كيف يتم تحديد قيمة النقود؟
وهل يمكن أن نصنع منها ما نشاء؟؟؟
هذا ما سيتم الحديث عنه في Edunet Cafe وسيتم إبراز هذه النقاط
ألم تتساءلوا يوما كيف اهتدى الإنسان إلى اختراع هذه الوسيلة العجيبة التي يتعامل بها كل الناس؟ وهل يمكن يتم تحديد قيمتها؟ وهل يمكن لأي دولة أن تصنع منها ما تشاء؟... إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا بد أن تجدوا لها الجواب... ستجدون أنفسكم بعد مرافقتنا في هذه الجولة الصغيرة أكثر ثقة في أنفسكم وأكثرا اعتزازا بمطالعة المواضيع العلمية التي حرص منتداكم على ألا يحرمكم منها فهيوا معنا لاكتشاف ما اجتهدنا في تبسيطه لكم رغم صعوبته...
ظهور الأشكال الأولى من العملة
من السهل أن نضع السؤال ولكن من الصعب جدا أن نجد الجواب المدقق ذلك أن كل المؤرخين يجمعون على أنه يستحيل تحديد زمن ما لظهور العملة فقد كان الأوائل يتبادلون الأشياء المادية بينهم, فالأول يعطي التمر مثلا والثاني يرجع له مقابل ذلك التمر زيتونا أو قمحا أو أي شيء آخر. هذا الشكل من التعامل بين البشر فرادى أو مجموعات أو دول مازال موجودا إلي اليوم ويسمى المقايضة أي تبادل بضاعات فيمكن لدولة ما أن تشتري كميات محدودة من القمح مقابل كميات من البترول. لكن بعد اعتماد طريقة تبادل البضائع اضطر الإنسان إلى استعمال أشياء أخرى لها قيمة معينة مقابل البضاعات المتبادلة فعوض تسلم بضاعة ثانية وجد أجدادنا بعض الأشياء الثمينة مثل بعض الأنواع من الصدف أو المعادن الثمينة كالذهب والفضة وحتى الملح ليسلموها إلى من يعطيهم بضاعة. وبالطبع فإن هذه الأشياء الثمينة يحتفظ بها من يتسلمها لاستعمالها في اقتناء أشياء أخرى من قبل أناس آخرين يعرفون جيدا قيمتها ويسهل عليه بعد ذلك استعمالها لقضاء حاجاته كما يسهل عليه الاحتفاظ بها وادخارها لوقت الحاجة
وجد المؤرخون آثارا قديمة تدل على أن الإنسان استعمل بعض الأشياء كعملة منها مثلا بعض رؤوس الفؤوس التي يبدو أنها صنعت لقطع الأشجار وغيرها إنما صنعت لتكون عملة للتبادل وجدوا ذلك في منطقة بروطاني وترجع إلى آخر العصر البرونزي, كما وجدوا بعض الأصداف والأحجار الكريمة وبعض القبائل في إفريقيا تستعمل إلى اليوم بعض الأصداف كعملة محلية إلا أن أهم شكل من أشكال العملة هو الملح نعم هو الملح البري ( من مقاطع في البر ). والنبلاء الرومان الأوائل كانوا يتقاضون أجورهم كميات معينة من الملح وأن أصل كلمة الملح الرومانية اللاتينية أعطت كلمة الملح بالفرنسية ( sel) ولاشك أنكم استنتجتم من ذلك أن قيمة الملح كانت كبيرة جدا في تلك العصور ويمكن أن نضيف لكم أن القوافل العربية التي كانت تنطلق من بلادنا نحو إفريقيا لجلب بعض البضائع وحتى العبيد كانت تحمل الملح لتلك المناطق كعملة للتبادل.
