المحامي والأخلاق في القانون التونسي


المحامي والأخلاق في القانون التونسي والقانون الانجليزي

المحامي والأخلاق في القانون التونسي والقانون الامريكي

المحامي والأخلاق في القانون التونسي والقانون الأنقلو-أمريكي



بقلم الأستاذة ندى الرياحي

ب- العمل بإخلاص وضمير وأمانة:

إن للمحامي إلتزام أخلاقي تجاه موكله بالعمل بإخلاص وضمير وأمانة ومراعاة مصالحه والسعي جديا لتحقيق أهدافه وهذا الالتزام الأخلاقي يختلف عن الواجبات المحمولة على المحامي في إتقان مهنته والتمكن من الملكات التقنية والصناعية التي تجعله كفأ لتمثيل منوّبه. فالالتزام الأخلاقي يتمثل في العمل بإخلاص وتقديم النصح للحريف دون استغلال جهله للقانون وكذلك في الإيمان بأن الهدف الأسمى هو أن يكمل عمله ويقوم بواجبه بغض النظر عن النتيجة. كما يجب على المحامي الأمانة والإخلاص لحريفه والالتزام بالسعي لتحقيق أهدافه وهذه القاعدة الأخلاقية مشتركة بين المحامي التونسي والأمريكي. وقد تمّ صياغة هذه القاعدة السلوكية بصورة غير مباشرة في القانون التونسي الذي نصّ في فصله الخامس الذي يضمّ القسم على الشرف والأمانة. كما تمّ في القانون الأمريكي التنصيص على هذا الالتزام الأخلاقي في الفصل (A) 101-7 من Code of Professional conduct والذي ينصّ على أن المحامي "لا يجب أن يتعمّد الإخفاق في تحقيق الأهداف القانونية لحريفه أو الإضرار به خلال العلاقة المهنية التي تجمع بينهما". « A lawyer shall not … fail to seek the lawful objectives of his client through reasonably available means or prejudice or damage his client during the course of the professional relationship ». فالمحامي في أي مكان من العالم يمكن أن يخفق في تحقيق نتيجة لصالح منوبه لكن الأخلاق تفرض عليه أن لا يتعمّد ذلك وأن يتمسك بمبادئ الإخلاص والأمانة والضمير في القيام بمهامه.

كذلك من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي أن لا ينوب المصالح المتضاربة:

ج) عدم نيابة المصالح المتضاربة: شركات المحامين كمثال

إن الالتزام الأخلاقي للمحامي تجاه منوبه يفرض عليه أن لا ينوب طرفي النزاع في وقت واحد أو أن يقدّم المساعدة لخصم منوبه بأي شكل من الأشكال. وقد تمّ تعريف نيابة المصالح المشتركة في القانون التونسي والأمريكي بصيغ متشابهة وإن كان القانون الأمريكي وسّع في دائرة التعريف بالمصالح المتضاربة Conflict of interest.

