دلالة العطل المدرسية تربوياً وسيكولوجياً وسوسيولوجياً




استرعت انتباهي الطريقة التي تناول بها مقرر تنظيم السنة الدراسية العطل المدرسية، فوجدني مضطرا للحديث عن دلالة العطل المدرسية في المنظومة التربوية تربويا وسيكولوجيا وسوسيولوجيا. فالعطلة مشتقة من فعل عطل يعطل ـ بفتح الطاء ـ عطلا ـ بفتح الطاء أيضا ـ وعطولا بمعنى خلا من …، فالمرأة العاطل هي الخالية من الحلي، والأجير العاطل هو من بطل عن العمل، والعاطل من المال هو الخالي منه، والعطلة هي الخلو من العمل.

والعطلة المدرسية هي فترة الخلو من الدراسة. وهي بذلك جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية التي تجمع بين زمن مدرسي وزمن العطل من الدراسة، لأن هذه الأخيرة تستوجب فترة العطلة أي الخلو من الدارسة. وعلماء التربية والمنظرون لها منذ أقدم العصور أدرجوا فترات الاستراحة من العمل التربوي أو فترات العطل، أو الخلو من العمل التربوي ضمن العملية التربوية نظرا لدورها في نجاح هذه العملية التربوية. فمن المعلوم أن الإنسان جبل على طلب الراحة بعد كل جهد.

والإنسان في مراحل العمر الأولى لا يحتمل ولا يتحمل الجهود المضنية، لهذا دأبت كل أنواع التربية المختلفة باختلاف ثقافاتها على تخصيص أوقات راحة من العمل، أو عطل بعد فترات تربية سواء كانت في شكل أنشطة تعليمية أو غيرها من الأنشطة التي تخدم التربية. وتخضع أوقات الاستراحة أو أوقات العطل لتخطيط وتدبير دقيقين، ولا تعالج بطرق عشوائية، ذلك أنها في الغالب تراعي الحالة النفسية والعقلية للناشئة الخاضعة للتربية، وهي حالة تتوقف على طاقات هذه الناشئة على ممارسة الأنشطة التربوية بكل أنواعها. فكما أن الإنسان عموما يحتاج إلى أوقات يخلد فيها إلى النوم عندما يحتاج الجسم إلى النوم بفعل ما يحدث في الدماغ من تفاعلات، فهو يحتاج إلى راحة بعد كل جهد يأخذ منه نظرا لنفس التفاعلات على مستوى الدماغ المتحكم في الجسد.

فليس من قبيل الصدفة أن تكون أوقات استراحة في الفترات الدراسية الصباحية والمسائية، وتحديدا بعد كل ساعتين من العمل المتواصل. وهذه الفترات تقوم بدور التحفيز على العمل قبل وبعد حلولها، ذلك أن المتعلم يضع دائما في حسابه هذه الفترات، ومنذ انطلاق الحصة الدراسية الأولى، وتظل فترات الاستراحة تحفزه على العمل، وتخفف عنه أعباءه ومشقته، لأنه كلما فكر في فترات الاستراحة، كلما ازداد حيوية ونشاطا في عمله لأنه متأكد من نهاية مرحلة بذل الجهد المضني. وبعد الاستفادة من فترات الاستراحة، سواء تعلق الأمر بوقت الاستراحة وسط الفترتين الدراسيتين الصباحية أو المسائية، أو بفترتي الزوال، والمساء يتكرر الشعور بالرغبة في هذه الفترات خلال أوقات العمل، وهي فترات تحفيزية لتحمل مشقة العمل.

ومن المعلوم أن الحصص الدراسية تختلف حسب طبيعة المواد الدراسية حيث يكون بعضها مشوقا، ويكون بعضها ثقيلا مملا، ويتطلب بعضها الجهود المضنية، ذهنيا أو حس ـ حركيا حسب طبيعة المواد الدراسية، بينما البعض الآخر لا يتطلب جهودا مضنية. وفترات الاستراحة تكتسي أهميتها حسب طبيعة الحصص الدراسية، ذلك أنه كلما كانت الحصص مضنية، وشاقة، كلما كانت الحاجة ماسة إلى فترات الاستراحة، وكانت هذه الفترات عبارة عن رغبات ملحة لدى المتعلمين.

