدمها الطفل للتأثير على الآخرين، وقد يفقد السبب الرئيسي للخوف فاعليته إلا أن الخوف نفسه يبقى ويصبح عادة[15].
ج - الحساسية في الاستجابة ذات المنشأ الولادي : يوصف بعض الأطفال بأنهم كانوا دائماً حساسين للغاية وخوّافين منذ الولادة أو خلال السنة الأولى أو الثانية من العمر، وهؤلاء الأطفال يُظهرون استجابات جدّ قوية للأصوات أو للحركة المفاجئة أو للتغيرات في البيئة...الخ. والاستنتاج الواضح هو أن الأجهزة العصبية المركزية لهؤلاء الأطفال هي منذ الولادة أكثر حساسية من غيرها، ولذلك فهم يستجيبون لمثيرات أضعف ويحتاجون إلى وقت أطول لاستعادة توازنهم، وينتج ذلك عن مزيج من العوامل الوراثية وظروف الحمل والولادة - لذلك فإن هؤلاء الأطفال يستجيبون بهذه الطريقة بحكم تكوينهم، فالطفل الذي يبكي بعنف لصوت مفاجئ متوسط الشدة قد يكون أكثر تهيؤاً لتطوير مخاوف شديدة، والتي يمكن تعميمها بسرعة وسهولة على مواقف أخرى، ثم يعمم هذه المخاوف على مواقف أخرى وهكذا.
وعندما يصل هؤلاء الأطفال إلى عمر /4/ أو /5/ سنوات تكون المخيلة قد منت جيداً فيظهر لديهم ميل قوي لتخيّل جميع أشكال الحوادث المزعجة، وعندما تزداد شدة المخاوف وتطول فترتها بشكل ملحوظ فإنها تصبح مخاوف مرضية يمكن أن تؤثر على حياة الطفل، وفي الغالب تؤثر على حياته اليومية، فمثلاً قد يخاف الطفل الزائد الحساسية من الاستغراق في النوم متخيلاً أنه قد لا يستيقظ من نومه أو أنه سوف يحلم أحلاماً مرعبة[16].
د - الضعف النفسي أو الجسمي : يكون الأطفال أكثر استعداداً لتطوير المخاوف عندما يكونون متعبين أو مرضى، وخصوصاً إذا استمرت حالة الضعف الجسمي لفترة طويلة، فهي ستؤدي إلى شعورٍ بالعجز وضعف المقاومة بحيث تصبح الدفاعات السيكولوجية للطفل أقل فاعلية، وعندما يكون اعتبار الذات لديه منخفضاً يكون أكثر عرضة لتطوير المخاوف، إذ يشعر بالحزن والعزلة والعجز وضعف القدرة على التعامل مع المشاعر والأفكار المثيرة للخوف، والآباء المتساهلون يسهمون أكثر من اللازم في تطوير قبل هذا النمط من السلوك لأنهم لا يساعدون الطفل على تطوير الشعور بالجدارة الناتج عن مراعاة الحدود التي يفرضها الآباء للسلوك أو تلبية المتطلبات - إن الأطفال الضعيفين جسمياً يشعرون بعدم القدرة على التعامل مع الأخطار الواقعية أو المتخيلة.
هـ - الاستجابة للجو العائلي :
¨ النقد والتوبيخ : إن النقد الزائد للأطفال قد يؤدي إلى تطوير شعور بالخوف لديهم، حيث[17] يشعرون بأنهم غير قادرين على فعل شيء صحيح، ويبدو هؤلاء الأطفال كأنهم يتوقعون النقد دائماً، وهذا يؤدي بدوره إلى أن الطفل يفقد الثقة بنفسه ويظهر عليه الجبن والخنوع. كما أن التهديد المتكرر بالتقييم السلبي يؤدي إلى نتيجة مشابهة، فمثلاً عندما يُوبخ الطفل لأنه وسّخ ملابسه فإن النتيجة ستكون ظهور الخوف من الاتساخ لديه، وقد يتعمم هذا الخوف ليصبح خوفاً من الفوضى، ويعتمد شكل الخوف على الجانب الذي يوجه النقد إليه، فالأطفال الذين يُنتقدون بسبب فاعليتهم أو نشاطهم قد يصبحون أطفالاً خجولين خوافين[18].
¨ الضبط والمتطلبات الزائدة : إن الأطفال الذين يعيشون في جو بيت يتسم بالضبط الزائد يمكن أن يصبحوا أطفالاً خوافين بشكل عام أو أطفالاً يخافون من السلطة بشكل خاص، فقد يخافون من المعلمين أو رجال الشرطة أو ممن يمثلون السلطة.
أحياناً يستخدم التخويف من قبل الأهل لحفظ النظام أو لدفع الطفل لعمل معين أو منعه من عمل معين كاللعب أو الضوضاء، وهذا التهديد هو مصدر كامن للمخاوف التي تعيق نمو الطفل. وهناك آباء ذوو متطلبات زائدة لا يحتملون المخاوف المؤقتة التي تظهر لدى أطفالهم ولا يتقبلونها ونتيجة لتوقعهم أن يكون الطفل كما يريدون فهم يوجهون النقد للطفل لأنه يتصرف بشكل طبيعي، وتوقعات الآباء المبالغ فيها هي سبب قوي لخوف الأطفال من الفشل[19].
¨ الصراعات الأسرية : إن الجو المتوتر في البيت الذي تحدث الصراعات المستمرة بين الوالدين أو بين الأخوة أو بين الآباء والأبناء يؤدي إلى شعور بعدم الأمن. والأطفال الذين لا يشعرون بالأمن يحسون بأنهم أقل قدرة من غيرهم على التعامل مع مخاوف الطفل العادية، وحتى المناقشات اليومية حول المشكلات المالية أو الاجتماعية يمكن أن تخيف الأطفال وخاصة الحساسين الذين يشعرون بأنهم مثقلون بمشكلات الأسرة التي لا يستطيعون فهمها ويسيئون تفسيرها باعتبارها مشكلات لا أمل في حلّها. وتتضخم هذه المشاعر إذا أدرك الأطفال وجود ضعف في قدرة الآباء على مواجهة المشكلات[20].
¨ تقليد الخوف : يخاف الطفل عن طريق المشاركة الوجدانية لأفراد أسرته ومن يخالطهم في البيئة، كما يتعلم الخوف بتقليده لسلوكهم من خلال ملاحظته الخوف لدى الكبار أو الأخوة أو الرفاق. ومن المعتاد أن نرى لدى الأطفال شديدي الخوف واحداً من الوالدين على الأقل لديه مخاوف شديدة، فمثلاً الأم التي تخاف من الكلاب أو المرتفعات قد يعاني طفلها من خوف مشابه. وبما أن الخوف يتم تعميمه فإنه من المحتمل أن يطوّر الطفل خوفاً من أي شيء، وهناك بعض الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للخوف بسبب وضعهم المزاجي العام. لذا فمن المتوقع أن يعاني أحد أطفال الأبوين الخوافين من حالة خوف شديد بينما لا يعاني أشقاؤه من أية مخاوف. والمخاوف التي تكتسب عن هذا الطريق تمتاز بطول بقائها وتقاوم العلاج والانطفاء بشكل خاص[21].