في تونس تمّ تعريف المصالح المتضاربة ضمن الفصل 31 من قانون سنة 89 للمحاماة الذي نصّ على أن: "لا يجوز للمحامي أداء الشهادة في نزاع أنيب أو أستشير فيه ويجب عليه أن يمتنع عن أداء أية مساعدة ولو من قبيل الاستشارة لخصم موكله في نفس النزاع أو في نزاع مرتبط به إذا كان قد أبدى فيه رأيا لخصمه أو سبقت نيابته فيه ثمّ تخلى عنها. كما لا يجوز للمحامي النيابة على من تتعارض مصالحهم في قضية واحدة". وكذلك ضمن الفصل 28 الذي يتعلق بالشركات المهنية للمحامين والذي ينصّ على أنه "يمنع على المحامي، الشركاء أو المتعاطين، لنشاطهم بمكتب مشترك نيابة أطراف تتعارض مصالحهم في قضية واحدة". فالمشرّع التونسي قد واكب التطوّر الذي أصبحت عليه مهنة المحاماة في تونس والتي أصبحت تمارس ضمن شركات مهنية تجمع عددا كبيرا من المحامين والمستشارين القانونيين وفرض عليهم عدم نيابة المصالح المتعارضة حتى ولو تعلق الأمر بنيابة كل محام لطرف فقط. ذلك أن تواجد محامين تجمعهم مصالح مشتركة ضمن شركة واحدة قد يضرّ بمصالح المنوّبين – الخصوم في القضية ويمسّ من شفافية المحامي تجاه منوّبه وقد يتأثر بوجود زميل له في نفس المكتب فيكون عمله في غير صالح منوّبه. ولكن هذه القاعدة القانونية هي قاعدة أخلاقية بالأساس ذلك أن اهتمام المحامي وتفكيره يجب أن ينصبّ على مساعدة منوّبه وليس على تحصيل الأموال والثراء ولأن تعدّد المحامين في الشركة الواحدة قد يفتح المجال أمام إنابة المصالح المشتركة بدعوى أن كل محام له ملفات ومكتب خاص به قام المشرّع بالتأكيد ضمن فصل خاص على أن الواجب الأخلاقي المحمول على المحامي الذي يعمل بمفرده هو ذاته المحمول على المحامي الذي يعمل ضمن شركة. فالمحامي عليه التزام النزاهة والأمانة والشرف للذود عن مصالح منوّبه ولا يمكن له أن يثري على حسابهم.

وقد فرض القانون الأمريكي نفس المعايير الأخلاقية في نيابة الموكلين ذلك أنه عرّف نيابة المصالح المتضاربة بكونها "أي تعارض بين مصلحة الحريف ومصلحة المحامي من نفسه أو أي حريف ثان للمحام أو حريف سابق أو شخص ثالث". « A conflict of interest is involved if there is a substantial risk that the lawyer’s representation of the client would be materially and adversely affected by the lawyer’s own interests or by the lawyer’s own interests or by lawyer’s duties to another current client, a former client, or a third person ».

والملاحظ أن المشرّع الأمريكي قد وسع في تعريف المصالح المتضاربة حيث أخذ بعين الاعتبار مصلحة المحامي الشخصية، مصلحة الحريف وحتى مصلحة حريف سابق للمحامي وذلك لمنع هذا الأخير من استغلال ما لديه من معلومات ضدّ من وكله في الماضي أو أي شخص ثالث ونفس هذا الالتزام الأخلاقي محمول، كما في القانون التونسي، على المحامين العاملين ضمن شركة محاماة. من ذلك أن المحكمة العليا لولاية ماساشوستس قد اعتبرت أنه "لا يمكن لشركة محاماة تنوب الحريف أ، أن تقبل إنابة مشتكي بنفس هذا الحريف أ في قضية أخرى، إلا بعد قبول الطرفين لذلك". « A law firm that represents client A in the defence of an action may not, at the same time, be consel for a plaintiff in an action brought against a client A, at least without the consent of both parties » . بالإضافة إلى الالتزام بعدم نيابة المصالح المتضاربة فهنالك واجب أخلاقي يحمل على المحامي وهو عدم الشطط في تحديد الأجور.

د- عدم الشطط في تحديد الأجور والالتزام بتسليم الأموال لأصحابها

إن الأجر الذي يتقاضاه المحامي عن الخدمات القانونية التي يقدّمها هي حق مكفول له قانونيا وشرعيا غير أن الواجب الأخلاقي للمحامي يحتم عليه عدم الإثراء على حساب المتقاضين وتقدير أتعابه بكل موضوعية، ذلك أن المحامي في تقديره لأتعابه عليه أن يراعي الحالة المادية لموكله، فالمحامي مهمته أن يجلب الحقوق لأصحابها لا أن يتقاسمها معهم. وقد نصّ القانون التونسي وكذلك القانون الأمريكي على وجوب مراعاة ظروف المتقاضي.

من ذلك أن الفصل 38 من قانون المحاماة لسنة 89 نصّ أنه: "للمحامي المنتدب حق مطالبة منوّبه بأتعاب المحاماة إذا زالت عنه حالة العسر". وفي ذلك دليل على أنه من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي أن يتعامل بإنسانية مع الموكل وأن ينتظر انفراج أزمته المادية حتى يطالب بأجره فهل يجوز أخلاقيا أن يقع مطالبة امرأة ليس لها مورد رزق بأجر المحاماة، ولم يصدر لها حكم النفقة بعد وغير ذلك من الحالات الاجتماعية التي تعترض المحامي في مهنته. فالتعاطف مع المنوّب وتفهّم ظروفه المادية مساهمة منه في التضامن مع مجتمعه.

