المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية



9raya tounes
01-01-2012, 04:09 PM
بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية

عندما جاءت العولمة‏,‏ جاءت محمولة علي أعناق وأكتاف ثورة الاتصالات‏;‏ أي طوفان الموجات الالكترونية الضوئية السرعة‏;‏ المرئية‏/‏ المسموعة‏/‏ المقروءة‏,‏ التي تتحول بها كل ما تتخذه المعاني من أشكال أو قوالب أو رموز‏,‏ أي تتحول بها رسائل المعلومات والأخبار والأفكار والتوجيهات والأوامر والايحاءات ودلالات الأعمال الفنية الدرامية والتشكيلية والموسيقية‏..‏ تتحول إلي صور وكلمات وأصوات‏,‏ بالألوان والأصداء الطبيعية والاصطناعية‏.‏ فالعولمة ـ بأي مفهوم لها‏,‏ إيجابي أو سلبي‏;‏ اقتصادي أو‏(‏ و‏)‏ سياسي أو‏(‏ و‏)‏ ثقافي أو‏(‏ و‏)‏ استراتيجي ـ ما كانت لتأتي بالصورة التي نواجهها منذ أواخر القرن العشرين‏,‏ وتزداد وضوحا وحدة منذ البداية الفلكية للقرن الحادي والعشرين لولا ثورة الإتصالات‏...‏
غير أن ثورة الاتصالات التي حملت أمواجها وأدواتها حقائق العولمة أو تحولها في كل لحظة إلي حقيقة فعلية تعيشها البشرية كلها تقريبا ـ تستسلم لها أو تقاومها أو تتفاعل معها ـ لم تكن مجرد ثورة في التقنيات الفنية‏;‏ وإنما كانت ثورة متعددة الوجوه‏,‏ الثقافية‏,‏ السياسية‏,‏ الاقتصادية والاستراتيجية‏,‏ بهذا الترتيب كما سنري بعد قليل‏,‏ تمكنت من توظيف التقنيات‏(‏ أو‏:‏ التكنولوجيات‏)‏ الجديدة لنشر أفكار وتوجهات وايحاءات ودلالات بعينها‏,‏ وتحقيق السيادة علي عقول البشرية كلها ـ عن طريق المواد الثقافية المتعددة الأنواع‏:‏ من المعلومات إلي الأخبار إلي التحليلات في شكل ندوات وأحاديث‏..‏ إلخ‏..‏ حتي الأفكار والمذاهب والتصورات الأعمال الفنية وانماط السلوك‏...‏
بهذا الشكل‏,‏ وفيما يجمع علماء الثقافة المعاصرة‏,‏ الذين لا ينشغل أكثرهم إلا بدراسة العلاقة بين الثقافة ووسائل الاتصال الحديثة‏,‏ تضاعف ـ دون حدود تقريبا ـ تأثير الثقافة علي اختيارات الجماعات الانسانية‏,‏ إلي الدرجة التي يلغي معها مبدأ الاختيار ذاته‏,‏ أو مبدأ الحرية الجماعية القومية والفردية الشخصية‏,‏ علي حد ما يطرحه فيلسوف ما بعد الحداثة الأشهر‏,‏ الفرنسي فرانسوا ليوتار في كتابه‏:‏ تفسير ألما بعد حداثي:
ThePostmodernExplained‏
‏(‏ نشر جامعة مينيسوتا ـ‏1995‏ ـ ترجمة جماعية حررها جوليان بيفانيس ومورجان توماس‏.‏ وكتب التعقيب عليها فالد جود زيش‏)...‏
كانت الثقافة‏(‏ أو‏:‏ المعرفة عند ليوتار وزملائه‏)‏ ابداعا جماعيا وفرديا تحكمه وتستثمره أفكار ومباديء كبيرة‏(‏ يسميها‏:‏ سرديات كبري ـ في محاولته لتسميتها بكلمة محايدة‏)‏ وكانت هذه الأفكار والمباديء تجمع بين الأسس الاجتماعية والسياسية والقواعد الأخلاقية والتوجهات المنهجية المختلفة عبر العصور والثقافات‏..‏ واستمر هذا الوضع بشكل أو بآخر حتي عصر الرأسمالية المتطورة التي حققت الثورة التكنولوجية‏;‏ وكان مجال الاتصالات من أهم المجالات التي تجلت فيها هذه الثورة‏;‏ وكانت المعرفة‏(‏ أو‏:‏ الثقافة‏/‏ أو‏:‏ الثقافات‏)‏ أكبر أهدافها‏,‏ وضحاياها‏...‏