[1] مشكلات الأطفال اليومية، دوغلاس توم ؛ ترجمة اسحق رمزي، 1953، ص 141.
[2] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 98 - 99.
[3] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 8.
[4] علم النفس التكويني، صباح حنا هرمز، يوسف حنا إبراهيم، 1988، ص 357.
[5] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 98 - 99.
[6] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 8.
[7] مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989، ص 128.
[8] علاجك النفسي بين يديك، كيلرويكس ؛ ت: عبد العلي الجسماني، 1994، ص 20.
[9] المرجع السابق نفسه، ص 20 - 21.
[10] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 9.
[11] مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989، ص 128.
[12] علم النفس التكويني، صباح حنا هرمز، يوسف حنا إبراهيم، 1988، ص 357 - 358 - 359.
[13] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 98 - 99.
[14] مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989،
ص 129 - 131.
[15] المرجع السابق نفسه، ص 131.
[16] المرجع السابق نفسه، ص 132.
[17] المرجع السابق نفسه، ص 131.
[18] المرجع السابق نفسه، ص 132.
[19] المرجع السابق نفسه، ص 132.
[20] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 15.
[21] المرجع السابق نفسه، ص 15.
6 - أنواع المخاوف :
للخوف نوعان متمايزان هما : الخوف الموضوعي والخوف الذاتي.
أ - المخاوف الموضوعية : هي الأكثر شيوعاً بين المخاوف، وهي ناجمة عن سبب يمكن التعريف عليه وكثير من الآباء يتعرفون عليه. ولما كان تحديد مصدر هذه المخاوف ليس عسيراً كان التغلب عليها بسرعة أمراً ممكناً - كالخوف من الحيوانات والأطباء والبرق والأماكن العالية والنار والجنود والماء في حوض السباحة أو البحر أو الخوف من النار ومن المدرسة -. وهذا النوع من الخوف[1] يحصل نتيجة لتجارب أو خبرات غير سارة حصلت للطفل سابقاً أو إثر سماع الطفل قصة معينة أثارت في ذلك الوقت رداً انفعالياً سيئاً. ويعتبر هذا النوع من الخوف مفيد أحياناً، فهو يدعو إلى الحيطة والحذر من بعض مصادر الخطر أو المواقف التي يلاقيها الطفل في حياته، فمثلاً خوف الطفل من النار يجنبه مخاطرها، وخوفه من السيارات أيضاً يمكن أن يجنبه حوادث السير، وهكذا. ولكن إذا زاد عن حدّه فإنه يمكن أن يصبح خوفاً مرضياً ويشكل عويصة للآباء والأطفال[2].
ب - الخوف الذاتي : ويكون عاماً وغير محدد وليس واقعياً. وكثير من الأحيان لا يمكن تحديد أسباب هذا النوع من الخوف إلا بعد وقت طويل ودراسة دقيقة. ولعل أهم هذه المخاوف هو الخوف من الموت، والخوف من الظلام، وكلاهما يعاني منه كثير من الأطفال. والخوف أيضاً من الغيبيات المجهولة كجهنم والغول والعفاريت والجن وغيرها. فمثلاً تكون الأفكار الغامضة غير المحددة عن الموت أساساً لقدر كبير من القلق العقلي عند الأطفال يفوق ما نسلم به عادة. ومن الأمثلة على ذلك طفل في الرابعة من العمر كان يعتريه الهم ويقاسي الأسى والجزع لأنه كان يخشى أن يُدفن في بطن الأرض حياً، وكان مصدر هذا الخوف قصة سمعها عن لصوص للمقابر شرعوا ببتر أصابع سيدة دُفنت حديثاً كي يحصلوا على جوهرها، فإذا بها تعود إلى الحياة وكان الناس قد ظنّوا أن أجلها قد انتهى[3].
كما أن العادات والتقاليد في المجتمعات العربية تبالغ في طقوس الحزن عند وفاة شخص عزيز، فكثرة البكاء وإظهار الآلام والعزاء لعدة أيام كلها تجعل الطفل يقظاً يقظة شديدة للموت، وهذا قد يجعله يتوقع حدوث الموت له، وخصوصاً إذا كان قلقاً، كما يؤدي إلى أن يحلم أحلاماً مزعجة عن الموت وهكذا[4].
7 - أبرز أنواع المخاوف عن الأطفال في سن ما قبل المدرسة :
من أهم المظاهر الانفعالية لهذه الفترة هي ما قد يعانيه الأطفال من مخاوف. ذلك أنها يمكن أن تكون أكبر عائق في سبيل نموهم الصحي السليم. ومن أبرز هذه المخاوف نجد :
أ - الخوف من البقاء منفرداً في البيت : حيث يخاف الطفل أن يتركه أهله وحده في البيت. ولو تعمقنا في البحث عن سبب هذا الخوف فإننا نرى أن معظم الكائنات الحية تستمد الإحساس بالأمان من مصدرين اثنين هما القوة الشخصية وولاء وقوة المحيطين أو الحلفاء. وهذه حال الطفل الصغير الذي لا حول له ولا قوة، وهو يستمد قوته من حلفائه الذين هم الأهل طبعاً في هذا المجال، وترك الطفل وحيداً ولو لوقت قصير يجعله محروماً من هاتين القوتين، فهو حتى إذا أراد الحصول على طعامه فسيجد نفسه غير قادر على ذلك. ويعتبر أحد علماء النفس الأمريكيين أن "العزلة هي المصدر الأكبر للرعب في الطفولة المبكرة"[5].
أما إذا تُرك الطفل من قبل أمه بسبب ظروف عملها خارج المنزل فلا خوف من ذلك بشرط أن تمنحه المحبة الكافية وتُشعره فعلاً بأنها تحبه، وألا تعامله كأمر واقع مفروض عليها، وأن كل ما يطلب من الأم هو تأمين مأكله ونظافته وملبسه ووسائل التسلية والراحة. وقد يكون أهم من ذلك كله هو منح المحبة، فإذا مُنحت هذه المحبة بطريقة موضوعية ومعتدلة دون إفراط ثم استُكملت بأن تترك الأم الطفل مع أناس موثوقين ومحبوبين من قبله فإن ذلك لن يتسبب في مخاوفه طالما أنه متأكد من أن أمه ستعود إليه في وقت محدد[6].
كما أن بعض الأهل وعلى غير علم يزرعون الخوف من البقاء في البيت وحيداً في نفوس أطفالهم وكأنها قصاص لهم كأن يقول أحد الوالدين للطفل : (إن لم تكفّ عن عمل ذلك سوف أتركك وحدك في البيت)، وفي هذه الحالة تصبح مسألة الترك وحيداً في البيت بالنسبة للطفل بمثابة التهديد المرعب الذي ينطوي على القصاص، والقصاص غير محبب لأن المقصود فيه الإيذاء والإيلام، ولذلك ينصاع الطفل للأوامر بمجرد تهديده بهذا الأمر المرعب وهو البقاء وحده في البيت[7].