أما في الولايات المتحدة فإنه رغم طغيان المادة على المعاملات في ظل الفردانية التي تمزق المجتمع الأمريكي فإن القانون المنظم للمحاماة قد نصّ على وجوب "أن أجور المحامي يجب أن تكون معقولة" وذلك ضمن الفصل (a) 1.5 من Model Rule « A lawyers fees shall be reasonable ». ولكن الجدير بالذكر أن "معقولية الأجور" لم يقع تحديدها أو تفسيرها بدقة ضمن القانون الأمريكي مما جعل العديد من المحامين يشطون في تحديد أجورهم دون أن يقع مسائلتهم.

إلى جانب ذلك فإن المحامي التونسي ليس له أن يطلب نسبة من الأموال التي تحصل عليها لفائدة منوّبه، وهنا يكمن الاختلاف الجوهري بين القانون التونسي والقانون الأمريكي ومن هنا نتبيّن مجدّدا أن الأخلاق هي وليدة مجتمعها. فقد نصّ الفصل 41 من قانون المحاماة لسنة 89 أنه: "لا يجوز تخصيص المحامي مباشرة أو بواسطة أو بأي عنوان كان بنسبة معيّنة مما سيصدر به الحكم لفائدة منوّبه ويبطل كل اتفاق مخالف لذلك بطلانا مطلقا". وهذه القاعدة القانونية هي نتاج للالتزام الأخلاقي الذي يحمل على المحامي بعدم الشطط في تحديد أجره. ذلك أن المحامي له الحق في الحصول على أجر وليس أخذ نصيب من حقوق منوّبه. أما في الولايات المتحدة فإن القانون أجاز أن يتحصّل المحامي على نسبة من الأرباح من ذلك قانون نيوجرزي New Jersey الذي أباح للمحامي الحصول على النسب التالية: 33 % بالنسبة لأول 500.000 دولار يقع الحصول عليها من القضية. 30 % بالنسبة لثاني 500.000 دولار يقع الحصول عليها من القضية. 25 % بالنسبة لثالث 500.000 دولار يقع الحصول عليها من القضية. 20 % بالنسبة لرابع 500.000 دولار يقع الحصول عليها من القضية. ولعل ارتفاع التعويضات والمبالغ المالية المتداولة في القضاء الأمريكي وكذلك ارتفاع المصاريف القضائية قد شجعت المحامين على المطالبة بأجور نعتبرها مشطة وخيالية ويعتبرونها معقولة وأخلاقية. وقد أجاز المشرّع الأمريكي الحصول على نسبة من الأرباح على أساس أن هذه المبالغ والتعويضات قد شارك المحامي بفاعلية في الحصول عليها وأنه لولاه لضاع الحق من صاحبه لذلك يجوز له أخلاقيا الحصول على نسبة منه. كما انه من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي إرجاع الأموال إلى أصحابها وعند تنفيذ الأحكام وعدم تأخيرها عنهم أو استغلالها ولو مؤقتا لحسابه الخاص.

العنوان الثاني: آليات مراقبة أخلاق المحامي:

إن السلوك الانساني بصفة عامة بحاجة إلى آليات رقابة عديدة حتى يضمن المجتمع أن لا يحيد الأفراد عن أصول المعاملات فيه وحتى يحقق الأمن والسلم الاجتماعي. فالعقوبات التي تأتي بها المجلات الجنائية هي خير رادع للناس لتجنب اقتراف الجرائم والمسؤولية المدنية التي يحمّلها القانون لبعض المهنيين أو المواطنين تكبح جماحهم عن ارتكاب الأخطاء. لكن القيم الأخلاقية إذا لم تكن مقننة ضمن قواعد قانونية فإن الرادع الوحيد الذي يمنع الناس من انتهاكها هو الضمير فقط. والضمير هو آلية رقابة داخلية وذاتية لا يكفي في أغلب الأحيان لمنع الناس حتى ولو انتموا إلى صفوة المجتمع مسلما هو الحال بالنسبة للمحامين، من انتهاك الفضيلة والتعدي على الأخلاق أو أخلاقيات المهنة. لهذه الأسباب ستقع دراسة آليات الرقابة الخارجية والذاتية، حيث الهياكل المهنية (1) والسلط القضائية من جهة والضمير من جهة ثانية (2).

