المعهد العالي للموسيقى
01-15-2010, 04:55 PM
نصيـــر شــــمة: المعاهد الموسيقية تبتعد عن تراثنا عندما تُدرّس النمط الأوروبي
http://img215.imageshack.us/img215/4933/daily1437615.jpg (http://www.edunetcafe.com/showthread.php?t=6703)
http://img215.imageshack.us/img215/8942/band2.jpg (http://www.edunetcafe.com/../)
نصيـــر شــــمة: المعاهد الموسيقية تبتعد عن تراثنا عندما تُدرّس النمط الأوروبي
أن تكون حضارياً يعني أن تبرز مخزونك أولاً
أرغب بتغيير أسلوبي في العزف..
وأنا الآن بصدد الإنزواء عن الحياة العامة
مارسيل اختار الكلمة وأنا اخترت المعنى
في اللحظة التي يقف الجمهور لي مصفقاً أبدأ بجلد ذاتي
انقطاع السلاسل في تاريخنا الموسيقي أثّر علينا
في بداية الثمانينيات عندما كانت العروض الغنائية هي السائدة، يتساءل نصير شمة: كيف بإمكان المرء أن يترك علامة أو بصمة مميزة إذا كان كل ما هو إرث موسيقي من مقام عراقي، قدود حلبية، موشحات، طقطوقة هو عبارة عن غناء... من هنا يبدأ نصير شمة بالعمل على محيطه الأول بدءاً بزملائه في معهد الدراسات الموسيقية ليمتد بعد ذلك إلى بغداد، فالمحافظات وشيئاً فشيئاً، يأخذ الأمر منه عشر سنوات من العمل المجاني، وكل ذلك بغية خلق تقاليد تنصبّ في بوتقة تغيير الواقع السماعي للموسيقا.
> لكن في ذلك الوقت نقصد، الثمانينيات، كان هناك منير بشير ولديه مشروعه الموسيقي أيضاً؟!.
>> حتى منير بشير، عندما كان يقيم حفلاته.. كان الحضور فيها لا يتجاوزنا نحن طلاب المعهد الموسيقي الساعين وراء الاستفادة، وبعض سفراء الدول الأوروبية.. لأن بشير لم يكن يتمتع برضا شعبي كونه مسؤولاً في الدولة حينذاك، فالمسرح الوطني الذي يتسع لـ /1280/ شخصاً لم يكن يتواجد فيه أكثر من /162/ شخصاً، وهذا رقم لا يذكر وسط هكذا قاعة.. هذا الأمر كان يشعرني بالحرج، وخاصة وأنا أنظر لهذا الفنان الذي يجلس على المسرح- يقصد منير بشير- ففي الوقت الذي تهتم فيه كافة محطات التلفزة العربية وشركات الإنتاج بالإنتاج الغنائي، في هذا المناخ كيف لذائقة موسيقية أن تُبنى وسط هذا التأثير؟!!.
الآن عندما تتصل أي من جهات الإنتاج بأي موسيقي يكون شرطها الأول ألّا يكون هناك أجر، فمن وجهة نظرها يكفي أنها تنتج له الـ «C.D»!!.
> ألهذا السبب معظم «سيدياتك» تنتج في أوروبا؟!.
>> بالطبع.. فالأوروبيون لديهم تقاليد تجاوزت 400 سنة من السماعي!!.
> ولكن ألا تجد هذا غريباً والأوبرا التي هي إحدى أهم ما يميز الغرب هي في الأصل ذات أصول عربية، أي إحدى اكتشافات زرياب كما يقال، لماذا لم يستطع هذا الواقع أن يؤسس لتقاليد موسيقية عربية؟!.
>> زرياب كان يضع خشبة طولها /4/ سم في فم المغني ويقول له أخرج الصوت من الحجاب الحاجز لا تمرّره عبر الحنجرة.. هذا بدأ بإعطاء الصوت مساحة كبيرة، من هذه اللحظات بدأ تكنيك الأوبرا، التي هي عمر العرب بالأندلس.. فالثقافة التي أسسها زرياب أثّرت على أوروبا، وبغياب بغداد بعد إحراقها على يد هولاكو، ضاعت هذه التقاليد، التي كان قد خرج بها زرياب إلى الأندلس وبقيت في أوروبا.
الأوروبيون أخذوها وطوّروها، وهكذا ظهرت الأوبرا- الأوركسترات، عائلة الوتريات التي خرجت من العود، وصارت الموسيقا والغناء كشقين يسيران بالتوازي مع بعضهما.. فالموسيقا مثلاً أصبحت جزءاً مهمّاً من أي بلاط ملكي أو أميري، وأصبح مهماً أن يكون فيه موسيقي كموتزارت أو فاكنر، أو باخ، أو هاندل.. الخ، كل هؤلاء نشؤوا في قصور وكنائس.. ونحن عندما أتى الدين الإسلامي حرّم هذا الجانب في البداية، ولكن بدأت الأغنية تعود للظهور عن طريق المديح الديني، وهكذا عادت الأغنية لترتبط بالكلام، ولكن قبل ذلك الوقت لم يكن هناك أغنية وكلام يجتمعان في الوقت ذاته، فالشاعر كان يقول شعره، ومن ثم يأتي العازف ليقدم ما لديه.
> إذاً هذا التاريخ من الانقطاع الموسيقي أثّر حتى اليوم في نشوء ذائقة موسيقية وتقاليد، ولكن أين مشروعكم الموسيقي وسط ذلك؟!.
>> بالتأكيد انقطاع السلاسل والحلقات من سلسلة طويلة من تاريخ الموسيقا في منطقتنا أثر علينا لغاية الآن، واليوم نحن بدأنا ببناء الموسيقا وعندما أقول اليوم أقصد العشرين سنة الأخيرة.. وانظروا اليوم كم يبلغ عمر المعاهد الموسيقية في الوطن العربي ستجدون أنها حديثة العهد، لماذا؟! لأن هذه الدول استقلت منذ فترة بسيطة، وهذا الوضع لم يؤسس نسبياً لثقافة كاملة.
> قلت نحن، هل نُحيل هذه الكلمة لتدلّ على عمل أفراد أم مؤسسات؟!.
>> لا .. عمل مؤسسات.. ولكن للأسف هذه المؤسسات مرتبطة كثيراً «بالشهادة»، وهذا لا يعني أنني ناقم أو ناقد لكل شيء، ولكن يجب أن نشخّص الخلل.. فكل المعاهد الموسيقية المهمة في الوطن العربي، والتي تسمى المعهد العالي «الكونسرفاتوار» مرتبطة بشكل أو بآخر بأوروبة.. والمناهج الأوروبية لا تنفعنا «ليست ثوبنا» فهي تدّرس النمط الأوروبي مبتعدة عن تراثنا وثقافتنا.. صحيح أننا نريد لموسيقيينا أن يتذوقوا موسيقا باخ ويعزفوا له، ولكن علينا أيضاً أن نقدّم رموزاً جديدة للموسيقا.. علينا مساعدة الشباب وتعليمهم أن يؤلفوا ما هو مستمد من بيئتهم وتراثهم.. أي نفتح آفاقاً للتأليف تعتمد على فرز المهم ودعمه.. عندئذ فقط ستصبح لدينا قاعدة مهمة من الشباب تتحول لقاعدة عريضة من المؤسسات.. أما الآن فما أراه أن هذه المعاهد تدرّس الطالب لكي يذهب ويكمل دراسته في فرنسا أو ألمانيا، أو انكلترا.. الخ، للأسف نحن كأمة عربية لم نعمل على تأسيس ثقافة موسيقية، والسبب عدم وجود تقاليد موسيقية.
