خبيرة مصرية تعالج الضغط بالموسيقى

اذا كان "بيرم التونسي" يرى – من قبيل مبالغة الشعراء - أن "المغنى حياة الروح ..يسمعها العليل تشفيه"
..فإن د.نبيلة ميخائيل تؤكد - بالدراسات العلمية - أن الموسيقي أقوي من قرص الأسبرين وأكثر تأثيرا من أدوية الضغط!

ود. نبيلة هي أول وآخر خبيرة مصرية في علم العلاج بالموسيقى الذي أعترف به العالم منذ ربع قرن.
ويكفي أن نذكر أن هناك 600 مستشفى و400 معهد في الولايات المتحدة وحدها تستخدم هذا الأسلوب في علاج الأمراض النفسية والجسمية!
خبراء هذا العلم يكتبون للمريض روشتة موسيقية حافلة بالفالسات والكونشيرتات والسيمفونيات التي يجب الاستماع إليها قبل الأكل وبعده وتختفي أسماء الأدوية الصعبة لتظهر بدلا منها أقراص بيتهوفن و وتسارت وشوبان..السحرية!
وفي مصر كانت الريادة في استخدام الموسيقي لعلاج ضغط الدم وسجلت رسالة دكتوراه فريدة عن هذه التجربة لا كن فجأة توقفت في الوقت الذي وصل فيه عدد مرضي ضغط الدم الي 10 ملايين مريض!
حكاية العلاج بالموسيقي – الماضي والمستقبل – سمعتها علي أنغام هادئة من الرائدة المصرية د.نبيلة ميخائيل.

نتائج مذهلة
ارتبط اهتمام د.نبيلة بالعلاج الموسيقي برغبة قديمة لم تتحقق بدراسة الطب فقد أصر والدها علي أن تدرس شيئا ينفعها أو ينفع بيتها لذلك اضطرت لدخول كلية التجارة ثم انتقلت إلي كلية التربية الموسيقية ولكنها لم تنس أبدا شغفها بالطب فتزوجت طبيبا معروفا في مجال أمراض العيون والرمد ومن خلال إحدى زياراتها له في "العيادة" شاهدت بنفسها تأثير الموسيقي علي الحالة النفسية للمرضي.

فقد نجحت الموسيقي مثلا في علاج مريض عمره 58 عاما كان يعاني من ضغط الدم المرتفع(190 علي 120) بدأت التجربة بأن يستمع للموسيقي من جهاز تسجيل لمدة ساعة في اليوم الأول وساعة ونصف الساعة في اليوم الثاني وكانت النتيجة انخفاض ضغط المريض إلى 150 علي 100.
وعندما تغير نوع الموسيقي من هادئة إلى صاخبة ارتفع الضغط مرة أخري والمثير أن علاج هذا الرجل بالموسيقي استمر 11 يوما فقط وبدون استخدام قرص دواء واحد!
أما أغرب الحالات التي تم علاجها فهي حالة رجل كان يعاني من شلل نصفي مع ارتفاع في ضغط الدم بلغ 90 علي 120.
وقبل العلاج تأكدت "د.نبيلة" أنه لم يأخذ أية عقاقير طبية منذ 15 يوما حتي لا يقال أن الأدوية هي التي أدت إلى علاجه.
وفي اليوم الأول استمع إلى الموسيقي لمدة ساعة ونصف الساعة..ثم انخفضت الجرعة إلي ساعة في اليوم الثاني .
وأدي ذلك إلى انخفاض ضغط الدم لديه إلى 155 علي 90 وكان من المفروض في اليوم الثالث أن يتم رفع ضغط الدم عنده مرة ثانية واستخدام العقاقير للمقارنة بين نتائجها ونتائج تأثير الموسيقي ولكن المفاجأة التي أذهلت الجميع هي أن المريض استطاع المشي علي قدميه!
لم يجد الأطباء الذين حضروا التجربة تفسيرا علميا لذلك ولكن عندما حضرت "د.نبيلة" المؤتمر الدولي الثالث للعلاج بالموسيقي في زغرب بيوجوسلافيا السابقة عام 1972.قال أحد العلماء إن ما حدث أمر طبيعي.
فالموسيقي تحدث عملية تراخ في الشرايين فتتمدد وقد كان هذا المريض يعاني من جلطة تمنع تدفق الدم إلي المخ .. وعندما تحركت الجلطة وذابت .. عادة الدورة الدموية لعملها بانتظام ..فمشي المريض في لمح البصر.
تقاسيم الناي
شجعت هذه النتائج د.نبيلة علي مواصلة البحث فحصلت علي الدكتوراه في تأثير الموسيقي علي ضغط الدم ونسبة الكورتيزون في الدم وسرعة النبض..واختارت تقاسيم علي الناي عزفها محمود عفت لعلاج 52 حالة أخري.