المبحث الأول: الهياكل المهنية والسلط القضائية

إن القانون قد كفل حماية الأخلاق من مختلف التجاوزات التي يمكن أن تخترقه بأن أعطى للهياكل المهنية للمحاماة والقضاء السلط الكافية لردع المخالفين.

الفقرة الأولى: الهياكل المهنية:

تمارس الهياكل المهنية للمحاماة وعلى رأسها الهيئة الوطنية للمحامين نفوذا مطلقا على المحامين إذا خالفوا قانون المحاماة لسنة 89 أو الأعراف المهنية وهي في ذلك سلطة رقابة وسلطة ردع.

1- سلطة رقابة:

إن الهياكل المهنية للمحاماة في تونس والولايات المتحدة لها سلطة رقابة على مجموع المحامين المنتمين إليها. فقد نصّ الفصل 62 من مجلة المحاماة على انه: يختصّ مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بما يلي: (3) ممارسة السلطة التأديبية والعفو المنصوص عليها بالفصل 69 وما بعده من هذا القانون. ونفس الأمر ينطبق في القانون الأمريكي والذي يخوّل فيه لـ American Bar Association على المستوى الفدرالي أو لـ American State Association على مستوى الولايات الأمريكية مؤاخذة المحامون على ما يصدر عنهم من أفعال تخلّ بشرف المهنة.

وهذه السلطة التأديبية التي تتمتع بها الهياكل المهنية للمحامين في تونس والولايات المتحدة لا تشمل فقط الأخطاء المهنية أو الصناعية وإنما تشمل أيضا الأخطاء الأخلاقية التي يمكن أن يرتكبها المحامي من ذلك أن الفصل 64 من قانون المحاماة لسنة 89 قد نصّ على أنه: "يؤاخذ تأديبيا المحامي الذي يخل بواجبه أو يرتكب ما ينال من شرف المهنة أو يحط منها بسبب سلوكه فيها أو سيرته خارجها". كما ينصّ الفصل 62 من نفس القانون في فقرته الأخيرة على انه "تتولى الهياكل المذكورة – كل في حدود اختصاصه – إجراء المراقبة لصيانة مبادئ الاستقامة والاعتدال ومراعاة واجبات الزمالة التي تقوم عليها مهنة المحاماة وشرفها ومصلحتها". وبالاستناد إلى هذه الفصول يتبين لنا أن الهياكل المهنية لها سلطة واسعة ليس فقط في مراقبة مدى احترام المحامي للأخلاق وإنها أيضا في التكيف القانوني لأفعال المحامي. ذلك أن العبارات التي أتت بها الفصول القانونية هي عبارات عامّة وتحتمل تأويلات عدّة مما يجعل للهياكل المهنية سلطة تقديرية واسعة في اعتبار الفعل أخلاقي أولا. ولعل هذا الأمر كان متعمدا أولا: لأن الأخلاق متجدّدة ودائمة التغيّر وثانيا لأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال حصر الأفعال الأخلاقية ضمن قائمة حصرية.

وقد عمد القانون الأمريكي في نفس السياق إلى استعمال عبارات فضفاضة حيث حذر المحامين الأمريكيين ضمن الفصل 9 من Code of Professional responsibility من "تجنب أي مظهر من المظاهر المخلة بشرف المهنة". « A lawyer shall avoid even the appearance of professional impropriety ».

