buffy knr
08-09-2009, 11:42 AM
السلام عليكم
تعريف بموسيقى الافلام السنمائية
تأليف: آ. كوبلاند
ترجمة: سوزان إيلوش
المصدر: مجلة الحياة الموسيقية العدد 5 العام 1994 ص128
تعريف بموسيقى الافلام السنمائية
تشكل موسيقى الفيلم مادة موسيقية جديدة تمارس سحراً خاصاً بها. وفي الواقع، فإنها شكل جديد للموسيقى المسرحية المتصلة بالأوبرا. وكشكل جديد، فهي تتيح الفرصة لاحتمالات غير مطروقة من قبل المؤلفين، وتطرح بعض التساؤلات الهامة أمام رواد السينما.
إن الملايين من رواد السينما يأخذون الموسيقى المرافقة لفيلم درامي بكثير من الأهمية، باعتبارها أمراً مفروغاً منه. وبعد خمس دقائق من انتهاء الفيلم لا يمكنهم إخبارك فيما إذا كانوا قد سمعوا موسيقى أصلاً أم لا. وإن سألتهم فيما إذا كانوا يعتقدون أن موسيقى الفيلم كانت مثيرة أو أنها تفي بالغرض فقط، فسيكون ذلك وكأنك تصيبهم بعقدة نقص موسيقية. ولكن عند إعادة النظر، وفي حالة الدفاع عن النفس، يأتي السؤال التالي: أليس صحيحا أنه لا يفترض بالمرء أن يكون مصغياً إلى الموسيقى أثناء عرض الفيلم؟ أليس المفترض أن تؤثر بك الموسيقى دون أن تدرك ذلك؟. لم تُناقش موسيقى الفيلم في السابق دون مواجهة هذا السؤال: هل يجب على المرء أن يستمع إلى موسيقى الفيلم؟ لو كنت موسيقياً فليس هناك مشكلة، لأنك ستصغي إليها حتماً. فبالنسبة لي مثلاً، كم من مرة دُمّر فيها فيلم جيد بسبب موسيقى سيئة. ولكن المشكلة تكمن في المشاهد العادي المستغرق في حدث درامي، دون أن يعي الخلفية الموسيقية. لكنه يريد أن يتأكد من أهمية دور الموسيقى في إنجاح هذا العمل. إن الحل متعلق بدرجة قدرتك العامة على الفهم الموسيقي، فهي التي ستقرر كم هي المتعة التي يمكنك أن تحصل عليها باستيعابك للخلفية الموسيقية، كجزء متمم للانطباع الذي تركه الفيلم فيك. ولحسن الحظ، فإن إدراك المزيد مما يحدث في موسيقى الفيلم ليس بالعملية المعقدة إلى الحد الذي لا يمكننا من عرضها بشكل موجز.
لقد وضعت موسيقى الأفلام، غالباً، بعد رؤية الموسيقيّ للفيلم منتهياً. أما في الأفلام التي تتطلب موسيقى خاصة بها، كأغنية أو رقصة أو معزوفة، فإن الموسيقى تؤَّلف وتسجَّل قبل تصوير المشهد، وعلى الممثل أن يتبع الموسيقى بدقة، حتى لا يوحي لنا بأنه لا يغني أو لا يعزف. إن أول جولة للمؤلف عبر الفيلم تكون، عادةً، دقيقةً ومهيبةً وتتطلب أن يعيش معه لعدة أسابيع، وبمرافقة المخرج والمنتج والمسؤول الموسيقي في الاستديو والمصور المسؤول عن مونتاج الموسيقى وقائد الأوركسترا وكل شخص له علاقة بوضع موسيقى الفيلم. والهدف من هذه الجولة عبر الفيلم هو أن نقرر كمية الموسيقى التي نحتاجها، وكيف يجب أن تكون، وهذا يعني أن نحدد موضعاً لها في الفيلم. إذ لا يوجد خلفية موسيقية مستمرة، لأن الأوبرا السينمائية، ما عدا الأوبرات التي صورت أفلاماً، كشكل موسيقي لم توجد بعد.