ب - الخوف من الحيوانات : هذا النوع من الخوف مشترك عند معظم الأطفال. وتتضاءل حدته مع نمو عقل الطفل ومع فهمه لطبيعة بعض الحيوانات، وخاصة الأليفة منها وتوطيد العلاقة بها. لكن قسماً كبيراً منهم ترافقهم هذه المخاوف حتى مرحلة النضج والرشد، فيبقى خوفهم من الحيوانات الصغيرة والكبيرة المتوحشة منها والأليفة، وينشأ لدى الأطفال في سن ما قبل المدرسة خوف من الحيوانات وخاصة القطط والكلاب، وليس ثمة سبب للسخرية من طفل مرتعب أو إكراهه على الاقتراب من كلب حراسة مزمجر ومكشّر عن أنيابه. ويثبت من التجارب أن تعويد الطفل على ملاطفة الكلاب وإطعامها بصورة تدريجية (حيث نقدم جراءً للطفل كي يلعب معها ومساعدته بالتدريج وبمعدله الخاص على التعرض لكلاب أكبر فأكبر بالتدريج حتى يكتسب مزيداً من الشجاعة). فالتعاطي مع هذه الحيوانات كمخلوقات ضعيفة وهو القوي الذي يقدم لها العون والحب والرحمة لكونها ضعيفة يؤدي إلى الألفة المطلوبة بين الطفل والحيوانات، ومن ثم يزال الخوف من نفسه وتُستبدل المشاعر بنقيضها[8].
وغريب خوف الصغار من الحيوانات الأليفة من كلب وقطة وقد راقب مرة أحد علماء النفس لدى الأطفال صغيراً يجفل ويرتعد من الحمامة، وفي موقف آخر كان الطفل نفسه قد ابتسم عندما رأى لأولى مرة كلب ينبح بشدة فقال : (آه إنه يسعل)[9].
ج - الخوف من الظلام : إن خوف الطفل من الظلام بدرجة معقولة خوف طبيعي لأنه يجعله يعيش في المجهول فلا يمكنه التعرف على ما حوله فيخاف الاصطدام بشيء ما أو الإصابة من شيء ما يعترضه. أما الخوف المبالغ فيه من الظلام لارتباطه بذكريات مخيفة كالغولة والعفاريت والجن واللصوص فإنه خوف مرضي لا يستند إلى أساس واقعي، ومن الصعب ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه. وهذا النوع من الخوف يجعل الطفل قلقاً ومضطرباً. وإن ما يثير الخوف هو الأمور التي ينسجها خيال الطفل ويدفعه إلى الظن باحتمال وقوعها في الظلام. والطفل الخيالي قد يُخرج من عقله كل أنواع المواقف المُفزعة فتبدو له حقيقة لا شك فيها مع أنها من نسيج خياله فيفزع. وكثير من القصص التي يسمعها الطفل في الأماكن الساكنة التي يحيط بها الغموض والظلام سيؤدي إلى ربط الظلمة بالغرائب والمعجزات. لاسيما إذا كان الطفل ينام وحده في غرفة مظلمة فيشطّ خياله وتقوده الوحدة والظلمة إلى تلك الأقاصيص التي كان مسروراً لسماعها في النهار، ونتيجة لخياله الواسع فقد يرى الأشكال أشباحاً فيخاف منها. كما أن خوف الأهل من الظلام ينقل العدوى إليه عن طريق الإيحاء. كذلك عملية التخريف التي يمارسها الأهل والأخوة الكبار بطريقة المداعبة وخصوصاً أثناء الظلام[10].
كما أن كثيراً من الأهل يقومون بتعليم أطفالهم الخوف من الظلام، فعندما ينام الطفل في غرفة وحده يطفئ الضوء وعندما يشعر بألم أو بحاجة ما سيصرخ طالباً أمه وستهرع لنجدته وتضيء النور لمرد وصولها إلى غرفته وتقوم بمواساته بمحنته فيحدث الإشراط بين وجود الأم ورعايتها وبين الإضاءة ويُعلّم الطفل الخوف من الظلام. ومن الأفضل في هذه الحالة ولتجنب الإشراط أن تدخل الأم إلى الغرفة دون إضاءة النور وتعيد الاطمئنان إلى الطفل، حتى إذا تأكدت من زوال المشكلة يمكنها إضاءة النور. وقد يتعلم الطفل الخوف من الظلام بسبب رؤيته لأفلام الرعب الليلية في التلفزيون، لذلك يجب تجنيبه هذه المواقف. لذلك يجدر بالآباء مناقشة الأطفال حول الظلام وإقناعهم دون إصرار أو إرغام بأن الظلام لا يدعو إلى الخوف، وعندئذ يجب تدريبهم على النوم في الظلام، ويتم هذا تدريجياً. كما يجب طمأنة الطفل أنه لن يصيبه مكروه لو استيقظ ليلاً وذهب إلى دورة المياه وإرشاده كيف يمكنه إضاءة الجرة أو دورة المياه ثم إطفاؤها ثانية، ويمكن أن يزود الطفل ببطارية توضع قرب سريره للغرض نفسه، وهكذا بالتدريج يمكنه التخلص من هذا الخوف[11].
د - الخوف من المدرسة (الروضة) : عندما يبلغ الطفل الرابعة من عمره يكون على قدرٍ كافٍ من النضج ويجب تسجيله في رياض الأطفال. وإن رفض الطفل الذهاب إلى الروضة ليس أمراً نادراً، فكثيراً ما يحدث هذا الأمر، والسبب يعود في ذلك إلى أن الطفل لم يتعود الانفصال عن أمه وخصوصاً الأم التي تهتم بالطفل كثيراً والتي تكون متعلقة به. فالطفل يخاف من الانفصال عن أمه ومنزله في حقيقة الأمر، وليس السبب هو الخوف من المدرسة بحدّ ذاتها[12].
إن الأطفال الذين يكشف سلوكهم عن خوفهم في أول يوم لهم في الروضة ليسوا بالضرورة سيئي التكيف، فبعض الأطفال الذين لا يبكون ولا يتشبثون بأمهم أكثر من هؤلاء الذين يفعلون هذا. إن أول تعبير عن الخوف لا يشير بالضرورة إلى صعوبات في المستقبل، وتكرار التعبير عن الخوف لا يثبت بالضرورة أن الطفل خائف بصفة خاصة. فعادة ما يتلاشى التعبير الصريح عن الخوف مع نمو الطفل.