وقد حث القانون الأمريكي أيضا في الفصل (a) 8.3 من Model Rule على أن "كل محام يحصل له علم بتصرّف غير لائق لمحام آخر وكان هذا التصرّف يمس بصفة جوهرية بالشرف أو الأمانة أو اللياقة، أن يعلم الهياكل المهنية المختصّة". « A lawyer having knowledge of misconduct by another lawyer that raises a substantial question as to that lawyer’s honesty, trust worthiness or fitness as a lawyer in other respects, shall inform the appropriate professional authority ».

وبذلك تكون النصوص القانونية قد أعطت الهياكل المهنية كل السلطات الناجعة للقيام بعمليات الرقابة حتى تحمي مهنة المحاماة من بعض الممارسات التي قد تسيء إليها.

والهياكل المهنية ليس لها سلطة رقابة فقط بل إن لها أيضا سلطة ردع:

2) سلطة الردع:

إن للهياكل المهنية في كل بلدان العالم سلطة اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المحامين الذين تقاعسوا عن أداء واجبهم. وسواء تعلق الأمر بالمحامين في تونس أو الولايات المتحدة فإن هنالك سلم عقوبات محدّد يقع الاعتماد عليه للعقاب. ففي تونس نص الفصل 64 من قانون المهنة أن العقوبات ممكن أن تتمثل في: الإنذار – التوبيخ – الشطب من قسم التعقيب إلى قسم الاستئناف – الإيقاف المؤقت عن ممارسة المهنة لمدّة لا تتجاوز العامين – التشطيب على الاسم من الجدول لمدّة لا تتجاوز ثلاثة أعوام – محو الاسم من الجدول بصفة نهائية.

وهذه العقوبات المهنية يقع تطبيقها بصفة تتناسب مع حجم الخطأ الذي ارتكبه المحامي. من ذلك أن هيئة المحامين التونسيين قد عاقبت بعض المحامين بالإيقاف المؤقت عن العمل إثر التجائهم لأسلوب غير أخلاقي في مزاولتهم للمهنة وهو السمسرة أو جلب الحرفاء عن طريق وسيط بمقابل. وتعتبر هذه الممارسة مشروعة في الولايات المتحدة حيث أن هنالك شركات أو أشخاص يديرون أعمال أصحاب الأموال والأعمال ويختارون لهم الشركات المهنية للمحامين التي تناسب احتياجاتهم ويكون ذلك بمقابل مادي يقبضه من هذا الطرف أو ذلك حسب الاتفاق.

كما تنزل الهيئة الوطنية للمحامين العقاب بالمحامي الذي يفتح أكثر من مكتب في الجمهورية التونسية في حين أن هذه الممارسة هي مشروعة في الولايات المتحدة بل إن بعض الشركات الكبرى تفتح فروعا لها في كل ولاية وفي كل مدينة.

و من العقوبات التي يمكن ان تسلطها American BAR Association أن تجبر محامي على التخلي عن نيابته في قضية إذا ثبت أن خصمه في القضية لا يعدو أن يكون موكل سابق له في قضية أخرى. ففي الولايات المتحدة يعتبر أن المحامي الذي سبق له أن دافع عن مصالح شخص ما لا يسمح له بالوقوف ضدّه في قضية أخرى إلا إذا وافق طرفا القضية الجديدة على ذلك وبدون موافقتهما يعدّ ذلك ممارسة غير أخلاقية لأن المحامي سيستعمل حتما ضدّ خصمه (الذي كان في وقت سابق منوبه) المعلومات السرية التي أطلعه عليها. وبالتالي فإن الهياكل المهنية التونسية أو الأمريكية لها سلطة تقديرية على مستوى الرقابة والردع إذا أخل المحامي بواجباته الأخلاقية تجاه موكله أو مهنته أو زملائه. لكن هذه الرقابة المهنية ليست وحدها المتكفلة بردع المخالفات الأخلاقية فهنالك أيضا رقابة قانونية وقضائية يمكن لها أن تحرس المحاماة.

الفقرة الثانية: السلطة القضائية:

إن القضاء هو عادة الفضاء الذي يمارس فيه المحامون مهامّهم ولكنه قد يتحوّل بقوّة القانون إلى سلطة إدانة فيستوي بذلك المحامي – بفعله ويد القانون – مع عامّة الناس قد تتأسس الإدانة على أساس المسؤولية المدنية أو الجزائية.