تتألف موسيقى الفيلم، عادة، من سلسلة لقطات منفصلة، مدة كلٍ منها تتراوح من بضع لحظات إلى بضع دقائق. وتعد الموسيقى التي تستمر لمدة سبع دقائق حالة استثنائية. فموسيقى الفيلم مركبة من ثلاثين أو أكثر من المقاطع ضمن سلسلة من اللقطات المتعاقبة. وقد تمتد لتشكل أربعين إلى تسعين دقيقة. كما أنه من الأفضل أن تقتصر الموسيقى على اللقطات الرئيسية والحاسمة فقط. فالمؤلف الجيد يعرف أن للصمت أحياناً وقعاً أكبر بكثير من أي صوت. ومن ناحية أخرى، فإن المخرج المنتج يريد للموسيقى أن تخدمه بشكل فوري وفعال. فهو يريد أن يغطي بها نقاط ضعف في فيلمه، وذلك لأنه مقتنع تماماً بأهمية الموسيقى ودورها الممكن في إنقاذ المشهد. لكن المؤلف ليس بساحرٍ، ومن الصعب أن يتوقع منه أكثر من إقناع المتفرج، عن طريق الموسيقى، بالقيم العاطفية والدرامية للفيلم. لذلك فمن الضروري حدوث الكثير من المناقشات قبل التوصل إلى القرارات النهائية بشأن التقطيع الموسيقي للفيلم. وحتى تكون موسيقى الفيلم ناجحة، إليكم بعض الطرق التي يجب أن يتبعها المؤلفون.
* خلق جو أكثر إقناعاً بالزمان والمكان: لا يقتنع جميع مؤلفي هوليود بهذا الأمر الدقيق، فكثيراً ما اختاروا نفس أسلوب الموسيقى لفيلم تدور أحداثه في القرن الثالث عشر لفيلم تدور أحداثه في القرن العشرين. ورغم أن البنية السيمفونية الفنية لموسيقى أواخر القرن التاسع عشر تبقى الأكثر تأثيراً، إلا أن هناك استثناءات ما. فلقد بدأت مؤخراً الأوبرا والموسيقى الشعبية بالحصول على أهميتها عند المؤلفين السينمائيين.
* إظهار التناقض بين ما يظهره الممثل وما يخفيه: إذ يكفي أحيانا في مشهد عاطفي أن نسمع "أكورداً" متنافراً حتى نشعر برياء الموقف. كما يمكن في أحيان أخرى للحنٍ قصير وسريع على آلة نافخة أن يقلب مشهداً مريباً إلى ضحكة.
* استخدام الموسيقى كخلفية حيادية: وهذه هي الموسيقى التي لا يفترض بالمرء أن يسمعها. إنها ذلك النوع الذي يساعد على ملء المواضع الفارغة، كفترة توقف أثناء محادثة مثلاً. إنها أكثر ما يكرهه المؤلف في الفيلم، ومع ذلك فهو يشعر برضى خاص عن نفسه بعد نجاحه في تحويل موسيقى ذات قيمة فعلية ضئيلة إلى أخرى مفعمة بالحياة، تعطي للمشهد بعداً إنسانياً. وهذا هو الجزء الأصعب في العمل والذي سينال عليه إعجاب غيره من المؤلفين.
* بناء شعور من الاستمرارية: إن ممنتج الفيلم هو الذي يعرف، أكثر من غيره، مدى أهمية الموسيقى في تجميع المشاهد التي يخشى عليها دائماً من التفكك. فعملية المونتاج تظهر لنا كيف أن تجميع الصور ولصقها ببعض يمكن أن يترك شعوراً بالتفكك إذا لم تدعمه فكرة موسيقية واحدة تجمعه.
* دعم البناء الدرامي للمشهد وتتويجه بمشهد النهاية: إن أول مثل يتبادر إلى الذهن هو الموسيقى التي تتألق في نهاية الفيلم. لقد سبق لبعض المخرجين أن تفاخروا بأن اعتمادهم على الموسيقى كان ضئيلاً، ولكن أياً منهم لم يتجرأ وينهي فيلمه بصمت. لقد اهتموا بالأمور الظاهرة وتناسوا النماذج اللامعدودة للموسيقى التي عبرت أفلامهم بحيادية، مثل موسيقى فرق الشارع البعيدة والرقص في المزارع أو الفرق الجوالة أو السيرك أو المقهى أو ابنة الجيران التي تمارس عزفها على البيانو. كل هذا وكثير غيره قد قدم بطريقة طبيعية لا أهمية لها في الظاهر، ولكنها في الواقع تخدم الفيلم بدقة متناهية.