لذلك يجب على الأهل ألا يصروا على الطفل أن يعود إلى الروضة وإلا فإن المشكلة ستتفاقم وتصبح صعبة وستحتاج إلى جهود كبيرة للقضاء عليها. فمن الممكن أن تكون الأم هي السبب في خوف الطفل من الذهاب إلى الروضة لسبب غير مباشر لانزعاجها من انفصالها عن طفلها، وعندها لا تكون العلّة في الطفل وإنما في الأم. كذلك من الأسباب التي وراء خوف الطفل الضعف العقلي أو الضعف في الحواس كعدم القدرة على سماع الدرس إذا كان الطفل يعاني من مشكلة سمعية، أو عدم القدرة على رؤية السبورة لضعف البصر، وقد يكون السبب في الاعتماد الزائد على الأهل أو توتر الطفل نتيجة المواقف الأسرية الخاطئة كالحماية الزائدة أو النبذ أو طلب الأهل من الطفل أكثر من طاقته في الدراسة، كذلك التهديد من قبل المعلمة بوضع الطفل الكسول في غرفة الفئران وغير ذلك. كل ذلك يؤدي إلى رفض المدرسة والخوف منها[13].
هـ - مخاوف أخرى : ومن أنواع الخوف الأخرى الخوف من الموت، ويحدث للأطفال نتيجة موت عزيز على قلوب العائلة أو موت طفل يعرفه، ويمكن أن يمتد هذه الخوف لكل ما له علاقة بالموت كالمقابر ولواحقها وكون ظاهرة الموت غامضة وغيبية على الطفل فإنها تبعث الخوف في نفسه. كذلك هناك مخاوف مؤقتة تختفي مع تقدم الطفل في النمو كالخوف من الظواهر الطبيعية والضوضاء والعواصف والخوف من الأخطار المتوهمة مثل الأرواح والغيلان. وهناك نوع من الخوف عند الأطفال العاطفيين من ذوي السلوك الهادئ والإحساس المرهف هو الخوف على صحة الآباء، فالآباء الذين يبدون أمام أطفالهم قلقين وضعفاء وعاجزين يسهمون بدرجة كبيرة في مخاوف أطفالهم. كذلك هناك الخوف من الحديث أمام الناس وخصوصاً المعلمين. ويشتكي الأهل من هذه الظاهرة، فالأطفال يتمتعون بطلاقة الحديث في المنزل بينما في الحضانة لا يجيبون عن أسئلة المعلمة ويرتعدون خوفاً منها ويتلعثمون أمامها، وفي هذه الحالة[14] يمكن التغلب على الخوف بتعويد الطفل على القراءة منفرداً وبصوت عالٍ، والوقوف أمام المرآة وفي الطبيعة أو أمام الأهل والقيام بإلقاء قصيدة أو كلمة قصيرة بطريقة خطابية. وهكذا يتخلص الطفل من خوفه هذا[15].
8 - الخوف والقلق :
إن كلمتي الخوف والقلق غالباً ما يتم استخدامهما بصورة تبادلية. فردود الأفعال البدنية إزاء الخوف والقلق تتشابه إلى حدّ بعيد ويتأثر الجهاز العصبي اللاإرادي بهما ويؤثر على الجهاز المعدي المعوي ويزيد من إفراز الأدرينالين ويزيد من معدل نبض القلب وهكذا. ومن الأهمية بمكان أن نفرّق بين هذين الانفعالين عند الأطفال، فالخوف يعتبر ردّ فعل انفعالي إزاء تهديد معين، فالطفل الذي يخاف من شخص أو حيوان أو شيء أو موقف ما أن ننمك
يدرك مصدر الخوف على أنه أقوى منه ومن ثم القدرة على إيذائه، فهو ضعيف قياساً إلى القوة التي تهدده. وما يخفف من الخوف وجود شخص قوي ودود مثل الأم أو الأب أو الأخوة الأكبر سناً. ويمكن أن يتغلب الطفل على الخوف إذا ألف مصدر التهديد (كالحجرة المظلمة أو الكلب أو غيرها...). أما القلق فينشأ من إحساس عام بالضعف، ومن هنا تكون عدم القدرة على مجابهة الأخطار، فالطفل المرتعب يشعر أنه لا يستطيع التصدي لخطر بعينه أما الطفل القلق فإنه يقلل دائماً من شأن قدرته على مواجهة الحياة بصفة عامة أو مواجهة معظم المواقف. ولا يساعد وجود أشخاص حوله على القضاء على إحساسه بعد الارتياح، فالقلق يأتي من الداخل ومن اللاشعور وليس من الخارج. فالطفل الذي يعاني من القلق ليس لديه مشكلة خارجة وإنما هو نفسه المشكلة وشخصيته ككل، فهو لا يخاف شيئاً معيناً وإنما يخامره إحساس عام بعدم الأمان، وهذا الإحساس قد يؤثر على سلوكه الكلي تأثيراً ضاراً مما يتسبب في عرقلة تعلمه ومواجهة الصعوبات الاجتماعية وكثير من المشكلات المختلفة التي تنضوي تحتها بعض المخاوف النوعية[16].
وقد أوضحت هوري أوجه الشبه بين الخوف والقلق، إذ رأت أنهما يعتبران استجابة لموقف خطر ويحدثان حالة من التوتر وعدم الاستقرار يصاحبها تغيرات جسمية. وقد يكون الخوف بداية لوجود القلق، كما أن القلق والخوف يدعوان الفرد للدفاع عن الذات[17].
أما أوجه الاختلاف بينهما فتنحصر في أن سبب الخوف يكون معروفاً دائماً، وهذا لا يتوفر في حالات القلق كلها، كما أن مصدر الخوف خارجي دائماً بعكس القلق إذ يكون مصدره داخلي. ويناسب الخوف مصدره، وهذا لا يتوفر في القلق، ويهدد القلق الشخصية بدرجة كبيرة ويجعل الفرد يشعر بالعجز تجاه الخطر[18].
[1] سيكولوجية الطفولة، ميشيل دبابنة، نبيل محفوظ، 1984، ص 168.
[2] المرجع السابق نفسه ص 168.
[3] مشكلات الأطفال اليومية، دوغلاس توم ؛ ت: اسحق رمزي، 1953، ص 152.
[4] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 22.
[5] المرجع السابق، ص 23.
[6] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 101 - 102.
[7] المرجع السابق، ص 102.
[8] مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 80.
[9] مشاكل الطفولة، عماد عبد الرزاق، 1971، ص 40.
[10] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 23.
[11] المرجع السابق، ص 22.
[12] المرجع السابق، ص 45.
[13] مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 93.
[14] المرجع السابق، ص 93.
[15] المرجع السابق، ص 93.
[16] المرجع السابق، ص 26.
يتبع
[17] الأسرة ومشكلات أطفالها، عصام عز يوسف، 1985، ص 89.
[18] الصحة النفسية، نعيم الرفاعي، 1982، ص 205.
9 - الخوف والذكاء :
إن انعدام الخوف في طفل ما قد يكون نادراً للغاية، وتعليل خوف الطفل يرجع عادة إلى قلة الإدراك كما هو الحال في ضعاف العقول الذين لا يدركون مواقف الخطر والضرر، فقد يضع يده في مكان يصيبه بضرر لعدم تقديره لخطورة الموقف[1].