وهكذا عندما أردنا وضع حجر الأساس لهذه الثقافة ماذا فعلنا؟!! جلبنا أوركسترات، فكنا كمن ينقصه شيء ولا بد أن يستورده لكي يظهر كم هو حضاري!! ولكن أن تكون حضارياً يعني أن تبرز مخزونك وإرثك أولاً، وبعدها عندما يصبح لديك رصيد كبير من هذا الإرث عندها لن تخشى من أوركسترا سيمفوني تستوردها!! فنحن عندما نضع لموسيقانا وآلاتنا «التي نراها من مئة عام» معاهد، وأساتذة، ومناهج جيدة، انظروا إلى أين نصل.. وها هي تجربة «بيت العود العربي»، التي بدأت بها منذ عشر سنوات.. إلى أي عالم من الصناعة والعزف والدراسات والعروض الموسيقية وصلت!! وكل هذا نابع من اهتمامي الشخصي وبناء اسمي.. لقد أخذت «دورة» كبيرة حتى أصل إلى قول كلمة يسمعها كل العرب.. فبدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة؟!!.
> تحدثت عن تجربة بيت العود العربي، ماذا عن تجربة بيت العود في سورية، والذي كان من المفترض أن يفتتح منذ سنة، وإلى الآن لم يبصر النور وهذا غريب أليس كذلك؟!.
>> هذا صحيح.. كان من المفترض أن يفتتح منذ سنة، وقد أعلنا عن افتتاحه من مكتب وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا بعد اتفاقنا بهذا الخصوص.. لكن البحث لايزال مستمراً عن بيت دمشقي يصلح لتقديم العروض، كبيت العود في حي الحسين بالقاهرة، والمقام في منزل الهرّاوي الأثري، الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر.. للأسف معظم البيوت الدمشقية القديمة تحولت إلى مطاعم وهذا يعطي انطباعاً عن الحياة كيف تسير!! طبعاً لا أعتقد أن إيجاد بيت بهذه المواصفات، أو شراءه أمر صعب إذا كانت النية موجودة لخلق ثقافة.. وبدل أن نقول لدينا ولدينا لماذا لا نسهم بتقديم عازفين؟!!.
> هل هذا يفسر ما قمت به من تبني طلبة أتوك من مناطق سورية نائية، وليست لديهم القدرة على تحمل نفقات تعلّم آلة العود، ولا حتى نفقات السفر، وما يملكونه هو الشغف الشديد بهذه الآلة!!.
>> هؤلاء كانوا قد أرسلوا لي «إيميلات» عبّروا لي من خلالها عن عشقهم لآلة العود، وعن عدم توافر فرص تعلم العزف في أماكن تواجدهم، بالإضافة لوضعهم المادي السيىء جداً.. كل هذا دفعني لتدريسهم على حسابي الشخصي لمدة سنتين.. والآن ثلاثة منهم يدرّسون في بيت العود.. واليوم عندما أريد تأسيس بيت للعود أرسل بأحدهم للتأسيس، ومن ثم أذهب أنا للقيام بورشة عمل للطلاب هناك.. بهذا الشكل يكون الاستثمار بالإنسان.. وهذا على مدى عشر سنوات من الآن سيخلق جيشاً من العازفين.. وبالتالي سينعكس ذلك على المجتمع ككل، لأن المجتمع الذي يكثر فيه الموسيقيون والمثقفون يقلّ فيه التعصب والتطرّف لأن موسيقياً أو مثقفاً هو كتلة ضوء في محيطه.
إلى الآن لم يخرج
ملمح لمدرسة جديدة!!
> هل تعتبر نفسك صاحب مدرسة بالعود، وما هي مدارس العود المتواجدة حالياً؟!.
>> هناك ثلاث مدارس عزفية واضحة .. المدرسة العراقية لأنها هي التي قدمت العود، من وراء التخت والمطرب إلى مقدمة المسرح.. ومن رموز هذه المدرسة الشريف محيي الدين حيدر، جميل بشير، منير بشير، سلمان شكر وبعدهم أتى معتز صالح، سالم عبد الكريم، علي الإمام، ومن ثم جيلنا نحن طلبة كل هؤلاء.
وهناك أيضاً المدرسة التركية وهذه لها رموزها المتمثلة بـ: جنو جنو، هرامند، منير نور الدين، وأسماء أخرى كثيرة، وهناك جيل مهم جداً من العازفين الشباب.. والمدرسة الثالثة هي المدرسة الشرقية من رموزها: رياض السنباطي، النقشبندي، القصبجي، فريد الأطرش، فريد غصن.. الخ، ونحن الآن بانتظار أن تخرج لنا مدرسة مغاربية مثلاً.. وهكذا ترون أن الدول الأخرى موزعة بين هذه المدارس الثلاث.. وحتى الآن لم يخرج ملمح لمدرسة جديدة، أما المدارس التي تظهر فما هي إلا تواصل للمدارس الثلاث أو متفرعة عنها.. ومن لديه رأي عكس ذلك ليثبته!! ففي المغرب العربي هناك تنوع موسيقي وغنائي كبير، ولكن هذا التنوع لا يشمل العود، وكذلك في باقي الأماكن كأفريقيا والسودان، والتي من المفترض أن يخرج منها مدرسة بالعود، إذ لديهم سلالم خاصة وإيقاعات خاصة، وكذلك في الخليج العربي لديهم ريشة مميزة ومختلفة، ولكن هذا الواقع لم يستطع التأسيس لعازف منفرد مميز.
> كيف تفسر ذلك؟!.
>> أحيله إلى المؤسسات التي لا تريد أو لا تعي أهمية أن يظهر إلى النور عازف معروف!! فالعازف يظهر عندما يكون هناك رعاية.. الأولاد مثلاً لا يدركون إن كانوا موهوبين أم لا، من أجل هذا نظمت مسابقة سنوية في العراق لأفضل عازف عود، والجائزة تكون «عوداً» من الدرجة الأولى، أما العازف الموهوب فآخذه على نفقتي إلى القاهرة لتدريسه هناك في بيت العود.. فمشروعي ينطلق من تبنّي المواهب الحقيقية في آلة العود.. وأذكر طفلاً صغيراً أتى به والده، بعد أن أشقاه ولعه بكرة القدم ولعبه مع الأولاد بالشارع، لكي أعلمه العزف.. لكن منذ بدأت بتعليمه بدا واضحاً حبه الشديد للموسيقا، واليوم هذا الولد، الذي عمره أربع عشرة سنة، هو أصغر أستاذ في آلة العود بالعالم العربي، ولديه طلبة في بيت العود، والوالد بعد أن رأى تميز ابنه وقيام أقنية تلفزيونية عالمية بعمل أفلام عنه جلب لي إخوته لتعليمهم العزف، والآن عندي عازفون مميزون لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة آخذهم في جولاتي العالمية كلّما أتيح لي ذلك.
> ضمن اهتمامك بآلة العود وبتأسيس عازفين حقيقيين لها، هل فكرت بخلق نقّاد يواكبون تجربة هؤلاء العازفين؟!.
>> لقد اقترحت ذلك على معهد الدراسات الموسيقية في العراق، وعلى المرحوم منير بشير لكي يؤسس قسماً للنقد والبحوث الموسيقية.. كنت أعرف أننا نسير دون بوصلة.. هناك الكثير ممن يتحدثون بكلام كبير، وفي عملهم الفني الكثير من النشاز، لكن الناس لا يميزون ذلك!! لذلك نجد مطربين مشهورين شهرة كبيرة أصواتهم نشاز لماذا؟! لأنهم في المدرسة الابتدائية لم يتعلموا ما هي الموسيقا، ولم يعرفوا كيف يميزون سماعياً الصح من الخطأ!! فالإنسان تتربى أذنه منذ الطفولة.. والآن هناك مثقفون كبار لو تشاهدونهم، أذواقهم «تصدم»!!.