1) المسؤولية المدنية للمحامي

إن بعض التجاوزات الأخلاقية للمحامي في علاقته بمنوّبه قد يترتب عنها المسؤولية المدنية للمحامي فما هو أساس هذه المسؤولية المدنية ؟ (1) وما هي آثارها ؟

ا- أساس المسؤولية المدنية للمحامي:

إن المسؤولية المدنية للمحامي هي بالأساس مسؤولية تعاقدية باعتبار أن العلاقة بين المحامي ومنوّبه في أصلها اتفاق شفاهي أو كتابي، وهذا الأمر هو سيان في تونس أو في الولايات المتحدة الأمريكية. فالمحامي في تونس عليه واجب الالتزام بالسعي وبذل ما في وسعه لخدمة مصالح موكله فأي إخلال مادي أو أخلاقي ينشأ عنه مسؤولية تعاقدية. من ذلك أن المحامي الذي ينوب المصالح المتضاربة يعرّض نفسه للمسؤولية المدنية تجاه منوّبه الذي حصلت له خسارة جراء عدم مراعاة المحامي للأخلاق المهنية في القيام بعمله. ذلك أنه إذا توفرت أركان المسؤولية العقدية من خطأ وضرر وعلاقة سببية فإن المحامي يصبح مسؤولا أمام حريفه ومدينا له بالتعويض. وفي القانون الأمريكي:" فإن العلاقة بين المحامي وحريفه هي أيضا علاقة تعاقدية تنشأ ويبدأ مفعولها إذا أبدى شخص رغبته في إنابة المحامي ووافق هذا الأخير على ذلك أو لم يبدي اعتراضا صريحا على رفضه إنابة هذا الشخص أو تمّ تعيين المحامي من قبل المحكمة لإسداء خدماته القانونية" وذلك حسب الفصل 26 من The restatement of the law governing lawyers "A relationship of client and lawyer arises when: 1- A person manifests to a lawyer the person’s intent that the lawyer provide legal services for the person: and either: a) The lawyer manifest to the person consent to do so: or b) The lawyer fails to manifest lack of consent to do so, and the lawyers knows or reasonably should know that the person reasonably relies on the lawyer to provide the services; or 2- The tribunal with power to do so appoints the lawyer to provide the services."

وتنشأ المسؤولية التعاقدية باعتبار أن المحامي يجمعه بالحريف عقد وكالة وهذا الأساس هو نقطة إلتقاء أخرى بين القانون التونسي والأمريكي حيث نصّ الفصل 1131 م أ ع "على الوكيل القيام بما وكل عليه بغاية الاعتناء والتثبت وهو مسؤول بالخسارة الناشئة لموكله عن تقصيره كما لو خالف وكالته اختيارا أو خالفت الإرشادات الخصوصية الصادرة له من موكله أو فرّط فيها أعتيد". وقد أكد المشرّع الامريكي أيضا على أن العلاقة بين المحامي وحريفه هي علاقة وكالة Agency بما فيه من واجب الحذر Diligence وتحقيق المنفعة fiduciary duty. من ذلك أن المحكمة العليا لولاية بنسيلفانيا قد أكدت في أحد قراراتها أنه "في بعض الأحيان هنالك تضارب في المصالح وإخفاق في تحقيق المنفعة لشركة محاماة تنوب نفس الخصوم...". « Under some circumstances it was a conflict of interest and breach if fiduciary duty for a law form to represent competitors » .

كذلك فإن المحامي الأمريكي قد يتحمّل المسؤولية المدنية إذا أخل بواجب أخلاقي هام هو الشرف إزاء المهنة وذلك في حالة قام بمجاراة حريفه في دعوى الهدف منها التحرّش بشخص ما أو الإضرار به". فالمحامي يجب عليه أن لا يرفع قضية أو يقوم بالدفاع في قضية إلا إذا كان هنالك سبب غير تعسفي" وذلك ضمن الفصل 3.1 من Model rule of professional « A lawyer shall not bring or defend a proceeding, or assert or controvert an issue therein, unless there is basis for doing so that is not frivolous, which includes a good faith… ». وقد اعتبر هذا الفصل "أن الدعوى تكون تعسفية إذا كان الهدف الأول منها هو التحرّش بشخص ما أو الإضرار بصورة خبيثة بالشخص". « The action is frivolous, however, if the client desires to have the action taken primarily for the purpose of hoarding or maliciously injuring a person ».