وقد ثبت أن هناك ارتباطاً بين المخاوف الواقعية والذكاء، فالأطفال الأكثر ذكاءً أقدر من غيرهم على تقدير العواقب السيئة بطريقة أفضل من الأطفال متوسطي الذكاء. فكلما زاد الذكاء لدى الطفل كلما أصبح أسرع وعياً بالأخطار الحقيقية وأكثر قدرة على التمييز بينها وبين الأخطار الوهمية المتخيلة، فمثلاً الطفل الذكي لا يمكن أن يعتقد بضرر العفاريت لأنه يملك القدرة على التفكير المنطقي[2].
إن الوعي بالخطر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرات الإدراكية، فالأطفال الأذكياء يعون الأخطار في وقت باكر ويتغلبون عليها في وقت باكر أيضاً. وتنشأ لدى هؤلاء الأطفال مخاوف في سن الثانية أو الثالثة تفوق مخاوف الأطفال متوسطي الذكاء، ولكن هذه العلاقة تنعكس مع مرور الوقت فيصبح الأطفال ذوو الذكاء العالي في سن السادسة لديهم مخاوف أقل من مخاوف متوسطي الذكاء. كما أن الأطفال الأذكياء يقل وقوعهم في المخاوف المتخيلة، فهم أكثر ميلاً إلى اختبار الواقع ويكتسبون الخبرات بصورة سريعة وهم أكثر انفتاحاً للاقتناع من الأطفال الأقل ذكاءً[3].
10 - تأثير الخوف على الطفل :
إن الخوف هو انفعال يكثر تعرض الطفل له ويلعب دوراً يبلغ من الأهمية في تكوين شخصية الطفل حداً يتطلب أكبر قسط من العناية به وتدبير أمره. فكثير من المخاوف التي لابد أن يلقاها الطفل هي من النوع الهدّام المعجز ولا تجديه نفعاً، بل تشتت نشاطه الذي يجب أن يهدف وأن يستخدم في تحقيق رفاهية الطفل[4].
ويتفق علماء النفس على أن زيادة المخاوف لدى الطفل تعوق حريته وتلقائيته، كما تؤدي إلى نقص قدرته على مواجهة توترات الحياة[5].
والطفل الذي يخاف ليس من السهل عليه تكوين الأصدقاء، ويفضل أن يبقى مع نفسه ويرى أن العالم الخارجي من حوله ليس مصدر أمان وطمأنينة له ولذلك فإنه يتجنبه لأنه بذلك إنما يقي نفسه الدخول في مشاكل جديدة تجعله يشعر بالتعاسة. والطفل الذي يخاف لا يستطيع الاعتماد على نفسه ويصبح مشلولاً غير قادر على التصرف بمفرده في مواقف الحياة المختلفة في المنزل أو في المدرسة بين أقرانه فيفقد الثقة بنفسه لأنه يشعر أنه غير قادر على أداء أي عمل بنفسه دون خوف[6].
كما يجب أن يستعمل الآباء انفعال الخوف البنّاء في تنمية شخصية الطفل وتعويده النظام والواجب دون مبالغة ودون تخويف، وهذا سيساعده على المحافظة على نفسه وعلى التكيف في المجتمع وعلى النجاح في حياته المدرسية ومع أقرانه في البيئة[7].
11 - المخاوف المتلاشية والمتزايدة :
هناك مخاوف معينة نمطية بالنسبة لمراحل الطفولة، وتمثل عملية النمو خطاً بيانياً يكشف عن صعود وهبوط. فبعض المخاوف تختفي بصورة وقتية ثم تعاود الظهور فجأة في وقت لاحق، ومع تحسن القدرات الإدراكية للطفل فإنه يخشى أشياء لم يكن يخاف منها من قبل، وذلك لأنه لم يكن على وعي بما تنطوي عليه من تهديد وشيك له، وفي الوقت نفسه فإنه قد يقع فريسة للخوف من أشياء قد أصبحت مألوفة لديه. ومع تطور قدراته التخيلية فإن الكائنات والمواقف التي لا توجد إلا في الخيال من الممكن أن تثير فيه الخوف[8].
ويحصل انحسار تدريجي لمخاوف معينة من سن الثانية وحتى السادسة. ويخاف معظم الأطفال في سن الثانية من الحجرات المظلمة، ويبلغ هذا الخوف ذروته في العام الرابع ثم يخبو بعض الشيء في العام الخامس ويختفي في العام السادس في معظم الحالات، كما أن الخوف من الغرباء يبلغ درجة عالية في العام الثاني والثالث من عمر الطفل ثم يهبط ببطء في العام الرابع والخامس وفي العام السادس فإن هذا الخوف من الغرباء يكون قد اختفى عند معظم الأطفال لأنهم أصبحوا أكثر انتقائية وبمقدورهم التفرقة بين الشخص اللطيف والشخص غير اللطيف. كما أن ازدياد علاقات الطفل مع الأطفال الآخرين والراشدين يساعد على خفض هذا الخوف. كذلك خوف الطفل من أن يترك بمفرده مثلاً يبدو من أشد المخاوف في الرابعة من العمر وعادة ما يتلاشى هذا الخوف في العام السادس. ويطول بقاء مخاوف أخرى مثل المخاوف من الموت والمرض والجراحة واللصوص والخوف من الثعابين الذي يزداد مع تقدم عمر الطفل ويبلغ ذروته في العام الرابع ويمكن أن يستمر إلى سن الرشد أو أكثر.
فالعملية السوية للنضج والتعلم لا تؤدي إلى اختفاء تام لكل المخاوف وإنما تؤدي بالأحرى إلى تخطي المخاوف غير الواقعية وتنمية مخاوف واقعية، فالأطفال ينمون وينضجون تدريجياً، ولكل طفل سرعة أو معدل نضج وقدرة فطرية على التعلم والاستفادة من الخبرة تحدده العوامل البيولوجية. ويجب على الآباء تهيئة أفضل الفرص الممكنة من أجل النمو وأن يساعدوا الطفل على تخطي المخاوف، وتعتبر المخاوف صورية طالما أنها تظهر في مراحل معينة من النمو النفسي وطالما يتخطاها الطفل تدريجياً، ولكن هذه المخاوف تعتبر غير سوية وضارة عندما تتعمق جذورها وتمنع الطفل من بلوغ مرحلة أعلى من النمو النفسي[9].
12 - الوقاية من الخوف :
إن مخاوف الأطفال تتكون أغلبها باستثارة البيئة لانفعالات الخوف وتكرارها، وفيما يلي بعض القواعد التي يجب مراعاتها لوقاية الأطفال من الخوف[10] :
أ - تهيئة الطفل للتعامل مع التوتر : ينبغي أن تكون مرحلة الطفولة فترة تهيئة مستمرة للتعامل مع المشكلات المختلفة وخاصة التوتر، وأن تتضمن الكثير من التطمين والتوضيح والتحذير المسبق من المشكلات المختلفة والمحتملة، ويجب أن تنمي في الطفل الخبرة والممارسة والتجريب في القيام بالخبرات السارة غير المخيفة حتى يعتاد أن يتعامل مع مواقف الحياة ليشعر بالأمن والطمأنينة.