وبالحقيقة لا يمكن اعتبار هؤلاء مثقفين بالمعنى الحقيقي للكلمة.. إذ لماذا يتوجّب عليّ كمثقف وموسيقي أن أفهم بالشعر، بالمسرح، باللوحة التشكيلية وهو لا يفهم بالموسيقا، الموضوع لا يتجزأ، المشكلة أننا نهتم بتعليم الأطفال الفيزياء والكيمياء وغيرها من المواد وننسى الموسيقا، لماذا لا نتخذ من تجربة اليابان مثالاً ونعلّم أبناءنا العزف على آلة معينة منذ المرحلة الابتدائية بحيث لا يتخرج الطالب في الجامعة إلا وهو يتقن العزف على هذه الآلة، وأذكر أنني قلت لفرقتي قبل حفلتي في ناكازاكي وهيروشيما أنتم اليوم ستعزفون أمام /1000/ عازف هم عدد جمهور القاعة، وردّ الفعل الذي ستجدونه لن يشبه أي رد فعل لأية حفلة قدمناها سابقاً في أي مكان من العالم!!.
> على ذكر الحفلات العالمية.. فإن هذه يواكبها نقاد متخصصون، برأيك لماذا لم يستطع الواقع العربي أن يفرز نقاداً مماثلين كما استطاع في مجالات أخرى كالشعر، والرواية.. الخ؟!!.
>> لو قامت جريدة معينة مثلاً بالإعلان عن حاجتها لتعيين ناقد موسيقي، واختارت كنتيجة لهذا الإعلان الأفضل من بين المتقدمين.. هكذا سيصبح لديها ناقد في مجال الكلاسيك، وآخر في مجال العزف المنفرد.. و.. الخ، وبالتالي ستقوم بقية الصحف الأخرى بالحذو حذوها.. فيصبح لدينا نقاد متخصصون يدعون للتغطية كل بمجاله، كما هو الحال في الصحف العالمية، بهذه الطريقة تنمو حركة النقد الموسيقي.
وانطلاقاً من تجربتي الشخصية ومنذ عام /1994/ تكتب ناقدة فرنسية مواكبة لتجربتي عن حفلاتي جميعها المقامة في باريس أربعة أسطر تفوق، من وجهة نظري، صفحة كاملة تُكتب عني في أي مكان آخر.
> قدمت مؤخراً تجربة موسيقية مستمدة من أشعار محمود درويش، والمعروف أن لمارسيل خليفة تجربةً طويلةً معه، أين تلتقي تجربتاكما موسيقياً؟!.
>> مارسيل فنان كبير، وصديق عزيز جداً، ونحن على تواصل دائم، ولكن تجربتينا مختلفتان جداً، فهو اختار الكلمة منذ البداية، وأنا اخترت المعنى، والفكر الذي وراء الكلمة.
> لكنه انعطف عن الكلمة كما في «جدل» فيما بعد؟!.
>> هذه مرحلة لاحقة بتجربته في التسعينيات، لكن إلى الآن الناس غير قادرين على التعامل مع مارسيل إلا من خلال ذلك الفنان الذي غنى خبز أمي، وريتا، وقصائد محمود درويش الأخرى.. فهذا لون اختاره خليفة منذ البداية ونجح فيه، ولكن عندما أراد التغيير لخط آخر بعد ثلاثين عاماً من التجربة، كان الوقت قد تأخر من أجل ذلك رغم كون مارسيل مؤلفاً موسيقياً ممتازاً!!.
أما أنا فتجربتي تختلف لأنني اشتغلت على الصوت وعلى كيفية تحويل الصوت إلى صورة.. وتحويل الأنغام إلى فكرة، ومن ثم زرع هذه الفكرة في ذهن المتلقي.. فأنت عندما تعزف عن الحرب يجب أن ترعب المتلقي، أو عندما تعزف عن الحب يجب أن تجعل الناس «حبّيبة من الطراز الأول» وهكذا.. بالكلام هذا الأمر سهل جداً، لكن بالموسيقا فهو صعب!!.
> هذا الكلام يعيدنا إلى مجزرة العامرية.. وكيف تمكنت من تحويل مشهد الموت إلى موسيقا؟!.
>> لأنني وبعد أن نظمت عقلي وموهبتي بهذا الاتجاه استطعت أن أكون مستقبلاً جيداً لخزن الصور، وعندي «ماكينة» خاصة بدواخلي الروحية بإمكانها تحويل الصورة إلى رمز موسيقي، ومن ثم إعادة هذا الرمز على شكل صورة في ذهن المتلقي وبمواصفات أخرى.. هذه المواصفات جعلت الكون كله يتشابه في استقباله لهذه الموسيقا ودون استثناء.. ففي أمريكا كتبت الصحف في مانشيتاتها «العامرية أهم من رسائل طارق عزيز الدبلوماسية».. أي وصلت إلى كلّ مكان، وما كُتب عنها يكاد يكون بمثابة كتاب كبير جداً!!.. فأنتم لا يمكنكم - رسم جميع من ماتوا مثلاً بل ترسمون الفكرة.
> إذا نحن لم نستطع أن نمسك الواقع بل زاوية منه!
>> ليس المطلوب أن نمسك الواقع !!
> هنا نحن أمام حالتين: كلمة ولحن وبما أنك موسيقي ستميل إلى اللحن أكثر من ميلك للكلمة... من هنا نسألك كيف بالإمكان التوفيق ما بين الشغف بالصناعة الموسيقية والقبض على جمالية الكلمة؟!.
>> هذا السؤال يعيدني إلى الفترة التي عملت بها مع أدونيس، أي منذ عام 2000 إلى الآن والتي كانت حصيلتها عروضاً في /13/ دولة في العالم، وبالعودة إلى كيفية شغلي على أدونيس، والذي أخذ مني سنتين من التحضير، كنت كلما أَنتج أدونيس نصاً جديداً، أحصل على نسخة منه وأضيفه إلى الركن الخاص به في مكتبتي، والمتضمن للكثير من أشعاره وفكره ومختاراته الشعرية..
هكذا عكفت على دراسة فكر أدونيس، فأن تلحن كلمات، هذا ليس بالأمر الصعب، لكن أن تُظهر فكر هذا المبدع فهذا شيء آخر يحتاج لوعي آخر وأدوات أخرى.. من هنا عندما طلب مني في عام /2000/ من قبل معهد العالم العربي بباريس، المشاركة في حفل تكريم أدونيس وبناءً على طلب شخصي منه، فكرت كيف أفي هذا المبدع حقه، وقلت لابد لي من سبر غور فكره، وفعلاً بدأت بالعمل على هذا المشروع لأجد أن كل ما قرأته من الجاهلية حتى الآن، ما هو إلا لكي أفهم نص أدونيس بما فيهم طبعاً كتابه «أمس الزمان الآن وأمس المكان الآن» بجزأيه.. هكذا عندما بدأت التأليف وجدت الموضوع بسيطاً جداً لأن فكر أدونيس أصبح جزءاً من فكري، حيث اعتمدت النقاط الأساسية من حياته: المرأة، الوطن، الغربة، الآخر، فلسفته للحياة، وبدأت أعمل على كل هذه النقاط أو المحطات عملاً موسيقياً، وعملاً غنائياً، ولأكتشف لأول مرة أن «أدونيس ممكن أن يلحن بطرب عشرينيات، بطرب حقيقي!!».
