مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي


بحوث عامة في القانون التونسي

مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي

إشراق شبيل - أستاذة القانون بالمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان



وبغض النظر عن الاختلاف القائم بين النظام التونسي والنظام الفرنسي في مستوى التطور الذي شهده مثال
التهيئة العمرانية فإنه من السهل الوقوف على التقارب بينهما من حيث المضمون إذ آانت أمثلة أشغال الأرض
في فرنسا ومنذ البداية وثائق محلية تغطي في غالب الأحيان حدود البلدية وتضبط القواعد العامة والارتفاقات
المتعلقة باستعمال الأراضي والتي قد تتضمن بعضها منعا للبناء في المنطقة المعنية بالمثال. وهي أيضا وثيقة
أساسية للتعمير ولتخطيط التعمير البلدي أو حتى التعمير الذي يشمل بلديات عدة في آن واحد، وفي الأصل تعمد
لتنفيذ (carte communale) البلديات الصغرى في القانون الفرنسي إلى إعداد ما يسمى بالخرائط البلدية
خيارات التهيئة الخاصة بها غير أنه ونظرا لما تعانيه بعضها من ضغط عقاري وتحسبا لمقتضيات الرهانات
العمرانية تلجأ هذه البلديات إلى استخدام المثال المحلي للتعمير والذي ضبطت أهم أحكامه بمقتضى الفصل
123 وما يليه من مجلة التعمير لتكون هذه الوثيقة بمثابة أداة قانون عام للتعمير حيث يؤآد الفقه على أهميتها
العملية وما تترجمه من سيادة على تراب البلدية وهي أهمية لا ننكر مداها آذلك بالنسبة للقانون التونسي
باعتبار أن أمثلة التهيئة العمرانية هي الوسيلة العملية لاستعمال الأراضي عبر مختلف عمليات التعمير والتهيئة
والتقسيم والبناء فهي أآثر دقة وتحديد من الأمثلة التوجيهية على أساس أنها تتجاوز مجرد ضبط التوجهات
والاختيارات لتكون وسيلة تدخل عملي وأداة لتحديد إحكام التصرف في الأراضي وتكتسي صبغة ترتيبية مع
وتحديد مختلف القواعد واستعمال الأرض فهي إذن « Le principe de zonage » إقرار مبدأ التنطيق
وثائق تجسم بامتياز ما يعرف بالتعمير التنظيمي آما أشارت إلى ذلك الأستاذة آمال عويج مراد
وتمثل تقنية تدخل قصد إشغال وتخصيص واستعمال الفضاء (L’urbanisme de réglementation)
العمراني، ويتطابق مجال تطبيقها مع الدوائر البلدية لذلك وفي غالب الأحيان يتم تكييفها من قبل الفقه على أنها
تعبير عن شكل من أشكال السيادة تتمتع بها البلدية آجماعة عمومية محلية تباشرها بنفسها وتخولها التصرف
الحر على ترابها. وهي من حيث المضمون تحتوي على جملة من القواعد المتنوعة والشاملة، وهو ما يفسر
4
عمل السلط منذ القديم على إعداد أمثلة حاولت تغطية جل المناطق البلدية وتواصل هذا التطبيق بعد سنة 1979
ليصبح عدد البلديات المغطاة بأمثلة تهيئة عمرانية 223 من جملة 257 بلدية وتواصل بذل مجهودات آبيرة
. في هذا المجال أسفرت عن إصدار مصالح الدولة ل 240 مثال حتى سنة 1993
والجدير بالذآر أن أهمية مثال التهيئة العمرانية لم يعكسه فقط التطور الحاصل في مستوى الإجراءات المتعلقة
به أو النظام القانوني الخاص به آكل وإنما أيضا في الحرص على تجسيم هذا التطور وجعله واقعا مستمرا من
خلال مراجعة الأمثلة الواقع إعدادها وذلك مواآبة للتطورات بأشكالها سواء آانت اقتصادية أو اجتماعية أو
غيرها من جهة، ومراجعة أمثلة التهيئة العمرانية ل 120 بلدية وسحب عملية التخطيط العمراني على مناطق
غير بلدية من جهة أخرى ، وهوما يجعل هذا الصنف من الأمثلة المرجع الأول والمنتظم للتهيئة البلدية لتتأآد
نجاعتها على المستوى المحلي باعتبار أنها تمثل الأساس الذي يقع الاعتماد عليه عند اتخاذ القرارات المتعلقة
بالترخيص في التقسيم والبناء حيث يتعين تحديد تخصيص المناطق حسب الاستعمال الرئيسي أو حسب طبيعة
النشاطات السائدة وآذلك ضبط آثافة البناء وتخطيط الطرقات وتحديد مواقع التجهيزات.
و تبعا لذلك وبناء على ما سبق بيانه يجدر طرح التساؤل التالي:
ما هي خصوصية النظام القانوني لمثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي ؟
إن استقراء مختلف الأحكام القانونية المنظمة لأمثلة التهيئة العمرانية في المجلة يؤدي بنا إلى الإقرار بتميز هذا
الصنف من الوثائق منذ اللحظة الأولى التي تتجه فيها النية إلى إعداده باعتبار أنه قد تم ضبط إجراءات متنوعة
في هذا المستوى تعكس تعدد مراحل هذا الإعداد والمصادقة (الجزء 1) آما أريد صراحة لمثال التهيئة
العمرانية سمة التنوع من حيث الآثار القانونية المترتبة عنه (الجزء 2) والتي بدورها ترمي إلى تمييز الإطار
البشري المشرف على عملية الإنجاز.
تعدد مراحل إعداد مثال التهيئة العمرانية والمصادقة عليه: – I
يخضع إعداد مثال التهيئة العمرانية والمصادقة عليه إلى مجموعة من الإجراءات والقواعد التي جاءت لتضبط
تدخلا لأطراف عدة في هذا المستوى إذ لم يقع اختزال هذه العملية في مرحلة واحدة فقط وإنها أقرت مجلة
1994 مبدأ توسيع قائمة المتدخلين المعنيين بعملية التهيئة (الفقرة 1) لكن مع الحرص على عدم المساس بدور
.( المرآز بالنسبة لبعض القرارات الحاسمة أي الحفاظ على دور الهياآل المرآزية (الفقرة 2
الفقرة الأولى: توسيع قائمة المتدخلين المعنيين بعملية التهيئة:
5
تأسيسا لمنطق التعدد والاختلاف وخاصة سياسة توزيع الأدوار عملت مجلة التهيئة الترابية والتعمير على
تدعيم مبدأ اللامرآزية ( 1) في مستوى إعداد مثال التهيئة العمرانية، هذا بالإضافة إلى تكريس فكرة التعمير
.( بالتشاور ( 2
1) تدعيم مبدأ اللامرآزية:
بالرجوع إلى الفصل 14 وما يليه من المجلة نجد أن مثال التهيئة العمرانية يمر بثلاث مراحل أساسية يمكن
تلخيصها في ما يلي : مرحلة تحديد المناطق التي تقتضي إعداد أو مراجعة مثالها، مرحلة الإعداد وأخيرا
مرحلة المصادقة،وبتأملها جميعها يلاحظ الوعي بأهمية تدخل الجماعات العمومية المحلية في عملية التخطيط
العمراني وهو وعي نتج عنه منح هذه الجماعات حق الاقتراح (أ) مع تحميلها مسؤولية آبرى عند الشروع في
عملية الإعداد (ب).
أ- حق الاقتراح :
مكن المشرع التونسي وبمقتضى الفصل 14 من المجلة الجماعات العمومية المحلية من إمكانية تقديم اقتراح
في إعداد مثال تهيئة عمرانية أو مراجعته سواء آانت هذه المراجعة آلية أو جزئية وبالتالي فكل بلدية أو ولاية
ترى ضرورة في ضبط قواعد وارتفاقات استعمال الأراضي بها وتحديد العناصر الضرورية لذلك، تتمتع بحق
الدعوة لاتخاذ ما يلزم في هذا المجال وذلك بعد أخذ رأي المصالح الجهوية ورأي آل من الوزارة المكلفة
بالفلاحة والوزارة المكلفة بالبيئة .
غير أنه وبمقتضى الفقرة 2 من نفس الفصل يتعين على الجماعة المحلية المعنية بالمثال والتي قامت بتقديم
الاقتراح أن تتولى تقديم تقرير "في مبررات الإعداد أو المراجعة..." بعبارة أخرى بيان الأسباب التي أدت بها
إلى هذا الاختيار وهو شرط يعمل من خلاله على تمكين الوزارة المختصة من الوقوف على المعطيات المتعلقة
بالمنطقة وخاصة التعرف على مقتضيات التهيئة العمرانية بها.
فإن آانت المبادرة بالنسبة للجماعة العمومية اختياريةوليس هناك ما يفيد الصبغة الإلزامية لإعداد المثال
فالتقرير في المقابل يبرز آإجراء إجباري يصاحب الاقتراح المتعلق بطلب تحديد المنطقة المعنية.
و في هذا السياق نشير إلى أن التشريع الفرنسي بدوره لا يتضمن هذا الإلزام بالنسبة للمبادرة بإعداد المثال أو
مراجعته حيث تبقي البلدية صاحبة القرار طبقا لقانون 1983 لكن تم ربط تدخلها وصلاحياتها في مجال
رخص البناء وبالتحديد تسليمها بوجود مثال تهيئة عمرانية مصادق عليه.
6
و يبدو هذا التقارب أو التشابه بين النظامين واقعا مبررا حسب الأستاذ صالح بوسطعة الذي يعتبره موقفا
مؤسسا من المشرع التونسي يمكن استكشاف مضمونه من خلال مقتضيات الفصل 27 من المجلة والذي أقر