لنعد الآن إلى مؤلفنا الافتراضي، فبعد أن قرر أين ستبدأ المقاطع الموسيقية وأين ستنتهي، عليه أن يسلم الفيلم إلى منتج الموسيقى الذي يحضر بدوره مخططاً تفصيلياً للدور الذي يتعين على الممثل تأديته، مضافاً إليه التوقيت الدقيق لكل مشهد. وبذلك يتمكن مؤلفنا المتمرس من تأليف موسيقى مناسبة دون العودة إلى رؤية الفيلم مجدداً. يتصور المشاهد العادي أن الجزء الأكثر صعوبة في عملية التأليف للأفلام يكمن في تقييد المؤلف بتوقيت تقاس دقته بأجزاء من الثانية، ويتساءل: ألا يعتبر هذا التقييد مزعجا للمؤلف؟ والجواب هو: لا. وذلك لسببين، أولاً: لأن تأليف الموسيقى المرافقة لعمل معين هو عملية مساعدة لا معيقة. وثانياً: لأن التوقيت غالباً ما يكون قضية ثانوية. إذ أن متابعة المؤلف بمشاعره لتفاصيل المشهد يكون حكماً ضمن الوقت المحدد.
أما بالنسبة للمؤلف الذي لم يعتد بعد على تأليف موسيقى السينما، فإن تغيير نوعية التأليف قد يكون لها مخاطر معينة. فالإبداع اللحني مثلاً، والذي يُقدَّر كثيراً في الموسيقى، بشكل عام، يمكن أن يكون مشوشاً في بعض مشاهد الفيلم. وحتى الخطوط اللحنية الكونترابنتية التي تجتمع في الموسيقى، لتغني الجمل الموسيقية، يمكن أن تشكل فوضى إذا ما أضيفت إلى الحوار. كما أن هناك الكثير من اللونيات في التوزيع الاوركسترالي التي تضيع في غمرة الأحداث على الشاشة وفي وقع أقدام الممثلين. وللتعويض عن هذه الخسارات، فإن للمؤلف إمكانيات أخرى ومنها بعض الخدع. ففي أثناء تأليفي لمشهد من فيلم "الورثة"، كان بإمكاني أن أخلط صوت أوركسترا بأخرى ثم أضيف إليهما وقع الأقدام. برنارد هيرمان وهو أحد أبرع مؤلفي موسيقى الأفلام استعمل في فيلمه "الشارع رقم 57" ثماني مقطوعات مسجلة فوق بعضها. إن جهوداً غير عادية قد بذلت في مجال حركة الأصوات في السينما. فمن الممكن مثلاً، أن تتقاطع موسيقى مع أخرى كما يتقاطع قطاران. ولقد حصلت فرصة تطبيق هذه التقنية في موسيقى السينما في فيلم "الحصان الأحمر الصغير". بعد أن تصبح الموسيقى جاهزة للتسجيل فإن سعادة المؤلف تبدأ لأن تقنيات هوليود التسجيلية عالية جداً ولا نظير لها في العالم. ويحب معظم المؤلفين أن يدعوا أصدقاءهم من أجل الاستماع إلى تسجيل للموسيقى، سوف تتغير قيمته المطلقة بمجرد أن يبدأ مهندسو الصوت بعملية خلط الأصوات كلها، من حوار إلى أصوات واقعية كخطوات الأقدام وفتح الأبواب إلى موسيقى. إن عمل مهندسي الصوت، غالباً، لا يعجب المؤلف الموسيقي. إذ أنهم لا يراعون موسيقاه على حساب غيرها، مما قد يضيع قليلاً من صوت الباص أو الأصوات الداخلية فيها. وفي هذا يقول ايريك كورنجولد: إن عظمة موسيقيي السينما تتناقص بانتقال الشريط من قاعة التسجيل إلى قاعة خلط الأصوات إلى الشريط النهائي. والمطلوب إذا أن يكون مهندس الصوت نصف موسيقي ونصف مهندس صوت. ومن إدراك هذه العوائق عند عملية السبر الشاملة لموسيقى الأفلام، نجد أنه من الطبيعي أن يتأمل المؤلف من استخلاص متتالية موسيقية من موسيقى أفلامه، جديرة بأن تعزف في الحفلات. هناك ميل للاعتقاد بأن موسيقى الأفلام لا تعتبر مادة جيدة لموسيقى خالصة، والسبب يكمن في أن هذه الموسيقى تفشل في إحداث أثر في النفس إذا هي عزفت بعيداً عن مؤثراتها المرئية. بالنسبة لي شخصياً، أنا لا أعتقد بوجود قانون ينطبق على كل الحالات. إذ يجب برأيي، أن يحكم على كل قطعة موسيقية بناءً على ميزاتها الخاصة بها. مما لا شك فيه في أن النسيج القصصي للمادة الفيلمية يمكن أن يكون متماسكاً وطويلاً مما يمكننا من استخلاص موسيقى يمكن، بعد بضع تعديلات، أن تشكل مقطوعة موسيقية مستقلة. كما أنني أعتقد، أنه من النادر أن توجد موسيقى فيلم غير قابلة للتعديل والاستقلال بنفسها. ولهذا فأنا لا أستطيع أن أفهم السبب في كون إدوارد غريغ استطاع أن يعطي مسرح القرن التاسع عشر موسيقى مسرح ممتازة، وتعزف أيضا بشكل مستقل، في حين يفشل موسيقيو القرن العشرين في إعطاء جودة مشابهة للسينما.