لأنه في داخله شرقي حقيقي، يَطْرَبُ لزكريا أحمد ولا يَطْرَبُ لمن هو بعده، على الرغم من كل هذه الحداثة الفكرية!! من هنا عندما أردت أن أقدم أدونيس للناس كنت أريد تقديم قراءة نصير شمة لشعره وفكره وليس ترجمته!!، وهكذا كانت تجربتي مع درويش أيضاً.
> فكر أدونيس برأي بعض النقاد هو فكر متقلب تجاه الأشياء، موسيقياً كيف تعاملت مع هذه النقطة بالتحديد؟!.
>> أن لا يُفْهَم الفكرُ هذه ليست مشكلة المفكر؟!... أولاً ليس هناك اختلاف على قيمة أدونيس ولا على شاعريته، التغيير شيء منطقي ومن لا يتغير هو فقط من لا يملك إحساساً بالمحيط!! السياسة تتغير.. العدو يصبح صديقاً مع الزمن، الاتفاقيات والمواقف تتغير، كل شيء يتغير مع الزمن، والمفكر يرى أبعد من السياسي ومن المجتمع بكثير، وبالتالي تغيره أوتجدد فكره وإضافاته قد لا تكون مفهومة اليوم، لكنها بلا شك ستصبح مفهومة غداً؟!.
من هنا.. فأنا عندما أشتغل على فكر أدونيس، أشتغل على الثوابت لديه مثل حبه للمرأة، خطابه نحو الآخر الذي هو بالنسبة لوجهة نظره ثوابت لكنها متغيرة في معمله الداخلي، خطابه في تغيير الذات، في ضرب القناعات المستبدة فعلاً.. وواحد كأدونيس بإمكانه أن يكتب أشياء جميلة متواصلة، لكنه لا يريد ذلك، هو دائماً (يضرب ويدع الدنيا تتخبط بعده) فيما يذهب هو للبدء في مشروع جديد!!.
وهكذا يفعل معظم المفكرين العالميين، ومع ذلك نتقبل ذلك منهم ولكن ما إن يقوم مفكر عربي بذلك حتى نتهمه مئة اتهام!!.
> عندما تشتغل على النص الصعب هل تفكر بالمتلقي؟!
>> لا.. أبداً.. لأنه لا يمكننا الرهان على القاعدة الجماهيرية العريضة، بل على الذي يوصل فكرنا إلى الآخرين، فانظروا الآن من يمتلك جماهيرية واسعة هم أضعف الناس من حيث الموهبة!!.
> على ذكر الموهبة.. أين تقع مع التقنية بالنسبة للعود؟!
>> لا تنفصلان.. ويضاف إليها العلم والدأب المتواصل.. فمثلاً عندما أتيت إلى معهد الدراسات النغمية، كان هناك خمسون عازفاً بسويات مختلفة، اليوم لم يبق منهم أحد، فالذي ذهب ليعمل مع فرقة، والذي ذهب إلى العمل بالاستديو، والذي اتجه للتلحين... إلخ وهكذا ترون أن من بقي هو أنا، لأنني استمريت بالتمرين على العزف، وهم لم يملكوا هذا الجلد على المواصلة!! فالموهبة العظيمة بدون تمرين يمكن أن تنطفئ أياً كانت قيمتها.
> يقال إن الدراسة الأكاديمية تفقد من لديه الموهبة الروح (الروح في العزف) لصالح التكنيك؟!.
>> هذا صحيح فيما إذا كانت لدينا هذه الدراسة التي تُثقل الطالب وتجعله يفهم القليل في كل شيء، ولكن نحن في بيت العود لا نعمل بهذا المنطق الذي يقتل الإنسان، فمنذ اليوم الأول لدخول الطالب يبدأ بأخذ الدرس الأول في آلة العود، وبعد شهر يبدأ العزف.. إذاً المطلوب أولاً أن يفهم الطالب بآلته، ومن ثم يأتي دور النوطة على يد مدرسين مختصين، وبغضون سنتين ننهي منهاجاً دراسياً يستلزم من المعاهد الأخرى /6/ سنوات لإنهائه، لكن هاتين السنتين مليئتان بالشكل الحقيقي، ولا يوجد فيها أي يوم استراحة!!.
أسلوب جديد عمره /5000/ سنة؟!
> من آشور إلى إشبيلية، إحدى قطعه الموسيقية، التي اعتبرها انعطافة بالتفكير في آلة العود، ولكن بأي معنى؟!
>> يقول شمة:
بمعنى أنه سابقاً كان يُعتقد أن العود هو آلة يضرب عليها بالريشة، وقبل الريشة بمئة سنة كان يوجد المضرب وهو مصنوع من الخشب المصقول وعندما أتى زرياب استبدله بريشة جناح النسر.... والعود بتاريخه سابق للمضرب بـ /3500/ سنة، وقد اكتشفت ذلك من خلال عودتي للمنحوتات الموجودة في المتحف العراقي.
من هنا بدأت بدراسة تاريخ العود لكي أخرج بأسلوب جديد عمره /3000 -5000/ سنة ولكن يوحي بأنه معاصر!!، فكانت مقطوعتي من آشور إلى إشبيلية التي وصلت فيها إلى أن طريقة العزف بالأصابع الخمسة، هي طريقة موجودة منذ ولادة العود، وهذا ما تؤكده المنحوتات السومرية والآشورية الموجودة في المتحف العراقي، والتي تظهر العازفين وهم يعزفون وأيديهم مفتوحة، بينما مشط الست مرسوم بكل أسنانه» ولو كانت الريشة أو المضرب مستخدماً حينها لكانت اليد نُحتت وهي مقفلة، وهذا الكلام أكدته أبحاثي اللاحقة التي بينت أن آلة الغيتار خرجت على يد زرياب في الأندلس، بمعنى أنها من عائلة العود.. والغيتار الزريابي كان شبيهاً بآلة العود في الدوزان وفي كل شيء، وفيما بعد أضيفت له دساتين، وفواصل بالزند، ومن ثم أتى الغجر وطوروه وحولوه إلى آلة أخرى، لكن هو بالأصل يُعزف بالأصابع الخمسة والريشة..
* إلى أي مدى تعتقد أنك ساهمت بإظهار الإمكانية المضمرة لآلة العود؟!
** سعيت في حياتي لإظهار إمكانياتي كعازف وليس إمكانيات العود.. فالعود عبارة عن أداة موسيقية إذا تركت لوحدها لا يمكن أن يخرج منها صوت... المهم كيف تستنطق ثقافتك؟ كيف تعبئ عقلك بالعلم والخبرة والتمرين المتواصل، وتضع كل هذه الأشياء في ذلك الصندوق الجميل، وتخرج أعمالاً جديدة وفكراً جديداً.. فالعود هو.. هو.. منذ «ولادته» حتى الآن مع اختلافات بسيطة في شكله (وجهه من الجلد إلى الخشب، وأوتاره من الأمعاء إلى النايلون) وهذه مراحل طبيعية لتطور الصناعة.. لكن من ناحية الأساليب في العزف فتكاد تكون هي ذاتها.
المهم هو ماذا يستطيع المؤلف أو العازف أن يُخرج من هذه الآلة!!.
> لديك جمهور كبير من المستمعين، ومع ذلك ماتزال شركات الإنتاج في العالم العربي بعيدة عن تبني نتاجك أو نتاج مارسيل، (http://www.edunetcafe.com) أي كل ما له علاقة بالموسيقى الشرقية؟!