ظهرت العديد من القطع المختلفة الأنواع والأحجام في مناطق شتى من العالم ولكن سنقتصر على بعضها, فقد كان ظهور العملات المعدنية في الغرب في بلاد الإغريق وآسيا الصغرى في القرن السابع قبل الميلاد وهي قطع معدنية تتألف في أغلبها من خليط من الذهب والفضة ولكن صناعتها برزت بشكل واضح في القرن السادس قبل الميلاد بعد نجاح الصناع في فصل الذهب عن الفضة, وبعدها انتشرت العملة المعدنية في كامل ضفاف المتوسط, وقد تواصل استعمالها من قبل الحضارات المتعاقبة الرومانية وكانت تسمى آسوهي عبارة عن كتل معدنية من البرونز مزينة برسم بقرة.
وفي القرن الثالث قبل الميلاد ظهر في روما أول مصنع أو معمل متكامل للنقود ولهذا المصنع حكاية, ركز هذا المصنع في الكابيتول وهو مكان ضخم للعبادة, وذلك قرب آلهة اسمها جينون هذه الآلة تمكنت بفضل الإوز الموجود حذوها والذي نبه الجميع بصراخه إلى وجود عدو ليلي وهم غزاة من بلاد الغال أتوا ليلا للهجوم على روما, الرومان أصبحوا يصفون هذه الإلهة بالمنبهة أو المحذرة وباللغة الرومانية المنبهة تقال مونيتا { Moneta} ومنه اشتقت كلمة العملة بالغة اللاتينية والفرنسية { Monnaie }.
العملات الحديثة وأولى العملات الورقية
توالى بعد ذلك تطوير العملة حيث قرر شارلماني في فرنسا سنة 781 تعويض العملة الرومانية بعملة جديدة من الفضة, ثم ظهرت عملات أخرى في عديد البقاع من العالم كانت مرتبطة بالدول, فكل دولة تريد بسط نفوذها على العالم تلجأ عادة إلى ضرب نقود جديدة مثلما حصل في كل الحضارات وخاصة منها حضارتنا الإسلامية المعروفة بالدينار والدرهم.
تطور آخر شهدته العملة, وهو ظهورها في شكل ورقي ويقال أن أول ظهور لها كان في الكيباك في كندا سنة 1685 حيث اضطر الحاكم هناك إلى خلاص الموظفين عن طريق توقيع وصولات تعترف بحقهم في النقود التي تأخر مجيؤها من فرنسا بما أن آلاف الأميال تفصل بين فرنسا ومستعمرتها الكيباك آنذاك, وبالطبع تبادل الموظفون هذه الوصولات كعملة, والمؤكد تاريخيا أن حل مشاكل خزينته التي لا تمتلك النقود المعدنية اللازمة إلى تقديم وصولات وذلك لكسب الوقت حتى صنع القطع المعدنية ودامت هذه الطريقة مدة عشر سنوات ( 1715 ) ثم جاء بعد ذلك ميلاد بنك فرنسا ( البنك المركزي ) الذي أصبح مسؤولا عن طبع وإصدار العملات ومنها الورقية كان ذلك يوم 18 جانفي سنة 1800 وبالطبع فإن الحكاية طويلة جدا للوصول إلى تطور العملات إلى اليوم نترك لكم مهمة استكشافها من خلال مطالعتكم..
لا ندري بالضبط كيف كانت تصنع النقود الأولى وأغلب الظن أنها تصنع كل قطعة على حدة بواسطة معدات طرق وتهذيب تطورت عبر الزمن أما من الناحية الصناعية فقد كانت تضرب أو تصنع بواسطة الطرق أي مثلما يتعامل الحداد مع المطرقة والسندان ودامت هذه الطريقة حتى القرن السادس عشر ثم سنة 1550 اخترع الألماني ماركس شواب Marx Shwab تقنية الطرق بالتناوب أو الميزان وهي آلة تتأرجح لضرب النقود قادرة على ضرب الميداليات وكانت تنتج 30 قطعة في الدقيقة ثم جاء عصر المحركات البخارية حيث استعمل لأول مرة الإنجليزي ماتيوس بولتون Mathews Boulton سنة 1971 طريقة الضرب بالضغط أي الضغط مباشرة على المعدن لطبع وقطع القطعة النقدية وتمكن سنة 1830 المهندس الألماني دياتريش أو هلهورن من اختراع آلة ضغط سريعة تستطيع القيام ب800 ضربة في الدقيقة, والسرعة أمر مهم جدا في إنتاج النقود. وقد تطورت التقنيات بعد ذلك بقي أن نشير إلى أن بعض القطع النقدية كانت تحمل بعض العلامات السرية حتى لا يتسنى صناعة مثيلات لها مزورة وذلك ما سيتضح أكثر من طبع العملات الورقية.
