google france
01-07-2011, 03:55 PM
استقلال القضاء و المحاماة في الوطن العربي
استقلال القضاء
جهاد أكرام
محاممتمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء
1- الديمقراطية و فصل السلط: تقوم السياسات الليبرالية المعاصرة التي انبنت على أفكار منظري عصر النهضة و فلاسفة عصر الأنوار، على مجموعة من المبادئ. و الديمقراطية أهم هذه المبادئ في الجانب المتعلق بممارسة السلطة. و ترتكز الديمقراطية من بين ما ترتكز عليه، على مبدأ فصل السلط السيدة داخل الدولة بعضها عن البعض الآخر، و المتمثل في وجود استقلال بين مختلف الجهات الممارسة للسيادة.
2- أهمية استقلال السلطة القضائية: فلتكون السلطة سيدة، لا يمكن البتة أن تكون خاضعة. و القضاء من بين مظاهر السيادة الثلاثة، أهم سلطة تظهر فيها ضرورة الاستقلال:
ü مقارنة مع السلطة التشريعية، فالقضاء أكثر مواجهة للمواطنين، لأن المشرع لا يقوم إلا بوضع القواعد القانونية الواجبة الاتباع، أي التي يفترض فيها تقويم السلوك داخل المجتمع. في حين أن القضاء هو من يتصدى لخارقها، أي أنه من يقوم السلوك الذي يخرق التشريع. فيكون في علاقة مباشرة مع المخاطبين بأحكام القانون.
ü و قد يقال إن السلطة التنفيذية هي الأخرى في اتصال مباشر مع الأفراد، و من ثمة تبدت ضرورة استقلالها، غير قليلة الأهمية مقارنة مع استقلال السلطة المشرفة على تطبيق القانون لاتحاد العلة. و لكن الحقيقة أن استقلال الجهات المشرفة على تطبيق القانون و احترامه، أكثر أهمية من استقلال السلطة التنفيذية، لا لشيء إلا لأن هذه الأخيرة في الحقيقة هي السلطة الأصلية التي انبثقت عنها السلطتان الأخريان. أي أنها الدولة التي لا تعدو أن تكون في واقع الأمور مخاطبا – و لكن سيدا – بأحكام القانون، يمتثل له حينا و يخالفه أحيانا، لتنتج عن هذه المخالفات أوضاع شاذة تستوجب تدخل السلطة الموكول إليها ضمان احترام القانون لإعادة الأمور لنصابها.
و هنا بالذات تظهر ضرورة استقلال الجهات المشرفة على تطبيق القانون عن باقي السلط في الدولة، سواء تعلق الأمر بالقضاء كسلطة تطبقه بصفة مباشرة، أم بالمحاماة كرسالة تيسر للقضاء بلوغ مبتغاه و إدراك مراده في تحقيق العدالة. فكيف ضمنت النظم العربية هذا الاستقلال، إن نظريا أم عمليا؟
أولا:استقلال القضاء و المحاماة على المستوى النظري
3- استقلال القضاء في الدساتير العربية: تتباهى أغلب الدول العربية، إن لم نقل كلها، باعتبار استقلال القضاء مبدأ دستوريا يتعين على باقي سلطاتها احترامه، و يتوجب على قانونها تكريسه. و قد تعددت العبارات المستعملة في هذا الصدد من طرف المشرعين الأساسيين في الدول العربية. فمن الدساتير من يقتصر على اعتبار القضاء مستقلا عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، دون أن يرفعه إلى مصاف السلطة بالمعنى اللفظي للكلمة، كما هي حال الفصل 82 دستوري مغربي. و منها من لا يتحدث إلا عن استقلال القضاة كأشخاص رغم اعتباره القضاء سلطة، حيث نصت المادة 97 من الدستور الأردني الواردة في الفصل السادس منه نحن عنوان "السلطة القضائية"، على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. و من الدساتير العربية من يعتبر القضاء سلطة كقرينتيه التشريعية و التنفيذية، مشيرا صراحة إلى استقلاله كما هي حال المادة 123 دستوري سوداني التي تنص في فقرتها الثانية على أن السلطة القضائية مستقلة عن الهيئة التشريعية و السلطة التنفيذية و لها الاستقلال المالي و الإداري اللازم. و منها أخيرا ما تلتقي فيه كافة المواقف المذكورة متوجة بعبارات براقة تعكس أهمية القضاء و جلال قدره في الدولة، مثل ما ورد في الباب السادس من الدستور العماني:
"الباب السادس – القضاء
مادة 59- سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. و شرف القضاء و نزاهة القضاة ضمان للحقوق و الحريات.