ويستخدم الأطفال اللعب للتدريب على التعامل مع المشاعر والحوادث، فاللعب هو الطريقة لتعلم كيفية التعامل مع الخوف. والتعبير عن المخاوف يؤدي غالباً للتحرر منها فألعاب الماء مثلاً تؤدي إلى ألفة الطفل للماء، والألعاب الإيهامية تساعد الأطفال من جميع الأعمار على تجريب طرق بناءة ومرضية للتعامل مع المشاعر الجديدة وما يرافقها من توتر. وتكون هذه الألعاب فعالة جداً عندما تكون الصدمات متوقعة ويكون الأطفال مهيئين لها بشكل مناسب. كما أنه يمكن أن تجرى مناقشات حول الخبرات الصادقة، ويمكن لصغار الأطفال أن يقوموا بتمثيلها في لعبهم، ويمكن أيضاً استخدام كتب الأطفال التي تصف تعامل الأطفال الإيجابي مع حوادث مثل العمليات الجراحية أو موت أحد الأقارب أو طلاق الأبوين...الخ. فالقاعدة العامة هي تنمية أساليب جريئة وفعالة لدى الطفل في تعامله مع البيئة، كما ينبغي تجنب الحماية الزائدة وتشجيع التعامل الفعال مع موضوع الخوف، وليس من المفيد تجاهل حالة الخوف أو إبعاد موضوع الخوف أو إجبار الأطفال على دخول الموقف المخيف بل يجب أن يُعلّم الأطفال إتقان العمل واتخاذ الحيطة والحذر وليس الخوف[11].
ب - التعاطف ودعم الأطفال : إن إدراك الأطفال أن آباءهم متفهمون ومساعدون يجعلهم يشعرون بأنهم أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المخيفة. ويساعد الحب والاحترام في نمو الشعور بالأمن لدى الطفل بعكس التهديد أو النقد المستمر، ويسهم التعاطف في فهم أفكار الطفل ومشاعره ومشاركته فيها، وعندما يعبر الأطفال عن مشاعر الخوف أو الاضطراب فإن على الآباء أن يكونوا متقبلين وأن يمدوا يد العون لأطفالهم. لأن الأطفال يحتاجون غالباً إلى مساعدة في فهم استجابات التوتر وتفسيرها، وأية فكرة أو حادثة تخيف الأطفال يجب أن تناقش معهم في أقرب وقت ممكن، وينبغي أن تصحح المناقشة ميل الطفل للمبالغة أو لتشويه فهمه لسبب الخوف أو معناه، كما أن فهم الطفل ونمو مقدرته على التعامل مع الخوف يجب أن يمتدحا.
إن استجابة الخوف يجب ألا تستخدم لمعاقبة الطفل أو ضبطه، فما زال كثير من الآباء يقولون لأطفالهم جملاً مثل ((إذا عملت هذا مرة أخرى فإن وحشاً سيختطفك)). إن مثل هذه التهديدات تجعلهم يحسون بعدم الأمن، وهذا يصدق بشكل خاص على الأطفال دون السادسة من عمرهم الذين ما زال تمييزهم بين الحقيقة والخيال ضعيفاً. وينبغي أن يتم التعبير عن الخوف وليس تجاهله أو السخرية منه، فالأطفال يحتاجون إلى طمأنينة حول مخاوفهم من موضوع كالموت مثلاً، ويجب الانتباه إلى أن الاهتمام المبالغ به لا يساعد والحماية الزائدة لا تعطي الأطفال فرصة لكي تتكون لديهم الكفاءة ويشعروا بها أكثر فأكثر[12].
ج - التعرض المبكر والتدريجي للمواقف المخيفة :
يحتاج الطفل إلى أن يخبر بشكل تدريجي الأفكار أو الحوادث الجديدة المخيفة أو التي يحتمل أن تكون كذلك. فمثلاً عملية التوقف عن إضاءة الغرفة في الليل أمر إيجابي، ولكن يجب أن يتم ذلك عن طريق خفض الضوء بشكل تدريجي ليلة بعد أخرى أو إغلاق الباب على نحو متزايد في كل ليلة حتى يشعر الطفل بالارتياح للنوم في الظلام. كما ينبغي اصطحاب الطفل في زيارات لعيادات الأطباء وأطباء الأسنان قبل أن يحتاج إلى فحص أو معالجة كي يشاهد ما يحصل في هذه العيادات ويزود بمعلومات يجدها مثيرة، وأن يشاهد طفلاً سعيداً يعالج دون خوف. ولأن الأطفال نشطون ولديهم الكثير من الطاقة يمكن أن يُشجعوا ليلعبوا بدمى الحيوانات ويرمونها حولهم. فالمواجهة التدريجية التي تتم عندما يكون الطفل مرتاحاً يؤدي إلى إشراط الطفل بشكل بطيء بحيث يتعامل مع المخاوف البسيطة ثم ينتقل لمواجهة مواقف أكثر خطورة. فمثلاً إن مشي الطفل في ممر طويل تكون فيه الإضاءة خافتة يعطيه تدريباً على مواجهة المخاوف ويمكن أن يرافقه أحد الكبار في البداية أو أن يستخدم مصباحاً يدوياً ثم يتم تخفيض الدعم شيئاً فشيئاً بصورة تدريجية[13].
د - التعبير عن المشاعر ومشاركة الآخرين بها : عندما يجد الطفل أن هناك من يشاركهم في مشاعرهم في الجو الذي يعيشون فيه فإنهم يتعلمون أن الهموم والمخاوف هي أمور مقبولة، ولكن يجب عدم المبالغة في ذلك كأن يشارك الطفل الراشدين في مشاعرهم وأفكارهم وإنما التحدث عن المخاوف الواقعية التي توجد لدى الجميع[14].
ويمكن القول أنه من الأفضل للطفل كقاعدة عامة أن يعبّر عن مخاوفه وقلقه بصراحة وانفتاح بدلاً من أن يخفيها لأن الأطفال الذين يتعرضون للسخرية والنقد ويضطرون إلى إخفاء مخاوفهم يحرمون أنفسهم من أفضل طريقة لمجابهة هذه المخاوف بنجاح[15].
والأطفال الذين يرون الراشدين يعبّرون بشجاعة عن مخاوفهم مما يقلل من غموض المخاوف ومن إحساس الأطفال بالذنب حيالها، كأن يقول الراشد (إن هذا البرنامج كان مخيفاً فعلاً، كان يبدو حقيقياً إلى درجة أنني شعرت بالخوف من أن تكون سفينة الفضاء في ساحة بيتنا ولا شك أن هذا الشعور سيبقى عندي فترة) [16]، هذا يساعد الطفل على فهم الخوف وبذلك لا يشعر بأنه منفرد في مشاعره أو أنه خوّاف وجبان، وأن من الضروري الإصغاء لمشاعر الأطفال باحترام فهم يحتاجون ويستحقون بعض التعاطف مع مخاوفهم مما سينعكس بدوره بشكل إيجابي على النمو النفسي للطفل.