تقنيات طبع الأوراق النقدية
أما بالنسبة إلى الأوراق النقدية فإنها بدأت بورق عادي تحمل كل ورقة توقيعا أو التواقيع المصدرين لها, ثم تطورت بعد ذلك تبعا لتطور تقنية الطباعة مع حرص المصدرين على اختيار الورق المناسب من حيث جودته وقوته ومقاومته للتبادل بين أيدي المستعملين, وكان استعمال أول صورة مخفية أي داخل الورقة النقدية ( حتى لا تزور ) سنة 1862 وكان استعمال أول الصور المحفورة سنة 1842 وسنة 1848 تم حفر التواقيع إلى أن ظهرت الأوراق النقدية التي تحمل بعض الألوان سنة 1873 وختمت باستعمال الألوان الكاملة سنة 1906, وطبعا كان ذلك متزامنا مع وضع عدة خصائص في الورقة حتى لا يتم تزويرها.
كيف يتم تحديد قيمة العملة؟
هذا هو السؤال الأهم الذي نود ألا نحرمكم من الإجابة عنه ولو بصفة وجيزة, إذ لا يمكن دولة أن تطبع أو تصنع ما تشاء من الأوراق النقدية أو القطع النقدية المعدنية وذلك لسبب بسيط هو أن العملة يجب أن تكون لها قيمة محددة. هذه القيمة تحددها العديد من الأشياء. ولفهم ذلك يمكن أن يمكن ؟أن نضرب مثلا بسيطا بين شخصين فقط يتفقان على استعمال عملة بينهما, الأول سيعطي الثاني كيلوغراما من اللحم والثاني سيتبادل ذلك مع الأول ب10كيلوغرامات من القمح وهما قد حددا القيمة ( 1كغ لحم = 10 كغ من القمح ) واتفقا دائما على سبيل المثال على أن تكون العملة بينهما الدينار الذي يساوي نفس قيمة كمية اللحم والقمح, بحيث عندما يسلم الأول للثاني 10كغ لحما يعطيه مقابلها 10 دنانير وهو ما يساوي 100كغ من القمح. وفي مثالنا إذا كان له 100كغ من اللحم يمكن له أن يشتري 1000كغ من القمح أي أن له قيمة معروفة لا يتطرق إليهما الشك وهي ( 10د× 100كغ ) أي 1000 دينار أما إذا لم يكن له إلا 50كغ من اللحم وأصدر أوراقا نقدية ب1000 دينار وهي قيمة 100 كغ من اللحم فإن ذلك يعني أن الأوراق النقدية التي أصدرها تفوق ما لديه من قيمة حقيقية مرتين أي أن ديناره لا يساوي إلا نصف الدينار المتفق عليه مع صاحب القمح بحيث يجب عليه تسليم دينارين حتى تصل القيمة إلى ما اتفق عليه مع صاحب القمح بالطبع المسألة معقدة لكن المهم أن العملة يحب أن تمثل القيمة التي توجد القيمة التي توجد لدى من يصدرها سواء كان فردا أو مجموعة أو دولة أي يجب أن يلقى من يتسلم هذه العملة ما يقابلها عند من يصدرها سواء من ذهب أو بترول أو مواد فلاحية أو حتى من خدمات, وإذا لم يجد ما يقابلها تتقلص قيمة العملة, وبقدر ما تتطور البلدان وتحقق نسب نمو مرتفعة وبقدر ما يكون لها مهارات وخبرات بقدر ما يكون لعملتها قيمة ثابتة ومتطورة, معنى ذلك أنه لا يمكن لدولة أن تصنع وتطبع ما تشاء من النقود لأن ذلك مرتبط بما تملكه هذه الدولة من مقابل.