مادة 60- السلطة القضائية مستقلة، و تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها و درجاتها، و تصدر أحكامها وفق القانون.
مادة 61- لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون. و هم غير قابلين للعزل إلا في الحالات التي يحددها القانون. و لا يجوز لأي جهة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة. و يعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، و يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى القضاء. و شروط و إجراءات تعيين القضاة و نقلهم و ترقيتهم و الضمانات المقررة لهم و أحوال عدم قابليتهم للعزل و غير ذلك من الأحكام الخاصة بهم".
4- استقلال القضاء في السياسات العربية: و غير بعيد عن الدساتير، لا تفوت الخطابات السياسية الرسمية الفرصة للإشارة لمبدأ استقلال القضاء و التأكيد على اعتباره الركيزة الأساسية لبلوغ الاستقرار و الأمن السياسيين في المجتمع، و التطور و التقدم على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي في الدولة، معتبرة تحقيق استقلال القضاء، هدفا تنشده و مقصدا من بين أولوياتها ترتبه.
5- استقلال المحاماة في الدساتير و التشريعات العربية: و أما المحاماة، فحظها من هذه الهالة أقل. ذلك أن المشرع لم يرق بتنظيمها إلى مصاف القواعد الدستورية إلا استثناء، كما فعل الدستور العماني الذي نصت مادته 65 على أن القانون ينظم مهنة المحاماة. و حتى في هذه الاستثناءات، فلم يعتبر التشريع الأساسي المحاماة مستقلة. غير أن ذلك لا يعني عدم وجود إشارة لاستقلال المحاماة في نظم العالم العربي القانونية، لأن من بين القوانين العربية من اعتبرها مستقلة بنص تشريعي كما فعلت المادة الأولى محاماة مغربي.
6- استقلال ظاهري: و لكن تجليات هذا الاستقلال الظاهري، سرعان ما تندثر و تنجلي بمراجعة باقي المقتضيات التشريعية الخاصة بتنظيم القضاء و المحاماة في الأقطار العربية. ذلك أن المبدأ الدستوري العام و المطلق، يفرغ من محتواه بأحكام قانونية، منها الدستوري و منها التشريعي، تخصصه و تقيده، ينعكس من خلالها التدخل السافر للسلطة التنفيذية في أمور القضاء و المحاماة.
7- تدخل السلطة التنفيذية في القضاء: و يظهر خضوع القضاء للسلطة التنفيذية في البلدان العربية أولا في نصوص الدستور ذاته. و تلك حال الدستورين المغربي و الأردني اللذين يمنح أولهما ملك المغرب حق تعيين القضاة و سلطة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، معتبرا وزير العدل نائبا لرئيس المجلس، و يجعل ثانيهما ملك الأردن صاحب صلاحية تعيين قضاة المحاكم و عزلهم.
و إذا أفلت المبدأ الوهمي من شر نصوص الدستور، وقع حتما في مخالب أحكام التشريع من خلال المقتضيات القانونية المنظمة لسلك القضاء و النظام الأساسي لرجاله.
ü فمن القوانين العربية ما يقر تدخل السلطة التنفيذية صراحة في القضاء، كما جاء في المادة 35 من قانون تنظيم القضاء الكويتي التي تمنح وزير العدل حق الإشراف على القضاء.