إن قاعة العرض هي المكان الذي يستطيع فيه المؤلف أن يسمع للمرة الأولى ثمرة عمله، ويتذوق التأثير الدرامي للقطعة المنفصلة، وينتبه إلى أهمية أو سخافة بعض التفاصيل، ويتمنى لو أنه أدى بعض المقاطع بصورة أفضل، ويندهش من نجاح تأثير مقاطع أخرى. لأنه بعد أن يكون انتهى كل شيء، تبقى العملية الأكثر غموضاً هي عملية إضافة الألحان الموسيقية إلى الفيلم. وإن كانت ردود أفعال رواد السينما لا تقل عنها غموضاً إن الملايين ستستمع إلى موسيقى الفيلم، لكن أحداً لا يعلم كم منهم يصغي فعلاً إلى الموسيقى. في المرة القادمة التي تذهب فيها إلى السينما، احرص على أن تكون في صف المؤلف.
تحياتي
تعريف بموسيقى الافلام السنمائية
تأليف: آ. كوبلاند
ترجمة: سوزان إيلوش
المصدر: مجلة الحياة الموسيقية العدد 5 العام 1994 ص128
تعريف بموسيقى الافلام السنمائية
تشكل موسيقى الفيلم مادة موسيقية جديدة تمارس سحراً خاصاً بها. وفي الواقع، فإنها شكل جديد للموسيقى المسرحية المتصلة بالأوبرا. وكشكل جديد، فهي تتيح الفرصة لاحتمالات غير مطروقة من قبل المؤلفين، وتطرح بعض التساؤلات الهامة أمام رواد السينما.
إن الملايين من رواد السينما يأخذون الموسيقى المرافقة لفيلم درامي بكثير من الأهمية، باعتبارها أمراً مفروغاً منه. وبعد خمس دقائق من انتهاء الفيلم لا يمكنهم إخبارك فيما إذا كانوا قد سمعوا موسيقى أصلاً أم لا. وإن سألتهم فيما إذا كانوا يعتقدون أن موسيقى الفيلم كانت مثيرة أو أنها تفي بالغرض فقط، فسيكون ذلك وكأنك تصيبهم بعقدة نقص موسيقية. ولكن عند إعادة النظر، وفي حالة الدفاع عن النفس، يأتي السؤال التالي: أليس صحيحا أنه لا يفترض بالمرء أن يكون مصغياً إلى الموسيقى أثناء عرض الفيلم؟ أليس المفترض أن تؤثر بك الموسيقى دون أن تدرك ذلك؟. لم تُناقش موسيقى الفيلم في السابق دون مواجهة هذا السؤال: هل يجب على المرء أن يستمع إلى موسيقى الفيلم؟ لو كنت موسيقياً فليس هناك مشكلة، لأنك ستصغي إليها حتماً. فبالنسبة لي مثلاً، كم من مرة دُمّر فيها فيلم جيد بسبب موسيقى سيئة. ولكن المشكلة تكمن في المشاهد العادي المستغرق في حدث درامي، دون أن يعي الخلفية الموسيقية. لكنه يريد أن يتأكد من أهمية دور الموسيقى في إنجاح هذا العمل. إن الحل متعلق بدرجة قدرتك العامة على الفهم الموسيقي، فهي التي ستقرر كم هي المتعة التي يمكنك أن تحصل عليها باستيعابك للخلفية الموسيقية، كجزء متمم للانطباع الذي تركه الفيلم فيك. ولحسن الحظ، فإن إدراك المزيد مما يحدث في موسيقى الفيلم ليس بالعملية المعقدة إلى الحد الذي لا يمكننا من عرضها بشكل موجز.