>> هذا السؤال في الحقيقة
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com (http://www.edunetcafe.com/../)
نصيـــر شــــمة: المعاهد الموسيقية تبتعد عن تراثنا عندما تُدرّس النمط الأوروبي
http://img215.imageshack.us/img215/4933/daily1437615.jpg (http://www.edunetcafe.com/showthread.php?t=6703)
http://img215.imageshack.us/img215/8942/band2.jpg (http://www.edunetcafe.com/../)
نصيـــر شــــمة: المعاهد الموسيقية تبتعد عن تراثنا عندما تُدرّس النمط الأوروبي
أن تكون حضارياً يعني أن تبرز مخزونك أولاً
أرغب بتغيير أسلوبي في العزف..
وأنا الآن بصدد الإنزواء عن الحياة العامة
مارسيل اختار الكلمة وأنا اخترت المعنى
في اللحظة التي يقف الجمهور لي مصفقاً أبدأ بجلد ذاتي
انقطاع السلاسل في تاريخنا الموسيقي أثّر علينا
في بداية الثمانينيات عندما كانت العروض الغنائية هي السائدة، يتساءل نصير شمة: كيف بإمكان المرء أن يترك علامة أو بصمة مميزة إذا كان كل ما هو إرث موسيقي من مقام عراقي، قدود حلبية، موشحات، طقطوقة هو عبارة عن غناء... من هنا يبدأ نصير شمة بالعمل على محيطه الأول بدءاً بزملائه في معهد الدراسات الموسيقية ليمتد بعد ذلك إلى بغداد، فالمحافظات وشيئاً فشيئاً، يأخذ الأمر منه عشر سنوات من العمل المجاني، وكل ذلك بغية خلق تقاليد تنصبّ في بوتقة تغيير الواقع السماعي للموسيقا.
> لكن في ذلك الوقت نقصد، الثمانينيات، كان هناك منير بشير ولديه مشروعه الموسيقي أيضاً؟!.
>> حتى منير بشير، عندما كان يقيم حفلاته.. كان الحضور فيها لا يتجاوزنا نحن طلاب المعهد الموسيقي الساعين وراء الاستفادة، وبعض سفراء الدول الأوروبية.. لأن بشير لم يكن يتمتع برضا شعبي كونه مسؤولاً في الدولة حينذاك، فالمسرح الوطني الذي يتسع لـ /1280/ شخصاً لم يكن يتواجد فيه أكثر من /162/ شخصاً، وهذا رقم لا يذكر وسط هكذا قاعة.. هذا الأمر كان يشعرني بالحرج، وخاصة وأنا أنظر لهذا الفنان الذي يجلس على المسرح- يقصد منير بشير- ففي الوقت الذي تهتم فيه كافة محطات التلفزة العربية وشركات الإنتاج بالإنتاج الغنائي، في هذا المناخ كيف لذائقة موسيقية أن تُبنى وسط هذا التأثير؟!!.
الآن عندما تتصل أي من جهات الإنتاج بأي موسيقي يكون شرطها الأول ألّا يكون هناك أجر، فمن وجهة نظرها يكفي أنها تنتج له الـ «C.D»!!.
> ألهذا السبب معظم «سيدياتك» تنتج في أوروبا؟!.
>> بالطبع.. فالأوروبيون لديهم تقاليد تجاوزت 400 سنة من السماعي!!.
> ولكن ألا تجد هذا غريباً والأوبرا التي هي إحدى أهم ما يميز الغرب هي في الأصل ذات أصول عربية، أي إحدى اكتشافات زرياب كما يقال، لماذا لم يستطع هذا الواقع أن يؤسس لتقاليد موسيقية عربية؟!.
>> زرياب كان يضع خشبة طولها /4/ سم في فم المغني ويقول له أخرج الصوت من الحجاب الحاجز لا تمرّره عبر الحنجرة.. هذا بدأ بإعطاء الصوت مساحة كبيرة، من هذه اللحظات بدأ تكنيك الأوبرا، التي هي عمر العرب بالأندلس.. فالثقافة التي أسسها زرياب أثّرت على أوروبا، وبغياب بغداد بعد إحراقها على يد هولاكو، ضاعت هذه التقاليد، التي كان قد خرج بها زرياب إلى الأندلس وبقيت في أوروبا.
الأوروبيون أخذوها وطوّروها، وهكذا ظهرت الأوبرا- الأوركسترات، عائلة الوتريات التي خرجت من العود، وصارت الموسيقا والغناء كشقين يسيران بالتوازي مع بعضهما.. فالموسيقا مثلاً أصبحت جزءاً مهمّاً من أي بلاط ملكي أو أميري، وأصبح مهماً أن يكون فيه موسيقي كموتزارت أو فاكنر، أو باخ، أو هاندل.. الخ، كل هؤلاء نشؤوا في قصور وكنائس.. ونحن عندما أتى الدين الإسلامي حرّم هذا الجانب في البداية، ولكن بدأت الأغنية تعود للظهور عن طريق المديح الديني، وهكذا عادت الأغنية لترتبط بالكلام، ولكن قبل ذلك الوقت لم يكن هناك أغنية وكلام يجتمعان في الوقت ذاته، فالشاعر كان يقول شعره، ومن ثم يأتي العازف ليقدم ما لديه.
> إذاً هذا التاريخ من الانقطاع الموسيقي أثّر حتى اليوم في نشوء ذائقة موسيقية وتقاليد، ولكن أين مشروعكم الموسيقي وسط ذلك؟!.
>> بالتأكيد انقطاع السلاسل والحلقات من سلسلة طويلة من تاريخ الموسيقا في منطقتنا أثر علينا لغاية الآن، واليوم نحن بدأنا ببناء الموسيقا وعندما أقول اليوم أقصد العشرين سنة الأخيرة.. وانظروا اليوم كم يبلغ عمر المعاهد الموسيقية في الوطن العربي ستجدون أنها حديثة العهد، لماذا؟! لأن هذه الدول استقلت منذ فترة بسيطة، وهذا الوضع لم يؤسس نسبياً لثقافة كاملة.
> قلت نحن، هل نُحيل هذه الكلمة لتدلّ على عمل أفراد أم مؤسسات؟!.
>> لا .. عمل مؤسسات.. ولكن للأسف هذه المؤسسات مرتبطة كثيراً «بالشهادة»، وهذا لا يعني أنني ناقم أو ناقد لكل شيء، ولكن يجب أن نشخّص الخلل.. فكل المعاهد الموسيقية المهمة في الوطن العربي، والتي تسمى المعهد العالي «الكونسرفاتوار» مرتبطة بشكل أو بآخر بأوروبة.. والمناهج الأوروبية لا تنفعنا «ليست ثوبنا» فهي تدّرس النمط الأوروبي مبتعدة عن تراثنا وثقافتنا.. صحيح أننا نريد لموسيقيينا أن يتذوقوا موسيقا باخ ويعزفوا له، ولكن علينا أيضاً أن نقدّم رموزاً جديدة للموسيقا.. علينا مساعدة الشباب وتعليمهم أن يؤلفوا ما هو مستمد من بيئتهم وتراثهم.. أي نفتح آفاقاً للتأليف تعتمد على فرز المهم ودعمه.. عندئذ فقط ستصبح لدينا قاعدة مهمة من الشباب تتحول لقاعدة عريضة من المؤسسات.. أما الآن فما أراه أن هذه المعاهد تدرّس الطالب لكي يذهب ويكمل دراسته في فرنسا أو ألمانيا، أو انكلترا.. الخ، للأسف نحن كأمة عربية لم نعمل على تأسيس ثقافة موسيقية، والسبب عدم وجود تقاليد موسيقية.