ü و منها ما يغلف هذا التسلط ليبلغه بصفة غير مباشرة، عبر فرض وصاية السلطة التنفيذية على الهيئات و المؤسسات المخولة سلطة الإشراف على سير أمور القضاء و رجاله. و من أمثلة ذلك أن المجلس الأعلى للقضاء الاتحادي في الإمارات، و هو المكلف بمهام عديدة منها ترقية القضاة و تأديبهم، مؤلف من سبعة أعضاء، ثلاثة منهم ينتمون للإدارة و هم وزير العدل رئيسا، و وكيل وزارة العدل و مدير دائرة التفتيش، و رابعهم النائب العام التابع لسلطة الإدارة رغم اعتباره قاضيا، و الثلاثة الباقون قضاة معينون بحسب صفاتهم بقوة القانون. و منها أيضا أن السلطان العماني يرأس المجلس الأعلى للقضاء في السلطنة، و إلى جانبه وزير العدل في النيابة، و كل من المفتش العام للشرطة و الجمارك و المدعي العام في العضوية. و منها كذلك أن الملك من يرأس المجلس الأعلى للقضاء في البحرين، و أنه من يقرر في تعيين القضاة بناء على اقتراح المجلس.
و عليه، يظهر كيف تهدم مختلف هذه النصوص مبدأ استقلال السلطة القضائية نظرا للإشراف الموسع، إن لم نقل للوصاية المطلقة، لبعض أعضاء السلطة التنفيذية ممثلة في رؤساء الدول و وزراء العدل العرب، على تعيين القضاة و نقلهم و ترقيتهم و تأديبهم. ذلك أن السلطة الخاضعة، سلطة ناقصة. فيكون القاضي المتعلق مصيره بالسلطة التقديرية لجهات أخرى، مقيدا في عمله (http://edunetcafe.com/showthread.php?t=14514)، غير حر في توجهاته. و هو كغيره من البشر ضعيف النفس، قليل البأس، إن لم يكن لرضاء تلك الجهات طالبا، فلن يكون في سخطها راغبا. و يزيد الطين بلة أن النظم السياسية العربية، نظم أشخاص لا مؤسسات. فإذا اتضحت الأمور، فلن يكون في التفصيل سوى قصور.
يتبع
استقلال القضاء
جهاد أكرام
محاممتمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء
1- الديمقراطية و فصل السلط: تقوم السياسات الليبرالية المعاصرة التي انبنت على أفكار منظري عصر النهضة و فلاسفة عصر الأنوار، على مجموعة من المبادئ. و الديمقراطية أهم هذه المبادئ في الجانب المتعلق بممارسة السلطة. و ترتكز الديمقراطية من بين ما ترتكز عليه، على مبدأ فصل السلط السيدة داخل الدولة بعضها عن البعض الآخر، و المتمثل في وجود استقلال بين مختلف الجهات الممارسة للسيادة.
2- أهمية استقلال السلطة القضائية: فلتكون السلطة سيدة، لا يمكن البتة أن تكون خاضعة. و القضاء من بين مظاهر السيادة الثلاثة، أهم سلطة تظهر فيها ضرورة الاستقلال:
ü مقارنة مع السلطة التشريعية، فالقضاء أكثر مواجهة للمواطنين، لأن المشرع لا يقوم إلا بوضع القواعد القانونية الواجبة الاتباع، أي التي يفترض فيها تقويم السلوك داخل المجتمع. في حين أن القضاء هو من يتصدى لخارقها، أي أنه من يقوم السلوك الذي يخرق التشريع. فيكون في علاقة مباشرة مع المخاطبين بأحكام القانون.
ü و قد يقال إن السلطة التنفيذية هي الأخرى في اتصال مباشر مع الأفراد، و من ثمة تبدت ضرورة استقلالها، غير قليلة الأهمية مقارنة مع استقلال السلطة المشرفة على تطبيق القانون لاتحاد العلة. و لكن الحقيقة أن استقلال الجهات المشرفة على تطبيق القانون و احترامه، أكثر أهمية من استقلال السلطة التنفيذية، لا لشيء إلا لأن هذه الأخيرة في الحقيقة هي السلطة الأصلية التي انبثقت عنها السلطتان الأخريان. أي أنها الدولة التي لا تعدو أن تكون في واقع الأمور مخاطبا – و لكن سيدا – بأحكام القانون، يمتثل له حينا و يخالفه أحيانا، لتنتج عن هذه المخالفات أوضاع شاذة تستوجب تدخل السلطة الموكول إليها ضمان احترام القانون لإعادة الأمور لنصابها.