والملاحظ هنا أن القانون التونسي لا يؤاخذ المحامين الذين يرفعون القضايا في حق منوبيهم مهما بلغت درجة التعسّف فيها فالقانون الأمريكي يعتبر أكثر صرامة ويحمل المحامي واجبات أخلاقية تنجر عنها مسؤولية مدنية في حال الإخلال بها. ويترتب عن المسؤولية المدنية أثار قانونية يتمثل في التعويض.

ب- أثار المسؤولية المدنية للمحامي: يترتب عن المسؤولية المدنية حسب النصوص التي أوردتها مجلة الالتزامات والعقود التعويض المادي عن الأضرار التي تسبب فيها القائم بالفعل الضار ونجد نفس هذا المبدأ القانوني في الولايات المتحدة التي عادة ما يكون فيها مبالغ التعويض ذات قيمة خيالية نظير الضرر المادي والمعنوي للحريف الذي أخطأ المحامي في حقه. وهنا يجب الإشارة إلى ان المحامي في الولايات المتحدة مجبر على القيام بتأمين مسؤوليته المدنية وقيمة التأمين ترتفع مع كل مرّة يخطئ فيها المحامي حتى تتجاوز الملايين من الدولارات والمعروف أنه إذا قامت شركة تأمين بتغطية التعويض المادي لثلاث مرات متتالية تقوم بفسخ العقد ويصبح بعدها من المستحيل على المحامي (أو أي شخص) العثور على شركة تأمين أخرى مما قد يجعله نظريا ينسحب من مهنة المحاماة إذا لم يجد من يقبل بتأمين مسؤوليته المدنية. ولذلك فإن شركات التأمين تنظم إلى المحامي في صورة القيام ضدّه بقضية في إطار واجبها في الدفاع Duty to defend. أما في تونس فإنه ليس هنالك نص قانوني يجبر المحامي على تأمين مسؤوليته المدنية مما يجبره على دفع التعويض بنفسه وتحمل المسؤولية بمفرده إزاء ما قد يقترفه من أخطاء. هذا وقد نصّ القانون عدد 65 لسنة 1998 المؤرخ في 20 جويلية 1998 صلب الفصل 29 على أنه "يجب على الشركة المهنية للمحامين أن تبرم عقد تأمين يغطي مسؤوليتها المدنية والمهنية التابعة عن نشاطها وعليها أن تودع نسخة من ذلك العقد وكذلك ما يفيد خلاص التأمين سنويا لدى الهيئة الوطنية للمحامين وبكتابة المحكمة الابتدائية التي تمّ بهما إيداع العقد التأسيسي". ويعدّ هذا النص القانوني تطوّرا في نظرة المشرّع باعتبار أن التأمين هو حماية وضمانة للمتقاضين إذا قام المحامي بارتكاب أخطاء مهنية ونظرا لأن كل البلدان المتطوّرة قد فرضت على المهنيين تأمين مسؤوليتهم المدنية والمهنية وفي ذلك دليل على الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذه العقود. ولكن عدم الالتزام الأخلاقي للمحامي قد يجعله ليس فقط تحت طائلة المسؤولية المدنية بل وأيضا المسؤولية الجزائية.

2) المسؤولية الجزائية للمحامي:

إن بعض القواعد الأخلاقية قد أسبغ عليها المشرّع قوّة إلزامية قصوى مما جعل المحامي الذي يقوم بخرقها عرضة للتتبعات الجزائية بالإضافة إلى العقوبات المهنية والمسؤولية المدنية. ومن بين هذه القواعد الأخلاقية والتي هي قواعد قانونية في ذات الوقت نجد كمثال أوّل: إفشاء السرّ المهني وهو مثال مشترك بين القانون التونسي والأمريكي والسمسرة في تونس (2) وكذلك التطرّف في التضامن مع الحريف في الولايات المتحدة (3):

1) مثال أوّل: إفشاء السرّ المهني

إن الحفاظ على السرّ المهني كما لاحظنا في الجزء الأول من هذه المحاضرة هو من أوكد الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي ولكن إفشاء أسرار الحريف يتعدّى حدود الأخلاق ليصبح جريمة يعاقب عليها القانون في تونس والولايات المتحدة.