وهكذا عندما أردنا وضع حجر الأساس لهذه الثقافة ماذا فعلنا؟!! جلبنا أوركسترات، فكنا كمن ينقصه شيء ولا بد أن يستورده لكي يظهر كم هو حضاري!! ولكن أن تكون حضارياً يعني أن تبرز مخزونك وإرثك أولاً، وبعدها عندما يصبح لديك رصيد كبير من هذا الإرث عندها لن تخشى من أوركسترا سيمفوني تستوردها!! فنحن عندما نضع لموسيقانا وآلاتنا «التي نراها من مئة عام» معاهد، وأساتذة، ومناهج جيدة، انظروا إلى أين نصل.. وها هي تجربة «بيت العود العربي»، التي بدأت بها منذ عشر سنوات.. إلى أي عالم من الصناعة والعزف والدراسات والعروض الموسيقية وصلت!! وكل هذا نابع من اهتمامي الشخصي وبناء اسمي.. لقد أخذت «دورة» كبيرة حتى أصل إلى قول كلمة يسمعها كل العرب.. فبدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة؟!!.
> تحدثت عن تجربة بيت العود العربي، ماذا عن تجربة بيت العود في سورية، والذي كان من المفترض أن يفتتح منذ سنة، وإلى الآن لم يبصر النور وهذا غريب أليس كذلك؟!.
>> هذا صحيح.. كان من المفترض أن يفتتح منذ سنة، وقد أعلنا عن افتتاحه من مكتب وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا بعد اتفاقنا بهذا الخصوص.. لكن البحث لايزال مستمراً عن بيت دمشقي يصلح لتقديم العروض، كبيت العود في حي الحسين بالقاهرة، والمقام في منزل الهرّاوي الأثري، الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر.. للأسف معظم البيوت الدمشقية القديمة تحولت إلى مطاعم وهذا يعطي انطباعاً عن الحياة كيف تسير!! طبعاً لا أعتقد أن إيجاد بيت بهذه المواصفات، أو شراءه أمر صعب إذا كانت النية موجودة لخلق ثقافة.. وبدل أن نقول لدينا ولدينا لماذا لا نسهم بتقديم عازفين؟!!.
> هل هذا يفسر ما قمت به من تبني طلبة أتوك من مناطق سورية نائية، وليست لديهم القدرة على تحمل نفقات تعلّم آلة العود، ولا حتى نفقات السفر، وما يملكونه هو الشغف الشديد بهذه الآلة!!.
>> هؤلاء كانوا قد أرسلوا لي «إيميلات» عبّروا لي من خلالها عن عشقهم لآلة العود، وعن عدم توافر فرص تعلم العزف في أماكن تواجدهم، بالإضافة لوضعهم المادي السيىء جداً.. كل هذا دفعني لتدريسهم على حسابي الشخصي لمدة سنتين.. والآن ثلاثة منهم يدرّسون في بيت العود.. واليوم عندما أريد تأسيس بيت للعود أرسل بأحدهم للتأسيس، ومن ثم أذهب أنا للقيام بورشة عمل للطلاب هناك.. بهذا الشكل يكون الاستثمار بالإنسان.. وهذا على مدى عشر سنوات من الآن سيخلق جيشاً من العازفين.. وبالتالي سينعكس ذلك على المجتمع ككل، لأن المجتمع الذي يكثر فيه الموسيقيون والمثقفون يقلّ فيه التعصب والتطرّف لأن موسيقياً أو مثقفاً هو كتلة ضوء في محيطه.
إلى الآن لم يخرج
ملمح لمدرسة جديدة!!
> هل تعتبر نفسك صاحب مدرسة بالعود، وما هي مدارس العود المتواجدة حالياً؟!.
>> هناك ثلاث مدارس عزفية واضحة .. المدرسة العراقية لأنها هي التي قدمت العود، من وراء التخت والمطرب إلى مقدمة المسرح.. ومن رموز هذه المدرسة الشريف محيي الدين حيدر، جميل بشير، منير بشير، سلمان شكر وبعدهم أتى معتز صالح، سالم عبد الكريم، علي الإمام، ومن ثم جيلنا نحن طلبة كل هؤلاء.
وهناك أيضاً المدرسة التركية وهذه لها رموزها المتمثلة بـ: جنو جنو، هرامند، منير نور الدين، وأسماء أخرى كثيرة، وهناك جيل مهم جداً من العازفين الشباب.. والمدرسة الثالثة هي المدرسة الشرقية من رموزها: رياض السنباطي، النقشبندي، القصبجي، فريد الأطرش، فريد غصن.. الخ، ونحن الآن بانتظار أن تخرج لنا مدرسة مغاربية مثلاً.. وهكذا ترون أن الدول الأخرى موزعة بين هذه المدارس الثلاث.. وحتى الآن لم يخرج ملمح لمدرسة جديدة، أما المدارس التي تظهر فما هي إلا تواصل للمدارس الثلاث أو متفرعة عنها.. ومن لديه رأي عكس ذلك ليثبته!! ففي المغرب العربي هناك تنوع موسيقي وغنائي كبير، ولكن هذا التنوع لا يشمل العود، وكذلك في باقي الأماكن كأفريقيا والسودان، والتي من المفترض أن يخرج منها مدرسة بالعود، إذ لديهم سلالم خاصة وإيقاعات خاصة، وكذلك في الخليج العربي لديهم ريشة مميزة ومختلفة، ولكن هذا الواقع لم يستطع التأسيس لعازف منفرد مميز.
> كيف تفسر ذلك؟!.
>> أحيله إلى المؤسسات التي لا تريد أو لا تعي أهمية أن يظهر إلى النور عازف معروف!! فالعازف يظهر عندما يكون هناك رعاية.. الأولاد مثلاً لا يدركون إن كانوا موهوبين أم لا، من أجل هذا نظمت مسابقة سنوية في العراق لأفضل عازف عود، والجائزة تكون «عوداً» من الدرجة الأولى، أما العازف الموهوب فآخذه على نفقتي إلى القاهرة لتدريسه هناك في بيت العود.. فمشروعي ينطلق من تبنّي المواهب الحقيقية في آلة العود.. وأذكر طفلاً صغيراً أتى به والده، بعد أن أشقاه ولعه بكرة القدم ولعبه مع الأولاد بالشارع، لكي أعلمه العزف.. لكن منذ بدأت بتعليمه بدا واضحاً حبه الشديد للموسيقا، واليوم هذا الولد، الذي عمره أربع عشرة سنة، هو أصغر أستاذ في آلة العود بالعالم العربي، ولديه طلبة في بيت العود، والوالد بعد أن رأى تميز ابنه وقيام أقنية تلفزيونية عالمية بعمل أفلام عنه جلب لي إخوته لتعليمهم العزف، والآن عندي عازفون مميزون لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة آخذهم في جولاتي العالمية كلّما أتيح لي ذلك.
> ضمن اهتمامك بآلة العود وبتأسيس عازفين حقيقيين لها، هل فكرت بخلق نقّاد يواكبون تجربة هؤلاء العازفين؟!.
>> لقد اقترحت ذلك على معهد الدراسات الموسيقية في العراق، وعلى المرحوم منير بشير لكي يؤسس قسماً للنقد والبحوث الموسيقية.. كنت أعرف أننا نسير دون بوصلة.. هناك الكثير ممن يتحدثون بكلام كبير، وفي عملهم الفني الكثير من النشاز، لكن الناس لا يميزون ذلك!! لذلك نجد مطربين مشهورين شهرة كبيرة أصواتهم نشاز لماذا؟! لأنهم في المدرسة الابتدائية لم يتعلموا ما هي الموسيقا، ولم يعرفوا كيف يميزون سماعياً الصح من الخطأ!! فالإنسان تتربى أذنه منذ الطفولة.. والآن هناك مثقفون كبار لو تشاهدونهم، أذواقهم «تصدم»!!.