و هنا بالذات تظهر ضرورة استقلال الجهات المشرفة على تطبيق القانون عن باقي السلط في الدولة، سواء تعلق الأمر بالقضاء كسلطة تطبقه بصفة مباشرة، أم بالمحاماة كرسالة تيسر للقضاء بلوغ مبتغاه و إدراك مراده في تحقيق العدالة. فكيف ضمنت النظم العربية هذا الاستقلال، إن نظريا أم عمليا؟
أولا:استقلال القضاء و المحاماة على المستوى النظري
3- استقلال القضاء في الدساتير العربية: تتباهى أغلب الدول العربية، إن لم نقل كلها، باعتبار استقلال القضاء مبدأ دستوريا يتعين على باقي سلطاتها احترامه، و يتوجب على قانونها تكريسه. و قد تعددت العبارات المستعملة في هذا الصدد من طرف المشرعين الأساسيين في الدول العربية. فمن الدساتير من يقتصر على اعتبار القضاء مستقلا عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، دون أن يرفعه إلى مصاف السلطة بالمعنى اللفظي للكلمة، كما هي حال الفصل 82 دستوري مغربي. و منها من لا يتحدث إلا عن استقلال القضاة كأشخاص رغم اعتباره القضاء سلطة، حيث نصت المادة 97 من الدستور الأردني الواردة في الفصل السادس منه نحن عنوان "السلطة القضائية"، على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. و من الدساتير العربية من يعتبر القضاء سلطة كقرينتيه التشريعية و التنفيذية، مشيرا صراحة إلى استقلاله كما هي حال المادة 123 دستوري سوداني التي تنص في فقرتها الثانية على أن السلطة القضائية مستقلة عن الهيئة التشريعية و السلطة التنفيذية و لها الاستقلال المالي و الإداري اللازم. و منها أخيرا ما تلتقي فيه كافة المواقف المذكورة متوجة بعبارات براقة تعكس أهمية القضاء و جلال قدره في الدولة، مثل ما ورد في الباب السادس من الدستور العماني:
"الباب السادس – القضاء
مادة 59- سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. و شرف القضاء و نزاهة القضاة ضمان للحقوق و الحريات.
مادة 60- السلطة القضائية مستقلة، و تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها و درجاتها، و تصدر أحكامها وفق القانون.
مادة 61- لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون. و هم غير قابلين للعزل إلا في الحالات التي يحددها القانون. و لا يجوز لأي جهة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة. و يعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، و يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى القضاء. و شروط و إجراءات تعيين القضاة و نقلهم و ترقيتهم و الضمانات المقررة لهم و أحوال عدم قابليتهم للعزل و غير ذلك من الأحكام الخاصة بهم".
4- استقلال القضاء في السياسات العربية: و غير بعيد عن الدساتير، لا تفوت الخطابات السياسية الرسمية الفرصة للإشارة لمبدأ استقلال القضاء و التأكيد على اعتباره الركيزة الأساسية لبلوغ الاستقرار و الأمن السياسيين في المجتمع، و التطور و التقدم على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي في الدولة، معتبرة تحقيق استقلال القضاء، هدفا تنشده و مقصدا من بين أولوياتها ترتبه.
5- استقلال المحاماة في الدساتير و التشريعات العربية: و أما المحاماة، فحظها من هذه الهالة أقل. ذلك أن المشرع لم يرق بتنظيمها إلى مصاف القواعد الدستورية إلا استثناء، كما فعل الدستور العماني الذي نصت مادته 65 على أن القانون ينظم مهنة المحاماة. و حتى في هذه الاستثناءات، فلم يعتبر التشريع الأساسي المحاماة مستقلة. غير أن ذلك لا يعني عدم وجود إشارة لاستقلال المحاماة في نظم العالم العربي القانونية، لأن من بين القوانين العربية من اعتبرها مستقلة بنص تشريعي كما فعلت المادة الأولى محاماة مغربي.