تطبيق تراتيب عامة للتعمير في المناطق التي لا يشملها مثال تهيئة عمراني .ويتم بعد اتخاذ قرار التحديد تعليق
هذا الأخير بمقر الولاية أو بمقر البلدية المعنية حسب الحال. آما أنه لا يقع الاآتفاء بعملية التعليق وإنما يضاف
إليها إجراء آخر يتمثل في الإعلان عن القرار عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة وذلك ضمانا
لعلم جميع المعنيين به واطلاعهم عليه،وفي هذا المستوى نشير إلى أن الفصل 14 قديم في فقرته 2 قد آان
يشترط تعليق قرار تحديد المنطقة المعنية بالمثال بمقر الولاية ولا يجيز هذه العملية بمقر البلدية إلا عند
الاقتضاء، لكن يبدو أنه قد تم التخلي عن هذا الاختيار بهدف توسيع مجال النشر بمقتضى قانون عدد 71 لسنة
2005 المنقح لمجلة 1994 والصادر بتاريخ 4 أوت 2005 .ويبقى الحرص على الإعلان عن مشروع مثال
التهيئة المزمع إعداده أو مراجعته مظهرا آخر من المظاهر التي تؤآد التقارب المشار إليه سابقا بين القانون
التونسي والقانون الفرنسي باعتبار أنه في فرنسا وبعد اتخاذ قرار في تحديد المنطقة التي سوف تخضع لمثال
التهيئة أو مراجعته وذلك من قبل السلط المختصة بالبلدية مثلا يقع إعلام الوالي به إلى جانب مجموعة من
المصالح والسلط آرئيس المجلس العام، رئيس المجلس الجهوي أو آذلك رئيس غرفة التجارة والصناعة
وغيرهم من المتدخلين في مجالات عدة ذات صلة وثيقة بالتهيئة الترابية والتعمير وبعد تأمين هذه العملية ينشر
قرار التحديد الذي يتخذه المجلس البلدي حسب الأحكام الجاري بها العمل.
و مهما يكن من أمر فإن هذا التمشي سواء تعلق الأمر بنظامنا أو بغيره من الأنظمة، يعكس بلا شك التغيير
الحاصل في سياسة الدولة التي وإلى جانب الاعتراف للجماعات العمومية المحلية يحق الاقتراح. قامت بتشريك
هذه الجماعات في الإنجاز الفعلي لمثال التهيئة العمرانية عبر تحميلها مسؤولية آبرى في الإعداد.
ب - مسؤولية الإعداد:
وفقا للفصل 16 من مجلة التهيئة: "تتولى الجماعة العمومية المحلية المعنية، بالاشتراك مع المصالح المختصة
ترابيا التابعة للوزارة المكلفة بالتعمير، إعداد مشاريع أمثلة التهيئة العمرانية ومراجعتها..." فتمت إذا لا مرآزة
الإعداد آتجديد ذو قيمة جوهرية بعد أن آان العكس هو المعمول به في الوضع السابق،وبدوره جاء القانون
الفرنسي المؤرخ في 7 جانفي 1983 ليسحب الاختصاص من المصالح المرآزية التابعة للدولة والتي قامت
بإعداد والمصادقة على ما آان يعرف قبل ذلك التاريخ بأمثلة إشغال الأرض فتم نقل المسؤولية في هذا المجال
لمصالح وأعضاء البلديات الذين يتعين عليهم إتباع الإجراءات القانونية اللازمة المنصوص عليها.
و عمليا يعني إعداد مشروع مثال التهيئة العمرانية قيام المختصين أو الخبراء التابعين للجماعة العمومية سواء
آانت بلدية أو ولاية بالشروع في الإعداد المادي للمشروع بمكوناته المشترطة قانونا، غير أنهوفي الكثير من
7
الأحيان عادة ما تلجأ البلدية أو الولاية إلى مكتب دراسات خاص تستعين به نظرا لتوفره على الإمكانيات
وخاصة الكفاءات الفنية والبشرية الضرورية لمثل هذه العملية وقد نص الفصل 13 من المجلة على أن الوثائق
المكونة لمثال التهيئة تضبط بقرار من الوزير المكلف بالتعمير لا بأمر آما آان سابقا في المجلة العمرانية لسنة
. 1979 في فصلها 17
و لقد صدر فعلا قرار عن وزير التجهيز والإسكان بتاريخ 3 أآتوبر 1995 ضبط مختلف الوثائق التي يتعين
توفيرها وبتأمل أحكام هذا القرار يمكن الإقرار بمحاولة جدية لتجميع عناصر آفيلة ببسط وضمان إنجاز أهداف
التهيئة العمرانية بالمنطقة والجزم في آن واحد بإلزامية توفير الوثائق المطلوبة مجتمعة إذ لا يمكن الحديث عن
وجود مشروع مثال تهيئة عمرانية في غياب إحدى هذه الوثائق وبالتالي عندما تتولى بلدية ما إعداد مشروع




يتبع

منتدى القانون والقضاء
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com