وبالحقيقة لا يمكن اعتبار هؤلاء مثقفين بالمعنى الحقيقي للكلمة.. إذ لماذا يتوجّب عليّ كمثقف وموسيقي أن أفهم بالشعر، بالمسرح، باللوحة التشكيلية وهو لا يفهم بالموسيقا، الموضوع لا يتجزأ، المشكلة أننا نهتم بتعليم الأطفال الفيزياء والكيمياء وغيرها من المواد وننسى الموسيقا، لماذا لا نتخذ من تجربة اليابان مثالاً ونعلّم أبناءنا العزف على آلة معينة منذ المرحلة الابتدائية بحيث لا يتخرج الطالب في الجامعة إلا وهو يتقن العزف على هذه الآلة، وأذكر أنني قلت لفرقتي قبل حفلتي في ناكازاكي وهيروشيما أنتم اليوم ستعزفون أمام /1000/ عازف هم عدد جمهور القاعة، وردّ الفعل الذي ستجدونه لن يشبه أي رد فعل لأية حفلة قدمناها سابقاً في أي مكان من العالم!!.
> على ذكر الحفلات العالمية.. فإن هذه يواكبها نقاد متخصصون، برأيك لماذا لم يستطع الواقع العربي أن يفرز نقاداً مماثلين كما استطاع في مجالات أخرى كالشعر، والرواية.. الخ؟!!.
>> لو قامت جريدة معينة مثلاً بالإعلان عن حاجتها لتعيين ناقد موسيقي، واختارت كنتيجة لهذا الإعلان الأفضل من بين المتقدمين.. هكذا سيصبح لديها ناقد في مجال الكلاسيك، وآخر في مجال العزف المنفرد.. و.. الخ، وبالتالي ستقوم بقية الصحف الأخرى بالحذو حذوها.. فيصبح لدينا نقاد متخصصون يدعون للتغطية كل بمجاله، كما هو الحال في الصحف العالمية، بهذه الطريقة تنمو حركة النقد الموسيقي.
وانطلاقاً من تجربتي الشخصية ومنذ عام /1994/ تكتب ناقدة فرنسية مواكبة لتجربتي عن حفلاتي جميعها المقامة في باريس أربعة أسطر تفوق، من وجهة نظري، صفحة كاملة تُكتب عني في أي مكان آخر.
> قدمت مؤخراً تجربة موسيقية مستمدة من أشعار محمود درويش، والمعروف أن لمارسيل خليفة تجربةً طويلةً معه، أين تلتقي تجربتاكما موسيقياً؟!.
>> مارسيل فنان كبير، وصديق عزيز جداً، ونحن على تواصل دائم، ولكن تجربتينا مختلفتان جداً، فهو اختار الكلمة منذ البداية، وأنا اخترت المعنى، والفكر الذي وراء الكلمة.
> لكنه انعطف عن الكلمة كما في «جدل» فيما بعد؟!.
>> هذه مرحلة لاحقة بتجربته في التسعينيات، لكن إلى الآن الناس غير قادرين على التعامل مع مارسيل إلا من خلال ذلك الفنان الذي غنى خبز أمي، وريتا، وقصائد محمود درويش الأخرى.. فهذا لون اختاره خليفة منذ البداية ونجح فيه، ولكن عندما أراد التغيير لخط آخر بعد ثلاثين عاماً من التجربة، كان الوقت قد تأخر من أجل ذلك رغم كون مارسيل مؤلفاً موسيقياً ممتازاً!!.
أما أنا فتجربتي تختلف لأنني اشتغلت على الصوت وعلى كيفية تحويل الصوت إلى صورة.. وتحويل الأنغام إلى فكرة، ومن ثم زرع هذه الفكرة في ذهن المتلقي.. فأنت عندما تعزف عن الحرب يجب أن ترعب المتلقي، أو عندما تعزف عن الحب يجب أن تجعل الناس «حبّيبة من الطراز الأول» وهكذا.. بالكلام هذا الأمر سهل جداً، لكن بالموسيقا فهو صعب!!.
> هذا الكلام يعيدنا إلى مجزرة العامرية.. وكيف تمكنت من تحويل مشهد الموت إلى موسيقا؟!.
>> لأنني وبعد أن نظمت عقلي وموهبتي بهذا الاتجاه استطعت أن أكون مستقبلاً جيداً لخزن الصور، وعندي «ماكينة» خاصة بدواخلي الروحية بإمكانها تحويل الصورة إلى رمز موسيقي، ومن ثم إعادة هذا الرمز على شكل صورة في ذهن المتلقي وبمواصفات أخرى.. هذه المواصفات جعلت الكون كله يتشابه في استقباله لهذه الموسيقا ودون استثناء.. ففي أمريكا كتبت الصحف في مانشيتاتها «العامرية أهم من رسائل طارق عزيز الدبلوماسية».. أي وصلت إلى كلّ مكان، وما كُتب عنها يكاد يكون بمثابة كتاب كبير جداً!!.. فأنتم لا يمكنكم - رسم جميع من ماتوا مثلاً بل ترسمون الفكرة.
> إذا نحن لم نستطع أن نمسك الواقع بل زاوية منه!
>> ليس المطلوب أن نمسك الواقع !!
> هنا نحن أمام حالتين: كلمة ولحن وبما أنك موسيقي ستميل إلى اللحن أكثر من ميلك للكلمة... من هنا نسألك كيف بالإمكان التوفيق ما بين الشغف بالصناعة الموسيقية والقبض على جمالية الكلمة؟!.
>> هذا السؤال يعيدني إلى الفترة التي عملت بها مع أدونيس، أي منذ عام 2000 إلى الآن والتي كانت حصيلتها عروضاً في /13/ دولة في العالم، وبالعودة إلى كيفية شغلي على أدونيس، والذي أخذ مني سنتين من التحضير، كنت كلما أَنتج أدونيس نصاً جديداً، أحصل على نسخة منه وأضيفه إلى الركن الخاص به في مكتبتي، والمتضمن للكثير من أشعاره وفكره ومختاراته الشعرية..
هكذا عكفت على دراسة فكر أدونيس، فأن تلحن كلمات، هذا ليس بالأمر الصعب، لكن أن تُظهر فكر هذا المبدع فهذا شيء آخر يحتاج لوعي آخر وأدوات أخرى.. من هنا عندما طلب مني في عام /2000/ من قبل معهد العالم العربي بباريس، المشاركة في حفل تكريم أدونيس وبناءً على طلب شخصي منه، فكرت كيف أفي هذا المبدع حقه، وقلت لابد لي من سبر غور فكره، وفعلاً بدأت بالعمل على هذا المشروع لأجد أن كل ما قرأته من الجاهلية حتى الآن، ما هو إلا لكي أفهم نص أدونيس بما فيهم طبعاً كتابه «أمس الزمان الآن وأمس المكان الآن» بجزأيه.. هكذا عندما بدأت التأليف وجدت الموضوع بسيطاً جداً لأن فكر أدونيس أصبح جزءاً من فكري، حيث اعتمدت النقاط الأساسية من حياته: المرأة، الوطن، الغربة، الآخر، فلسفته للحياة، وبدأت أعمل على كل هذه النقاط أو المحطات عملاً موسيقياً، وعملاً غنائياً، ولأكتشف لأول مرة أن «أدونيس ممكن أن يلحن بطرب عشرينيات، بطرب حقيقي!!».