فالثقافة‏(‏ أو المعرفة‏)‏ لم تعد إبداعا ـ جماعيا ولا فرديا ـ وإنما أصبحت إنتاجا له قيمة وظيفية نفعية‏(‏ استخدامية واستغلالية بتعبير الاقتصاديين‏)...‏ كما أصبحت سلسلة لا نهاية لها من الرموز الرقمية التي تزداد باستمرار‏,‏ ويتم تجميعها‏,‏ واعادة تجميعها علي الدوام ـ مثل مكونات
‏Components‏
أي جهاز أو آلة أخري‏,‏ حسب المنفعة ـ أي الاستخدام أو الاستغلال المطلوبين من تجميعها ـ أو تفكيكها في كل مرة‏:‏ هكذا تفصل الثقافة‏/‏ المعرفة ـ ليس فقط عن طبيعتها التاريخية‏:‏ بوصفها ابداعا جماعيا وفرديا‏/‏ جماعيا‏;‏ وإنما تفصل أيضا عن مبادئها وأفكارها الحاكمة‏:‏ الاجتماعية‏/‏ السياسية‏(‏ أي‏:‏ القومية‏)‏ والمنهجية‏(‏ أي‏:‏ العلمية‏)‏ لكي تؤدي المنفعة التي تطلبها القوي المتحكمة في كل من إنتاج المعرفة‏(‏ الثقافة الجديدة‏)‏ وفي توزيعها وبثها للتحكم في وعي البشر‏,‏ وفي اختياراتهم‏...‏ فيلغي ـ في الحقيقة ـ مبدأ الاختيار ذاته‏,‏ أو مبدأ الحرية‏:‏ حرية الأمم‏,‏ والأفراد‏..‏ علي السواء‏,‏ مع مجيء العولمة محمولة علي أمواج طوفان ثورة الاتصالات‏.‏
هذه الحقيقة استخلصها علماء ثقافة معاصرون من مدارس وتيارات وجنسيات عديدة‏;‏ حاول بعضهم أن يقدمها باعتبارها التطور الطبيعي والايجابي للثقافة الانسانية في عصرنا‏,‏ وللحياة الانسانية بالتالي‏;‏ ولكن أكثرهم ـ في الغرب خصوصا ـ اتخذوا منها موقفا نقديا‏,‏ باعتبارها ظاهرة خطيرة تهدد الليبرالية أو الديموقراطية ـ الاجتماعية والسياسية والفكرية الثقافية ـ في بلدان الرأسمالية‏(‏ الليبرالية‏)‏ المتطورة ذاتها‏,‏ مثلما هدد الاحتكار الصناعي والمالي أسس الليبرالية الاقتصادية في الماضي‏;‏ ويهدد بالتالي بتحويل هذه الليبراليات التي أقامتها حركة الحداثة منذ الثورات السياسية القومية والاجتماعية‏:‏ الانجليزية والأمريكية والفرنسية علي التوالي في القرون من السابع عشر إلي الثامن والتاسع عشرتحويلها إلي نظم شمولية‏,‏ فاشية النزعة يسمونها الآن الفاشية اللينة‏.‏
ولكن القليلين من علماء الثقافة الغربيين المعاصرين ـ النقديين ـ هؤلاء ـ من اهتم بخطورة تهديد عولمة الوعي ـ الانساني ـ وعولمة الثقافات الانسانية‏(‏ القومية‏)‏ بالتالي والغاء خصوصياتها‏.‏ ومع ذلك فما يزال عدد من هؤلاء العلماء البارزين‏(‏ في تخصصات اللغويات مثل نوام تشومسكي الأمريكي‏;‏ والاجتماع الثقافي مثل زيجمونت بومان البريطاني والانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية مثل نيجل رابورت وزميلته جوانا أو فرينج البريطانيان أيضا‏)..‏ مايزالون يدافعون عن‏,‏ ويبرهنون علي مفهوم وحقيقة وجود ثقافات ـ بالجمع‏;‏ مقابل سعي علماء العولمة إلي تثبيت مفهوم‏:‏ الثقافة بالمفرد‏:‏ ولكننا من واقع متابعة ومعايشة تيار العولمة الثقافية‏,‏ الذي تحول بوضوح في الخطاب الرسمي الأمريكي والبريطاني بشكل خاص إلي قرار سياسي وخطة للاختراق الثقافي بهدف فرض نظام للقيم ـ ولدلالات هذه القيم ولتطبيقاتها ـ السياسية والأخلاقية والفكرية التي يتم تصنيعها في مراكز بحوث خاصة تتعامل نتائج بحوثها مع مؤسسات وأجهزة اتصالاتنا المختلفة‏:‏ مؤسسات وأجهزة التعليم والتثقيف والاعلام والدعوة الدينية‏,‏ الأهلية والقومية علي السواء‏...