6- استقلال ظاهري: و لكن تجليات هذا الاستقلال الظاهري، سرعان ما تندثر و تنجلي بمراجعة باقي المقتضيات التشريعية الخاصة بتنظيم القضاء و المحاماة في الأقطار العربية. ذلك أن المبدأ الدستوري العام و المطلق، يفرغ من محتواه بأحكام قانونية، منها الدستوري و منها التشريعي، تخصصه و تقيده، ينعكس من خلالها التدخل السافر للسلطة التنفيذية في أمور القضاء و المحاماة.
7- تدخل السلطة التنفيذية في القضاء: و يظهر خضوع القضاء للسلطة التنفيذية في البلدان العربية أولا في نصوص الدستور ذاته. و تلك حال الدستورين المغربي و الأردني اللذين يمنح أولهما ملك المغرب حق تعيين القضاة و سلطة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، معتبرا وزير العدل نائبا لرئيس المجلس، و يجعل ثانيهما ملك الأردن صاحب صلاحية تعيين قضاة المحاكم و عزلهم.
و إذا أفلت المبدأ الوهمي من شر نصوص الدستور، وقع حتما في مخالب أحكام التشريع من خلال المقتضيات القانونية المنظمة لسلك القضاء و النظام الأساسي لرجاله.
ü فمن القوانين العربية ما يقر تدخل السلطة التنفيذية صراحة في القضاء، كما جاء في المادة 35 من قانون تنظيم القضاء الكويتي التي تمنح وزير العدل حق الإشراف على القضاء.
ü و منها ما يغلف هذا التسلط ليبلغه بصفة غير مباشرة، عبر فرض وصاية السلطة التنفيذية على الهيئات و المؤسسات المخولة سلطة الإشراف على سير أمور القضاء و رجاله. و من أمثلة ذلك أن المجلس الأعلى للقضاء الاتحادي في الإمارات، و هو المكلف بمهام عديدة منها ترقية القضاة و تأديبهم، مؤلف من سبعة أعضاء، ثلاثة منهم ينتمون للإدارة و هم وزير العدل رئيسا، و وكيل وزارة العدل و مدير دائرة التفتيش، و رابعهم النائب العام التابع لسلطة الإدارة رغم اعتباره قاضيا، و الثلاثة الباقون قضاة معينون بحسب صفاتهم بقوة القانون. و منها أيضا أن السلطان العماني يرأس المجلس الأعلى للقضاء في السلطنة، و إلى جانبه وزير العدل في النيابة، و كل من المفتش العام للشرطة و الجمارك و المدعي العام في العضوية. و منها كذلك أن الملك من يرأس المجلس الأعلى للقضاء في البحرين، و أنه من يقرر في تعيين القضاة بناء على اقتراح المجلس.
و عليه، يظهر كيف تهدم مختلف هذه النصوص مبدأ استقلال السلطة القضائية نظرا للإشراف الموسع، إن لم نقل للوصاية المطلقة، لبعض أعضاء السلطة التنفيذية ممثلة في رؤساء الدول و وزراء العدل العرب، على تعيين القضاة و نقلهم و ترقيتهم و تأديبهم. ذلك أن السلطة الخاضعة، سلطة ناقصة. فيكون القاضي المتعلق مصيره بالسلطة التقديرية لجهات أخرى، مقيدا في عمله (http://edunetcafe.com/showthread.php?t=14514)، غير حر في توجهاته. و هو كغيره من البشر ضعيف النفس، قليل البأس، إن لم يكن لرضاء تلك الجهات طالبا، فلن يكون في سخطها راغبا. و يزيد الطين بلة أن النظم السياسية العربية، نظم أشخاص لا مؤسسات. فإذا اتضحت الأمور، فلن يكون في التفصيل سوى قصور.
يتبع