لأنه في داخله شرقي حقيقي، يَطْرَبُ لزكريا أحمد ولا يَطْرَبُ لمن هو بعده، على الرغم من كل هذه الحداثة الفكرية!! من هنا عندما أردت أن أقدم أدونيس للناس كنت أريد تقديم قراءة نصير شمة لشعره وفكره وليس ترجمته!!، وهكذا كانت تجربتي مع درويش أيضاً.
> فكر أدونيس برأي بعض النقاد هو فكر متقلب تجاه الأشياء، موسيقياً كيف تعاملت مع هذه النقطة بالتحديد؟!.
>> أن لا يُفْهَم الفكرُ هذه ليست مشكلة المفكر؟!... أولاً ليس هناك اختلاف على قيمة أدونيس ولا على شاعريته، التغيير شيء منطقي ومن لا يتغير هو فقط من لا يملك إحساساً بالمحيط!! السياسة تتغير.. العدو يصبح صديقاً مع الزمن، الاتفاقيات والمواقف تتغير، كل شيء يتغير مع الزمن، والمفكر يرى أبعد من السياسي ومن المجتمع بكثير، وبالتالي تغيره أوتجدد فكره وإضافاته قد لا تكون مفهومة اليوم، لكنها بلا شك ستصبح مفهومة غداً؟!.
من هنا.. فأنا عندما أشتغل على فكر أدونيس، أشتغل على الثوابت لديه مثل حبه للمرأة، خطابه نحو الآخر الذي هو بالنسبة لوجهة نظره ثوابت لكنها متغيرة في معمله الداخلي، خطابه في تغيير الذات، في ضرب القناعات المستبدة فعلاً.. وواحد كأدونيس بإمكانه أن يكتب أشياء جميلة متواصلة، لكنه لا يريد ذلك، هو دائماً (يضرب ويدع الدنيا تتخبط بعده) فيما يذهب هو للبدء في مشروع جديد!!.
وهكذا يفعل معظم المفكرين العالميين، ومع ذلك نتقبل ذلك منهم ولكن ما إن يقوم مفكر عربي بذلك حتى نتهمه مئة اتهام!!.
> عندما تشتغل على النص الصعب هل تفكر بالمتلقي؟!
>> لا.. أبداً.. لأنه لا يمكننا الرهان على القاعدة الجماهيرية العريضة، بل على الذي يوصل فكرنا إلى الآخرين، فانظروا الآن من يمتلك جماهيرية واسعة هم أضعف الناس من حيث الموهبة!!.
> على ذكر الموهبة.. أين تقع مع التقنية بالنسبة للعود؟!
>> لا تنفصلان.. ويضاف إليها العلم والدأب المتواصل.. فمثلاً عندما أتيت إلى معهد الدراسات النغمية، كان هناك خمسون عازفاً بسويات مختلفة، اليوم لم يبق منهم أحد، فالذي ذهب ليعمل مع فرقة، والذي ذهب إلى العمل بالاستديو، والذي اتجه للتلحين... إلخ وهكذا ترون أن من بقي هو أنا، لأنني استمريت بالتمرين على العزف، وهم لم يملكوا هذا الجلد على المواصلة!! فالموهبة العظيمة بدون تمرين يمكن أن تنطفئ أياً كانت قيمتها.
> يقال إن الدراسة الأكاديمية تفقد من لديه الموهبة الروح (الروح في العزف) لصالح التكنيك؟!.
>> هذا صحيح فيما إذا كانت لدينا هذه الدراسة التي تُثقل الطالب وتجعله يفهم القليل في كل شيء، ولكن نحن في بيت العود لا نعمل بهذا المنطق الذي يقتل الإنسان، فمنذ اليوم الأول لدخول الطالب يبدأ بأخذ الدرس الأول في آلة العود، وبعد شهر يبدأ العزف.. إذاً المطلوب أولاً أن يفهم الطالب بآلته، ومن ثم يأتي دور النوطة على يد مدرسين مختصين، وبغضون سنتين ننهي منهاجاً دراسياً يستلزم من المعاهد الأخرى /6/ سنوات لإنهائه، لكن هاتين السنتين مليئتان بالشكل الحقيقي، ولا يوجد فيها أي يوم استراحة!!.
أسلوب جديد عمره /5000/ سنة؟!
> من آشور إلى إشبيلية، إحدى قطعه الموسيقية، التي اعتبرها انعطافة بالتفكير في آلة العود، ولكن بأي معنى؟!
>> يقول شمة:
بمعنى أنه سابقاً كان يُعتقد أن العود هو آلة يضرب عليها بالريشة، وقبل الريشة بمئة سنة كان يوجد المضرب وهو مصنوع من الخشب المصقول وعندما أتى زرياب استبدله بريشة جناح النسر.... والعود بتاريخه سابق للمضرب بـ /3500/ سنة، وقد اكتشفت ذلك من خلال عودتي للمنحوتات الموجودة في المتحف العراقي.
من هنا بدأت بدراسة تاريخ العود لكي أخرج بأسلوب جديد عمره /3000 -5000/ سنة ولكن يوحي بأنه معاصر!!، فكانت مقطوعتي من آشور إلى إشبيلية التي وصلت فيها إلى أن طريقة العزف بالأصابع الخمسة، هي طريقة موجودة منذ ولادة العود، وهذا ما تؤكده المنحوتات السومرية والآشورية الموجودة في المتحف العراقي، والتي تظهر العازفين وهم يعزفون وأيديهم مفتوحة، بينما مشط الست مرسوم بكل أسنانه» ولو كانت الريشة أو المضرب مستخدماً حينها لكانت اليد نُحتت وهي مقفلة، وهذا الكلام أكدته أبحاثي اللاحقة التي بينت أن آلة الغيتار خرجت على يد زرياب في الأندلس، بمعنى أنها من عائلة العود.. والغيتار الزريابي كان شبيهاً بآلة العود في الدوزان وفي كل شيء، وفيما بعد أضيفت له دساتين، وفواصل بالزند، ومن ثم أتى الغجر وطوروه وحولوه إلى آلة أخرى، لكن هو بالأصل يُعزف بالأصابع الخمسة والريشة..
* إلى أي مدى تعتقد أنك ساهمت بإظهار الإمكانية المضمرة لآلة العود؟!
** سعيت في حياتي لإظهار إمكانياتي كعازف وليس إمكانيات العود.. فالعود عبارة عن أداة موسيقية إذا تركت لوحدها لا يمكن أن يخرج منها صوت... المهم كيف تستنطق ثقافتك؟ كيف تعبئ عقلك بالعلم والخبرة والتمرين المتواصل، وتضع كل هذه الأشياء في ذلك الصندوق الجميل، وتخرج أعمالاً جديدة وفكراً جديداً.. فالعود هو.. هو.. منذ «ولادته» حتى الآن مع اختلافات بسيطة في شكله (وجهه من الجلد إلى الخشب، وأوتاره من الأمعاء إلى النايلون) وهذه مراحل طبيعية لتطور الصناعة.. لكن من ناحية الأساليب في العزف فتكاد تكون هي ذاتها.
المهم هو ماذا يستطيع المؤلف أو العازف أن يُخرج من هذه الآلة!!.
> لديك جمهور كبير من المستمعين، ومع ذلك ماتزال شركات الإنتاج في العالم العربي بعيدة عن تبني نتاجك أو نتاج مارسيل، (http://www.edunetcafe.com) أي كل ما له علاقة بالموسيقى الشرقية؟!
>> هذا السؤال في الحقيقة
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com (http://www.edunetcafe.com/../)
نصيـــر شــــمة: المعاهد الموسيقية تبتعد عن تراثنا عندما تُدرّس النمط الأوروبي