‏ أو هكذا يدبرون‏..‏ من واقع متابعة ومعايشة تيار العولمة الثقافية هذا‏;‏ نلمس كما يلمس غالبية المشغولين بمصائر التنوع الثقافي الخلاق للبشرية‏;‏ نلمس مدي هيمنة هذا التيار وقوة سلطته علي كل وسائل الاتصال الكبري في عالمنا الآن‏,‏ ومدي تهديده بالتالي لذلك التنوع الخلاق نفسه‏.‏
إن ثورة الاتصالات ـ التي أخضعت الثقافة‏(‏ المعرفة‏)‏ وتطبيقاتها العملية لمعاييرها ومصالحها الكوكبية‏/‏ التقنية‏/‏ لا تشمل فحسب مجرد وسائل الاتصال التقليدية‏(‏ الراديو والتليفزيون والتليفون‏..‏ حتي الحواسب الآلية والانترنت وشبكات المعلومات الاقليمية والدولية الأخري‏)...‏ وانما شملت التعليم والتثقيف والترفيه والدعوة الدينية‏:‏ من المدارس والجامعات ومراكز البحوث والجمعيات‏..‏ إلي المكتبات ودور العبادة وقاعات العرض ومنتجات فنون وأساليب العرض الجماعي أو العامة‏(‏ والفردي أو الخاصة‏)‏ الترفيهية والتبشرية والتعليمية والتوجهية‏..‏ إلخ‏..‏
أي أن ثورة الاتصالات بأدواتها وبالتقنية التي تجرد المعرفة‏(‏ الثقافات‏)‏ من أصولها أو جذورها أو سياقاتها الاجتماعية الخاصة ـ شملت كل أدوات وأجهزة ومؤسسات توزيع المعرفة‏...‏ التوزيع فحسب‏,‏ لأن الانتاج الحقيقي ـ وتقليداته المحلية المتقنة أو سيئة الصنع ـ يتم هناك ـ في مصانع إنتاج المعرفة المرتبطة بقوي العولمة الرئيسية‏..‏
لهذا ـ وغيره ـ نحتاج في عالمنا العربي بشكل خاص ـ إلي برنامج حد أدني من التنسيق ـ يخطط ـ نظريا وتطبيقيا ـ لانتاج معرفتنا‏(‏ ثقافتنا السائدة وثقافاتنا الفرعية‏)‏ الخاصة‏.‏ برنامج نعتقد أنه لابد أن تشارك فيه مؤسسات وأجهزة الدول والمجتمعات‏,‏ الرسمية أو القومية والأهلية ـ في ميادين التعليم والبحث العلمي والتثقيف والاعلام والدعوة الدينية‏..‏ برنامج نعتقد أنه أصبح من الواضح ضرورة تحديده للثوابت الثقافية‏,‏ وفتحه الأبواب كلها أمام التجدد والتجديد‏;‏ لا يتجمد عند ثوابت ومتغيرات الماضي الاشكالية ويجعلنا قادرين علي التعامل مع مستجدات الثقافات الأخري ـ بما فيها الثقافة المعولمة‏.‏
وفي هذا السياق‏,‏ لابد أن نتذكر عبارة السيادة الاعلامية التي كان تحقيقها هدفا لمؤسسات الاعلام‏(‏ والصحافة بينها‏)‏ المصرية منذ أوائل الثمانينات باعتبارها دليلا علي وعي مبكر بخطورة ترك فضاء الاتصالات ـ أو الفضاء الثقافي بمعايير عصرنا ـ لسلطة غير سلطة الأمة وسيادتها الاجتماعية‏;‏ وذلك بشرط فهم السيادة علي أنها سيادة مضمونية وتقنية معا‏;‏ تكفل تحرير الوعي العربي مع إدراكه لثوابته أيضا‏

J'aime tout le monde
01-03-2012, 08:57 AM
بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية

:Tunisia cafe:

Edunet.tn
01-05-2019, 09:43 PM
بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية
بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية
بحث جاهز عن الثورة التكنولوجية