هـ تقديم نموذج للهدوء والتفاؤل والاستجابة المناسبة : إن معظم المخاوف مكتسبة، والأطفال لا يولدون خوافين بل إنهم يتعلمون الخوف من البيئة المحيطة والأفراد الذين يعيشون معهم لاسيما الوالدين. فالأطفال يبدون استعداداً قوياً لاكتساب مخاوف والديهم، فمثلاً إذا لم يتغلب الوالدان على مشكلة خوفهما من الموت فإن الأطفال أيضاً سوف يتعلمون بسرعة الخوف من الموت، ومن المفيد أن يستمع الأطفال إلى عبارات مثل (إن الموت كالولادة جزء من عملية الحياة) أو (كل إنسان فان... وهكذا)، وكثير من الآباء يناقشون مفاهيم دينية مع أطفالهم لمساعدتهم على فهم الموت وغيره من الحوادث. وينبغي ألا تناقش المخاوف باستمرار مع أن الإقرار بوجود المخاوف واتخاذ موقف شجاع نسبياً حيالها يقدمان مثالين جيدين يحتذي بهما الأطفال.
كما يجب تجنب تكرار التأكيد على الجوانب السلبية في المواقف (ماذا لو) كما يحصل في بعض الأسر حيث يتكرر ذكر الأمور السيئة التي يمكن أن تحدث للناس ويتردد ضمن جو الأسرة مبدأ "وراء كل خير يكمن شرّ مرتقب". إن مثل هذا الجو سوف يؤدي إلى تنمية اتجاهٍ من الخوف والقلق، فالتشاؤم ينتقل بالعدوى بينما التوجه الهادئ المتفائل نسبياً يمكّن من التعامل مع الخوف بشكل جيد ودون استجابات مبالغ فيها.
13 - علاج المخاوف :
يختلف نوع العلاج باختلاف أسباب الخوف وأنواعه، ولكن تبقى هناك بعض الإرشادات العلاجية العامة التي تصلح لمعظم حالات الخوف المتنوعة :
أ - تقليل الحساسية والإشراط المضاد : إن هذا الهدف هو مساعدة الأطفال الخوافين وذوي الحساسية الزائدة ليصبحوا أقل حساسية أو لا يستجيبوا للموضوعات التي تثير حساسيتهم. فعندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي سار "إشراط مضاد" فإن حساسية الأطفال من الخوف تقل. فمن المفيد جعل الأطفال يلعبون إحدى ألعابهم المفضلة أو ينهمكون بأي نشاط ممتع أثناء الخوف، وقد أمكن محو جميع أشكال المخاوف المحددة بهذه الطريقة. وعلى سبيل المثال يمكن أن يقوم الطفل بتمثيل بعض المشاهد في غرفة خافتة الإضاءة كخطوة أولى للتغلب على الخوف من الظلام، ويحدث تقليل الحساسية بشكل طبيعي عندما يمكن للأطفال مشاهدة حادثة مخيفة عن بعد. وفي حال خوف الطفل من الحيوانات الأليفة يمكن تقريب الأشياء المخيفة من الطفل تدريجياً لنزع الصورة الوهمية، فإذا كان الطفل يخاف من الكلاب فلا ينبغي إجبار الطفل على الاقتراب منها وإنما ينبغي ترك الطفل يراقب كلاباً يتم إطعامها من النافذة، ثم يراقب كلباً في الغرفة نفسها، ثم يقوم بإطعام الكلب بنفسه، فالتقدم التدريجي يؤدي إلى تزايد الشجاعة شيئاً فشيئاً، ويجب أن تُقرأ قصص عن الكلاب وإتاحة الفرصة للطفل ليلعب مع الجراء الصغيرة وهذا سيؤدي إلى نقص طبيعي في المخاوف.
كما أن وجود العائلة إلى جانب الطفل يمكن أن يحوّل الخوف إلى نشاط ممتع ويساعد في تقليل الحساسية حيث أن الأطفال يشعرون بالأمن بشكل أكبر عندما يكونون ضمن جماعات.
وهكذا ينبغي تشجيع الأطفال على تقليل الحساسية الذاتي، ويمكن أن يتعلموا استخدام هذه الطريقة[17] وحدهم لمواجهة أي خوف كأن يقوموا بمشاهدة صور الوحوش والحيوانات المخيفة في كتاب ثم يرسمونها أو يصورونها أو يكتبون قصصاً عنها ثم يقومون بمناقشة مخاوفهم مع أخوتهم...الخ. فالمواجهة المتكررة لموضوع الخوف تؤدي إلى تقليل الحساسية بينما تجنب المواقف المخيفة يؤدي إلى إطالة حالة الخوف أو زيادة شدته.
ب - ملاحظة النماذج : إن الطفل يتعلم من خلال الملاحظة كيف يتعامل مع الأفراد غير الخائفين مع المواقف، وهذه الملاحظة تجعل الطفل يبدأ بشكل تدريجي بالتعامل دون خوف مع مواقف تزداد درجة الخوف فيها شيئاً فشيئاً. ويجب أن تكون هذه النماذج من الأشخاص العاديين حتى لا يرى الأطفال النموذج وكأنه يتمتع بصفات خاصة تجعله قادراً على أن يكون شجاعاً.
ويقنع بعض الأطفال من خلال الملاحظة أن خوفهم في الواقع لا خطورة فيه، كالاستخدام الناجح لمراقبة أطفال ينجحون في دخول المستشفى وفي إجراء عمليات جراحية تجرى لهم. إن على الأهل أن يستغلوا كل فرصة تتيح لهم تهيئة الطفل للمواقف التي تنطوي على احتمال أن تكون صادقة، ويمكن الاستعانة بالأفلام كطريقة لتهيئة الطفل لموقف ما، وبذلك يساعد الأهل طفلهم في التغلب على موضوع خوفه. ويمكن تقليل حساسية الطفل بسرعة بطريقة بسيطة تسمى الهدف النقيض، فيمكن مثلاً أن نقلل من حساسية الطفل من الأصوات المرتفعة المفاجئة بأن نجعله يقوم بوخز عدد كبير من البالونات بإبرة، فتكرار المواجهة يجعل الطفل يتغلب على مخاوفه.
ج - التخيل الإيجابي : إن الاستخدام والتدريب المقصود لتخيل مشاهد سارة يسهم في تقليل مخاوف الأطفال الذين يجدون في ذلك أسلوباً ناجحاً، فهم يتخيلون الأبطال الذين يحبونهم يساعدونهم في التعامل مع الموقف المخيف، ويمكن تعريف الطفل على كيفية القيام بهذا التخيل ثم يطلب منه أن يقوم باختراع قصة مشابهة مثل (أنت والمرأة العجيبة تجلسان في البيت عندما تطفأ الأنوار فجأة، إنك تحس بالخوف ولكن أنت والمرأة العجيبة تجدان شموعاً وتذهبان إلى موقع مفاتيح الكهرباء لمعالجة الأمر وتشعر بالعظمة لأنك تمكنت من حل المشكلة، والمرأة العجيبة تهنئك وتطير مبتعدة بطائرتها الخفية)[18].