لقد وضعت موسيقى الأفلام، غالباً، بعد رؤية الموسيقيّ للفيلم منتهياً. أما في الأفلام التي تتطلب موسيقى خاصة بها، كأغنية أو رقصة أو معزوفة، فإن الموسيقى تؤَّلف وتسجَّل قبل تصوير المشهد، وعلى الممثل أن يتبع الموسيقى بدقة، حتى لا يوحي لنا بأنه لا يغني أو لا يعزف. إن أول جولة للمؤلف عبر الفيلم تكون، عادةً، دقيقةً ومهيبةً وتتطلب أن يعيش معه لعدة أسابيع، وبمرافقة المخرج والمنتج والمسؤول الموسيقي في الاستديو والمصور المسؤول عن مونتاج الموسيقى وقائد الأوركسترا وكل شخص له علاقة بوضع موسيقى الفيلم. والهدف من هذه الجولة عبر الفيلم هو أن نقرر كمية الموسيقى التي نحتاجها، وكيف يجب أن تكون، وهذا يعني أن نحدد موضعاً لها في الفيلم. إذ لا يوجد خلفية موسيقية مستمرة، لأن الأوبرا السينمائية، ما عدا الأوبرات التي صورت أفلاماً، كشكل موسيقي لم توجد بعد.
تتألف موسيقى الفيلم، عادة، من سلسلة لقطات منفصلة، مدة كلٍ منها تتراوح من بضع لحظات إلى بضع دقائق. وتعد الموسيقى التي تستمر لمدة سبع دقائق حالة استثنائية. فموسيقى الفيلم مركبة من ثلاثين أو أكثر من المقاطع ضمن سلسلة من اللقطات المتعاقبة. وقد تمتد لتشكل أربعين إلى تسعين دقيقة. كما أنه من الأفضل أن تقتصر الموسيقى على اللقطات الرئيسية والحاسمة فقط. فالمؤلف الجيد يعرف أن للصمت أحياناً وقعاً أكبر بكثير من أي صوت. ومن ناحية أخرى، فإن المخرج المنتج يريد للموسيقى أن تخدمه بشكل فوري وفعال. فهو يريد أن يغطي بها نقاط ضعف في فيلمه، وذلك لأنه مقتنع تماماً بأهمية الموسيقى ودورها الممكن في إنقاذ المشهد. لكن المؤلف ليس بساحرٍ، ومن الصعب أن يتوقع منه أكثر من إقناع المتفرج، عن طريق الموسيقى، بالقيم العاطفية والدرامية للفيلم. لذلك فمن الضروري حدوث الكثير من المناقشات قبل التوصل إلى القرارات النهائية بشأن التقطيع الموسيقي للفيلم. وحتى تكون موسيقى الفيلم ناجحة، إليكم بعض الطرق التي يجب أن يتبعها المؤلفون.
* خلق جو أكثر إقناعاً بالزمان والمكان: لا يقتنع جميع مؤلفي هوليود بهذا الأمر الدقيق، فكثيراً ما اختاروا نفس أسلوب الموسيقى لفيلم تدور أحداثه في القرن الثالث عشر لفيلم تدور أحداثه في القرن العشرين. ورغم أن البنية السيمفونية الفنية لموسيقى أواخر القرن التاسع عشر تبقى الأكثر تأثيراً، إلا أن هناك استثناءات ما. فلقد بدأت مؤخراً الأوبرا والموسيقى الشعبية بالحصول على أهميتها عند المؤلفين السينمائيين.
* إظهار التناقض بين ما يظهره الممثل وما يخفيه: إذ يكفي أحيانا في مشهد عاطفي أن نسمع "أكورداً" متنافراً حتى نشعر برياء الموقف. كما يمكن في أحيان أخرى للحنٍ قصير وسريع على آلة نافخة أن يقلب مشهداً مريباً إلى ضحكة.