وكان أخطر ما اكتشفه أستاذان بكلية الطب هما د. عبد الرحمن حجازي ود. أحمد عبد العزيز إسماعيل هو أن الاستماع لمقطوعات موسيقية معينة لمدة ساعة ونصف لفترة محددة يعادل مفعول استخدام أدوية ضغط الدم لمدة ستة أيام متواصلة.

الزار يعالج الكبت
خبراء العلاج بالموسيقي لديهم وجهة نظر طريفة حول الزار وتأثيره الجسمي والنفسي..فقد أكدت الدراسات أنه يساعد علي تنشيط الدورة الدموية والجهاز التنفسي ويحقق الاتزان النفسي والفسيولوجي نتيجة التخلص من الانفعالات عن طريق ممارسة النشاط العضلي!

وتري د.نبيلة أن الرقص علي إيقاعات الموسيقي الصاخبة في الزار يدفع المرضي إلي حالة تشبه الهوس ثم يشعر المريض بالإرهاق الشديد .
وبعدها يحدث انهيار تام مفاجئ يؤدي إلي "تصريف" لكل ما في الأعماق من ضغوط نفسية وكبت متراكم ويشعر المريض بأنه أكثر راحة وصحة!
ويقول العلماء إن حركات الزار العنيفة تؤكد تيارات كهر بائية في الجسم يطلق عليها اسم "تيارات الحياة" .
أما العالم "باشر" فقد ذكر أن أحد أسباب تأثير الزار علي المرضي يرجع إلي الآثار الجسمية والعصبية الناتجة عن موسيقاه الصاخبة بالإضافة إلي اعتقادهم بأنه الوسيلة الوحيدة للشفاء..وخبرة منظمي الزار في إقناعهم بصحة هذا الاعتقاد!
المعروف أن كلمة زار باللغة الأمهرية تعني شيطان أو روح وهي كلمة مشتقة حرفيا من كلمة يزور أي فكرة الزار تعتمد علي طرد روح شريرة زارت جسم الإنسان وقد انتقل الزار إلى مصر منذ أكثر من مائة عام من إثيوبيا عن طريق السودان!

وتبين أن هناك ثلاثة عوامل تحدد فعالية تأثير الموسيقي علي ضغط الدم.

العامل الأول يتعلق بالمقطوعة الموسيقية نفسها هل تعزفها آلة واحدة أم عدة آلات ؟ ومدي إقاع المقطوعة سريع..بطئ.. أو بدون إيقاع مثل التقاسيم.
العامل الثاني يتعلق بالمريض نفسه كحالته الصحية وعمره فالموسيقي التي يحتاج إليها رجل متقدم في السن تختلف عن المريض الأصغر سننا. وثقافة المريض تؤثر أيضا علي درجة تقبله للموسيقي كما أن المرأة قد تتأثر بمقطوعات معينة لا يتأثر بها الرجل.
والعامل الأخير يتعلق بالجو المحيط بالمريض أثناء الاستماع مثل الديكور والألوان والتهوية وكلها عناصر تؤثر علي درجة التركيز وبالتالي فعالية الموسيقي!
والمؤسف أن التجارب العملية علي العلاج بالموسيقي توقفت منذ هذه المحاولات الرائدة التي تعتبر أول دراسة في العالم لاستخدام الموسيقي في التعامل مع أمراض عضوية
ورغم أن د.إبراهيم بدران – وزير الصحة في ذلك الوقت- قد تحمس لإدخال الموسيقي في المستشفيات فإن شيئا من ذلك لم يتحقق، في الوقت الذي تقدمت فيه هذه الأبحاث في الخارج لدرجة أنهم استخدموا الموسيقي في تنظيم التنفس وتحسين الحالة الصحية لمرضي الربو!

إيقاع الجسم
والعلاج بالموسيقي لا يستند إلي الدجل والشعوذة ولكنه يقوم علي نظرية علمية تؤكد أن أجهزة الجسم تعمل وفقا لإيقاع منتظم يعبر عن نفسه في شكل نبضات الدم وضربات القلب والشهيق والزفير وانقباضات المعدة والأمعاء وإذا اختل إيقاع أي عضو فإن ذلك يؤثر علي إيقاع الجسم بأكمله.