وينبغي التنويع في هذه الطريقة كأن يطلب إلى الأطفال أن يتخيلوا الفعالية المحببة لهم مثل قيادة سيارة سباق مثلاً، وأثناء تخيل المشهد والاستمتاع به يتخيلون حدوث موقف ينطوي على خوف بسيط، فمثلاً أثناء قيادة سيارة السباق يرى الطفل كلباً ضخماً على الطريق ويقوم بمطاردة السيارة بينما يبتعد الطفل بسرعة بسيارته ثم يبطئ السرعة حتى يصل الكلب إلى جوار السيارة ثم يقوم الطفل بالتربيت عليه ثم يقود السيارة ويتابع طريقه. وهكذا فإن استخدام طريقة التخيل تساعد الطفل على إدراك نفسه على نحو متزايد كشخص يملك القدرة على تحمل الخوف حتى يصل إلى التحرر النسبي منه أخيراً.
د - مكافأة الشجاعة : ينبغي تحديد سبب المخاوف وزمانها ومكانها تحديداً دقيقاً وامتداح الطفل ومكافأته كلما تقدم خطوة في تحمّل المواقف المخيفة. فكثير من الأطفال يُظهرون الشجاعة كي يحصلوا على المكافآت، فمثلاً يمكن أن نضع للطفل خمس نقاط إذا قال مرحباً لشخص غريب، ويحصل على عشر نقاط إذا أجاب على الهاتف ويحصل على عدد من النقاط إذا تحدّث مع أشخاص مختلفين فيجمع تدريجياً عدداً من النقاط يستخدمها فيحصل على ألعاب أو يحصل على امتيازات نتيجة لتقدمه. كذلك الأمر بالنسبة للخوف من المدرسة، فمثلاً طفل يخاف من الذهاب إلى المدرسة فيشكو من آلام جسيمة وأثبتت النتائج السلبية للفحص الطبي أنها مؤشر واضح على الخوف فيجب أن يُرسل الطفل إلى المدرسة وأن يُمتدح لمداومته، وتتم مكافأة التقدم الذي يحرزه الطفل والابتعاد عن تعزيز الخوف بأي شكل من الأشكال (كاللعب ومشاهدة التلفزيون والاهتمام من قبل الآباء) لأن ذلك سيعقّد المشكلة بدلاً من أن يحلها، بينما تساعد المكافأة على الشجاعة على حل مشكلة الخوف عند الطفل بالتغلب على موضوع الخوف[19].
هـ طرق أخرى للعلاج : كما يتم أيضاً علاج المخاوف عن طريق تعويد الطفل الاعتماد على نفسه تدريجياً وتخليصه من حماية الأم له، فالإكثار من العطف الزائد والرعاية الزائدة تؤدي إلى ضرر الطفل وليس نفعه، كذلك النبذ والنقد والتهديد والاستخفاف بمخاوف الطفل واتهامه بالجبن وغير ذلك من الأساليب القاسية كلها تؤدي إلى كبت الخوف وتفاقم المشكلة، لذلك ينبغي على الأهل احترام الطفل وتشجيعه على التعبير عن مخاوفه والتغلب عليها[20].
14 - الخاتمة :
مما تقدم نستطيع القول أن الخوف هو حالة انفعالية طبيعية تظهر في أشكال متعددة وبدرجات مختلفة عند الأطفال، وهناك بعض المخاوف التي تفيد الطفل وتساعده على حفظ بقائه وتكيفه. وبالمقابل توجد مخاوف تلحق أشد الضرر بالطفل ويمكن أن تستمر معه مدى الحياة. وباعتبار أن سنوات الطفولة هي الأهم في حياة الفرد والتي تقوم عليها حياته النفسية والاجتماعية فإنه من الضروري الاهتمام بمشكلة الخوف عند الأطفال لما يترتب عليها من آثار سلبية قد تكون عنصراً هدّاماً لشخصية الطفل فيخرج من مرحلة الطفولة شخصاً مضطرباً وقلقاً يعاني من سوء التكيف مما ينعكس على الفرد والمجتمع معاً.
لذلك من الواجب علينا أن نولي اهتماماً أكبر لمخاوف الأطفال والتعرف إليها وإلى أسبابها والعمل على الوقاية منها وعلاجها لنحصل في النهاية على فردٍ سوي وفعّال في المجتمع.
المراجع المعتمدة
1. إسماعيل، محمد ؛ السيد، أحمد، مشكلات الطفل السلوكية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1993.
2. توم، دوغلاس، مشكلات الأطفال اليومية، ترجمة اسحق رمزي، دار المعارف، مصر، القاهرة، 1953.
3. جرجس، ملاك، مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، مكتبة المحبة، مصر، 1993.
4. حسن، جمال، مشاكل الطفولة المبكرة، جامعة دمشق، دمشق، 1983.
5. دبابنة، ميشيل ؛ محفوظ، نبيل، سيكولوجية الطفولة، دار المستقبل للنشر والتوزيع، عمان، 1984.
6. الرفاعي، نعيم، الصحة النفسية، مطبعة ابن حيان، دمشق، 1982.
7. الشحيمي، أيوب محمد، مشاكل الأطفال كيف نفهمها، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1994.
8. شيفر، شارلز ؛ ميلمان، هوارد، مشكلات الأطفال والمراهقين، ترجمة نسيمة داوود ؛ نزيه حمدي، ط1، منشورات الجامعة الأردنية، عمان 1989.
9. عبد الرزاق، عماد، مشاكل الطفولة، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة، 1971.
10. فهيم، كلير، مشاكل الأطفال النفسية، دار المعارف، القاهرة، 1978.
11. كلير، ديكس، علاجك النفسي بين يديك، ترجمة عبد العلي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 1994.
12. هرمز، هنا ؛ صباح، إبراهيم ؛ حنا، يوسف، علم النفس التكويني (الطفولة - المراهقة)، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988.
13. ولمان، ب. ب.، مخاوف الأطفال، تقديم عبد العزيز القوصي ؛ محمد عبد الظاهر الطيب، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1991.
14. يوسف، نمر عصام، الأسرة ومشكلات أطفالها، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، ط1، 1985.
[1] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 10.
[2] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 100.
[3] مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 49.
[4] المرجع السابق، ص 45.
[5] مشكلات الطفل السلوكية، أحمد محمد إسماعيل، 1993، ص 120.
[6] مشاكل الأطفال النفسية، كلير فهيم، 1978، ص 36.
[7] مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 28.
[8] مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 45.
[9] المرجع السابق، ص 82 - 83 - 44 - 45 - 46.
[10] مشاكل الأطفال النفسية، كلير فهيم، 1978، ص 37.
[11] مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989،
ص 134 - 135.
[12] المرجع السابق، ص 135.
[13] المرجع السابق، ص 137.
[14] المرجع السابق، ص 138.
[15] مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991،
ص 131.
[16] مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989،
ص 138.
[17] المرجع السابق، ص 38.
[18] المرجع السابق، ص 142.
[19] المرجع السابق، ص 142.
[20] مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 111.
[/gdwl]