والاستراحة مشتقة من الراحة، وهي راحة عقلية وجسدية، ونفسية بالدرجة الأولى. وما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال" في حديثه عن الصلاة سوى دليل على أن الفطرة البشرية تتطلب راحة بعد الكبد والمشقة والجهد. وراحة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الصلاة، وهي لحظة استكانة وخشوع وخضوع لله عز وجل تريح الإنسان من عناء الكد ومكابدة الحياة. وما ينطبق على فترات الاستراحة اليومية المتخللة للفترات الدراسية باعتبارها فترات عطل ينطبق على العطل خلال السنة الدراسية، وخلال العطلة الصيفية. فبعد دورة دراسية أو وسطها يأتي ما يسمى العطل البينية، وهي فترات خلو من الدراسة. وبعد موسم دراسي تأتي العطلة الكبرى، أو الصفية باعتبار توقيتها، وهي فترة خلو من الدراسة أيضا. ودور هذه العطل دائما هو التحفيز على العمل أثناء إنجازه، واستعادة النشاط لمواصلته من جديد.

وبهذا الاعتبار لا يمكن التعامل مع العطل المدرسية على أساس أنها هدر للزمن المدرسي، أو زمن التعلم، بل هي جزء ضروري من هذين الزمنين، إذ لا يستقيم الزمن المدرسي وزمن التعلم دون زمن العطل، أو زمن الخلو من العمل. ولهذا عندما يقرر مقرر تنظيم السنة الدراسية استغلال فترات العطل البينية أو العطلة الصيفية، وتحويلها إلى فترات عمل من خلال برمجة أنشطة أو تكوينات، فإنه يفرغ زمن العطل من دلالتها التربوية، حيث يتواصل الزمن المدرسي بدون انقطاع، وهذا أمر مخالف للفطرة وللطبيعة البشرية.

ومعلوم أن زمن العطل، هو زمن اجتماعي فضلا عن كونه زمن نفسي. فزمن العطل المدرسية لا يعني الناشئة فقط، وإنما يهم أسر هذه الناشئة التي ترتب أنشطة وتحركات عائلية وأسرية على ضوء زمن العطل. فالآباء والأولياء يستغلون زمن العطل من أجل توفير الأجواء المناسبة لأبنائهم لتحقيق الهدف المتوخى من هذا الزمن، وهو الراحة من تعب الدراسة. وبناء على ذلك يبرمج الآباء الأولياء أسفارهم، وتحركاتهم. وعندما يقرر مقرر تنظيم السنة الدراسية تحويل زمن العطل إلى زمن عمل بالنسبة للفاعلين التربويين سواء كانوا مدرسين أم إداريين أم مشرفين تربويين فإنه يسقط من حسابه الأبعاد الاجتماعية والنفسية لزمن العطل، ذلك أن هؤلاء الفاعلين التربويين هم أيضا آباء وأولياء ملزمون بتوفير ظروف الراحة لأبنائهم كغيرهم من الشرائح الاجتماعية. وليس من المعقول ألا يستفيد أبناء هؤلاء من الراحة التي يستفيد منها غيرهم، لأن هؤلاء يقضي مقرر تنظيم السنة الدراسية بتشغليهم خلال زمن العطل. وإن تنظيم السنة الدراسية يعني في ما يعنيه تقسيم السنة إلى زمن مدرسي، وزمن تعلم، وزمن عطل. وأعتقد أنه لا بد من دراسات ميدانية سيكولوجية وسوسيولوجية بالدرجة الأولى من أجل الوقوف على أهمية زمن العطل.

والملاحظ أن الناشئة أشدّ ارتباطا من الناحية السيكولوجية بزمن العطل وبفترات الاستراحة اليومية، حيث تشاهد هذه الناشئة وهي تفيض حيوية ونشاطا خلال فترات الاستراحة اليومية، وخلال فترات العطل مما يدل على أهمية هذ ا الزمن الذي يريد مقرر تنظيم السنة الدراسية إسقاطه من الحساب، واعتباره وقت فراغ يجب أن يستغل للعمل. ولولا زمن العطل لما عادت الناشئة إلى الفصول الدراسية مع بداية كل موسم دراسي بنشاط وحيوية وإقبال. ولولا الآمال في الاستفادة من زمن العطل لما كان هذا الإقبال أيضا. والمطلوب من الوزارة الوصية، ومن المختصين الاهتمام بزمن العطل على غرار الاهتمام بالزمن المدرسي وزمن التعلم. وكما يخشى هدر الزمن المدرسي، .وزمن التعلم، فلا بد أن يخشى أيضا هدر زمن العطل، وهدر زمن العطل يكون من خلال تحويله إلى زمن مدرسي وزمن تعلم وعمل، وهو في حد ذاته هدر للزمن المدرسي وزمن التعلم.