* استخدام الموسيقى كخلفية حيادية: وهذه هي الموسيقى التي لا يفترض بالمرء أن يسمعها. إنها ذلك النوع الذي يساعد على ملء المواضع الفارغة، كفترة توقف أثناء محادثة مثلاً. إنها أكثر ما يكرهه المؤلف في الفيلم، ومع ذلك فهو يشعر برضى خاص عن نفسه بعد نجاحه في تحويل موسيقى ذات قيمة فعلية ضئيلة إلى أخرى مفعمة بالحياة، تعطي للمشهد بعداً إنسانياً. وهذا هو الجزء الأصعب في العمل والذي سينال عليه إعجاب غيره من المؤلفين.
* بناء شعور من الاستمرارية: إن ممنتج الفيلم هو الذي يعرف، أكثر من غيره، مدى أهمية الموسيقى في تجميع المشاهد التي يخشى عليها دائماً من التفكك. فعملية المونتاج تظهر لنا كيف أن تجميع الصور ولصقها ببعض يمكن أن يترك شعوراً بالتفكك إذا لم تدعمه فكرة موسيقية واحدة تجمعه.
* دعم البناء الدرامي للمشهد وتتويجه بمشهد النهاية: إن أول مثل يتبادر إلى الذهن هو الموسيقى التي تتألق في نهاية الفيلم. لقد سبق لبعض المخرجين أن تفاخروا بأن اعتمادهم على الموسيقى كان ضئيلاً، ولكن أياً منهم لم يتجرأ وينهي فيلمه بصمت. لقد اهتموا بالأمور الظاهرة وتناسوا النماذج اللامعدودة للموسيقى التي عبرت أفلامهم بحيادية، مثل موسيقى فرق الشارع البعيدة والرقص في المزارع أو الفرق الجوالة أو السيرك أو المقهى أو ابنة الجيران التي تمارس عزفها على البيانو. كل هذا وكثير غيره قد قدم بطريقة طبيعية لا أهمية لها في الظاهر، ولكنها في الواقع تخدم الفيلم بدقة متناهية.
لنعد الآن إلى مؤلفنا الافتراضي، فبعد أن قرر أين ستبدأ المقاطع الموسيقية وأين ستنتهي، عليه أن يسلم الفيلم إلى منتج الموسيقى الذي يحضر بدوره مخططاً تفصيلياً للدور الذي يتعين على الممثل تأديته، مضافاً إليه التوقيت الدقيق لكل مشهد. وبذلك يتمكن مؤلفنا المتمرس من تأليف موسيقى مناسبة دون العودة إلى رؤية الفيلم مجدداً. يتصور المشاهد العادي أن الجزء الأكثر صعوبة في عملية التأليف للأفلام يكمن في تقييد المؤلف بتوقيت تقاس دقته بأجزاء من الثانية، ويتساءل: ألا يعتبر هذا التقييد مزعجا للمؤلف؟ والجواب هو: لا. وذلك لسببين، أولاً: لأن تأليف الموسيقى المرافقة لعمل معين هو عملية مساعدة لا معيقة. وثانياً: لأن التوقيت غالباً ما يكون قضية ثانوية. إذ أن متابعة المؤلف بمشاعره لتفاصيل المشهد يكون حكماً ضمن الوقت المحدد.