وهنا يحدث للمريض الذي يمكن أن نعتبره اختلال في انتظام إيقاع الجسم ودور الموسيقي أن تعيد لهذا الإيقاع الانتظام والتجانس مرة أخري وبالتالي تزول الدهشة إذا عرفنا أن صوت الموسيقي استخدم بنجاح في تخفيف آلام الأسنان وعلاج مدمني المخدرات والتخلص من التدخين وعلاج ضمور العضلات وأيضا علاج الأطفال الشواذ والمتخلفين عقليا!
وإذا كان هذا الأسلوب المبتكر في العلاج قد أخذ شكلا عمليا منذ ربع قرن فقط إلا أنه كان معروفا قبل ذلك بآلاف السنين
ويقال إن كهنة معبد "أبيدوس" وهو أكبر مراكز الطب عند القدماء المصريين - كان يعالج المرضي بالترتيل المنغم..وامتد الاهتمام بالموسيقي إلى الطبيب العربي "ابن سينا" في القرن الحادي عشر الذي درس آثارها علي الجسم باستخدام حلقات الذكر لتهدئة الحالات النفسية .
و انتشر في عهد النهضة وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر استخدام الموسيقي للتعامل مع الأمراض العضوية ودفع ذلك "فولتير" الفيلسوف الساخر إلى القول "إن الهدف من الذهاب إلي الأوبرا هو تحسين عملية الهضم " !
ولم يكن مبالغا في ذلك، فقد طلب الأطباء من الشاعر الإنجليزي اللورد "بايرون" أن يستمع إلى الموسيقي أثناء تناول الطعام كوسيلة ..لفتح الشهية!!
وبعد هذه الجهود العشوائية تعاون الأطباء وعلماء النفس والموسيقي في تأسيس برنامج للعلاج بالموسيقي علي يد "هانس هوف" وفي عام 1959 تأسست أول مدرسة للعلاج بالموسيقي في أوروبا لتخريج معالجين بالموسيقي.

وأنشأت فيما بعد الجمعية العالمية للعلاج بالموسيقي في فرنسا التي تضم مجموعة من الخبراء بينهم "د.نبيلة ميخائيل".


"روشتة" موسيقية
وأسأل د.نبيلة عن مستقبل هذه الدراسات في مصر .. فتقول في مرارة إنها علي استعداد كامل لتقديم خبراتها ..وتخريج أجيال عديدة من المعالجين بالموسيقي، وتقترح في هذا المجال أن يتم إنشاء قسم بكلية الطب تتولي التدريس فيه بدون مقابل لأنها تعمل بالفعل كأستاذ بكلية التربية الموسيقية..جامعة حلوان..ويمكن لهذا القسم المقترح أن يمنح شهادة عليا في العلاج بالموسيقي كما يحدث بالخارج..

وتحلم "د.نبيلة" بأن نستبدل "روشتة" الدواء بروشتة"موسيقية"..وأن نستبدل "الأجزخانات" بمحل "الكاسيتات"..وقد بدأت بالفعل تجربة إعداد شريط كاسيت يضم مجموعة موسيقية هادئة للعزف علي الكمان والناي .
كما بذلت مجهودا خاصا لإقناع عازف الناي الراحل "محمود عفت" لتقديم مجموعة موسيقية في شريط كاست..ولكن وفاته المفاجئة أجهضت المشروع.
وحتى يتحقق هذا الحلم ..تنصحك خبيرة العلاج بالموسيقي المتحمسة لهذا العلم بأن تسمع في الصباح الباكر لموسيقي هادئة قريبة الشبه بأصوات الطيور.
وفي أثناء العمل وحتى اقتراب موعد الغداء يفضل الاستماع إلى أصوات الفالسات الخفيفة..والأنغام المنعشة الصادرة من آلة واحدة أو آلتين علي الأكثر.
وأثناء وجبة الغداء..يمكن الاستماع إلى الفالسات الناعمة خاصة التي يتم عزفها علي آلة البيانو ..وبعد الظهر يفضل الاستماع إلي الموسيقي الهادئة الحالمة.
أما في المساء فإن الوقت يتسع لاستيعاب الموسيقي الكلاسيكية الدسمة..والسيمفونيات العالمية الشهيرة!
ويبقي تساؤل أخير: لماذا لا تتبني وزارة الصحة والجامعات المصرية هذه الدراسات العلمية التي اعترف بها العالم ؟ ولماذا تتركنا وجها لوجه مع الأدوية التي تترك آثارا جانبية علي أجسادنا وعقولنا..وجيوبنا أيضا





مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com