أما بالنسبة للمؤلف الذي لم يعتد بعد على تأليف موسيقى السينما، فإن تغيير نوعية التأليف قد يكون لها مخاطر معينة. فالإبداع اللحني مثلاً، والذي يُقدَّر كثيراً في الموسيقى، بشكل عام، يمكن أن يكون مشوشاً في بعض مشاهد الفيلم. وحتى الخطوط اللحنية الكونترابنتية التي تجتمع في الموسيقى، لتغني الجمل الموسيقية، يمكن أن تشكل فوضى إذا ما أضيفت إلى الحوار. كما أن هناك الكثير من اللونيات في التوزيع الاوركسترالي التي تضيع في غمرة الأحداث على الشاشة وفي وقع أقدام الممثلين. وللتعويض عن هذه الخسارات، فإن للمؤلف إمكانيات أخرى ومنها بعض الخدع. ففي أثناء تأليفي لمشهد من فيلم "الورثة"، كان بإمكاني أن أخلط صوت أوركسترا بأخرى ثم أضيف إليهما وقع الأقدام. برنارد هيرمان وهو أحد أبرع مؤلفي موسيقى الأفلام استعمل في فيلمه "الشارع رقم 57" ثماني مقطوعات مسجلة فوق بعضها. إن جهوداً غير عادية قد بذلت في مجال حركة الأصوات في السينما. فمن الممكن مثلاً، أن تتقاطع موسيقى مع أخرى كما يتقاطع قطاران. ولقد حصلت فرصة تطبيق هذه التقنية في موسيقى السينما في فيلم "الحصان الأحمر الصغير". بعد أن تصبح الموسيقى جاهزة للتسجيل فإن سعادة المؤلف تبدأ لأن تقنيات هوليود التسجيلية عالية جداً ولا نظير لها في العالم. ويحب معظم المؤلفين أن يدعوا أصدقاءهم من أجل الاستماع إلى تسجيل للموسيقى، سوف تتغير قيمته المطلقة بمجرد أن يبدأ مهندسو الصوت بعملية خلط الأصوات كلها، من حوار إلى أصوات واقعية كخطوات الأقدام وفتح الأبواب إلى موسيقى. إن عمل مهندسي الصوت، غالباً، لا يعجب المؤلف الموسيقي. إذ أنهم لا يراعون موسيقاه على حساب غيرها، مما قد يضيع قليلاً من صوت الباص أو الأصوات الداخلية فيها. وفي هذا يقول ايريك كورنجولد: إن عظمة موسيقيي السينما تتناقص بانتقال الشريط من قاعة التسجيل إلى قاعة خلط الأصوات إلى الشريط النهائي. والمطلوب إذا أن يكون مهندس الصوت نصف موسيقي ونصف مهندس صوت. ومن إدراك هذه العوائق عند عملية السبر الشاملة لموسيقى الأفلام، نجد أنه من الطبيعي أن يتأمل المؤلف من استخلاص متتالية موسيقية من موسيقى أفلامه، جديرة بأن تعزف في الحفلات. هناك ميل للاعتقاد بأن موسيقى الأفلام لا تعتبر مادة جيدة لموسيقى خالصة، والسبب يكمن في أن هذه الموسيقى تفشل في إحداث أثر في النفس إذا هي عزفت بعيداً عن مؤثراتها المرئية. بالنسبة لي شخصياً، أنا لا أعتقد بوجود قانون ينطبق على كل الحالات. إذ يجب برأيي، أن يحكم على كل قطعة موسيقية بناءً على ميزاتها الخاصة بها. مما لا شك فيه في أن النسيج القصصي للمادة الفيلمية يمكن أن يكون متماسكاً وطويلاً مما يمكننا من استخلاص موسيقى يمكن، بعد بضع تعديلات، أن تشكل مقطوعة موسيقية مستقلة. كما أنني أعتقد، أنه من النادر أن توجد موسيقى فيلم غير قابلة للتعديل والاستقلال بنفسها. ولهذا فأنا لا أستطيع أن أفهم السبب في كون إدوارد غريغ استطاع أن يعطي مسرح القرن التاسع عشر موسيقى مسرح ممتازة، وتعزف أيضا بشكل مستقل، في حين يفشل موسيقيو القرن العشرين في إعطاء جودة مشابهة للسينما.
إن قاعة العرض هي المكان الذي يستطيع فيه المؤلف أن يسمع للمرة الأولى ثمرة عمله، ويتذوق التأثير الدرامي للقطعة المنفصلة، وينتبه إلى أهمية أو سخافة بعض التفاصيل، ويتمنى لو أنه أدى بعض المقاطع بصورة أفضل، ويندهش من نجاح تأثير مقاطع أخرى. لأنه بعد أن يكون انتهى كل شيء، تبقى العملية الأكثر غموضاً هي عملية إضافة الألحان الموسيقية إلى الفيلم. وإن كانت ردود أفعال رواد السينما لا تقل عنها غموضاً إن الملايين ستستمع إلى موسيقى الفيلم، لكن أحداً لا يعلم كم منهم يصغي فعلاً إلى الموسيقى. في المرة القادمة التي تذهب فيها إلى السينما، احرص على أن تكون في صف المؤلف.
تحياتي