ذلك أن الفصل 254 من المجلة الجنائية قد نصّ على أن "الأطباء والجراحين وغيرهم من ضباط الصحة وكذلك الصيدليين والقوابل وغيرهم من الأشخاص المؤتمنين للأسرار التي تودع عندهم نظرا لحالتهم أو حرفتهم الذين يفشون هاته الأسرار في غير الصّورة أوجب عليهم القانون أو أرخص لهم فيها القيام بالوشاية يعاقبون بالسجن مدّة ستة أشهر وبخطية...". فهنا يصبح إفشاء السرّ المهني هو جريمة يعاقب عليها القانون بستة أشهر سجنا مع ما يعنيه ذاك من فقدان المحامي لكرامته وحقوقه المدنية".

فالواجب الأخلاقي تصبح له قوّة نافذة تتجاوز حدود آلية الردع الآلية ويصبح معها المحامي مهدّدا بانتهاك حرّيته الجسدية. هذا مع التأكيد على أن واجب الحفاظ على السرّ المهني يفقد كل قيمته في الصّور التي نصّ عليها القانون كما أشار إلى ذلك هذا الفصل وهذه المسؤولية الجزائية هي نفسها المحمولة على المحامي الأمريكي. من ذلك أنه في قرار يدعى Sheppard V Maxwell تتلخّص وقائعه في أن الدكتور رسام شيبرد Sam Sheppard قام بقتل زوجته الحامل وقد تحولت هذه القضية إلى قضية رأي عام بالنظر إلى ثراء المتهم واتجهت أنظار الصحافة إلى قاعة المحكمة والأحداث فيها وحصل ضغط إعلامي كبير جعل القاضي يحكم بالإدانة رغم براءة الطبيب الزوج المتهم وقد نقضت المحكمة العليا قرار محكمة البداية وأدانت القاضي نفسه لأنه لم يستطع تطبيق القانون إزاء الهجمة الصحفية التي تعرّض لها المتهم، كما لم يمكن المطلوب من محاكمة عادلة ولكن الأهم من كل ذلك أنه وقع إدانة محامي الطرفين بجريمة إفشاء الأسرار المهنية للصحافة. وللتدليل على ما أحدثه قرار المحكمة العليا من إدانة للقضاء والمحامين والشهود وعناصر من الشرطة هو تحوّل هذه القضية إلى فيلم شهير عالميا هو "الهارب" The fugitive ظلّ شاهدا على الظلم الذي قد يتعرّض له المتقاضي في صورة لم يلتزم المحامي بالواجب الأخلاقي المحمول عليه في عدم إفشاء السرّ المهني.

ب) مثال ثان: جلب الحرفاء تحيّلا في تونس

إن التوسط في جلب الحرفاء هو من الممارسات اللا أخلاقية التي يعاقب عليها القانون. إن الواجب الأخلاقي للمحامي يوجب عليه الشرف في التعامل مع مهنته والترفع عمّا يسيء إلى صورته أمام المجتمع، فاستجلاب الحرفاء بطرق غير شرعية يعدّ من الممارسات التي يجب أن يتنزّه عن اقترافها سيد الدفاع ولسان الحق. وهذه الممارسة اللا أخلاقية لها تبعات قانونية خطيرة توجب مساءلة المحامي قانونيا وعقابه جزائيا إذا ثبتت مسؤوليته. لكن قبل الخوض في كل ذلك ما هو تعريفها تحديدا ؟

لقد عرّفها الأمر المؤرّخ في 12 مارس 1948 المتعلق بزجر جلب الحرفاء تحيّلا في فصله الأوّل بكونها: "استجلاب الحرفاء تحيّلا لفائدة أشخاص متعاطين لصناعة حرّة يعتبر جريمة". وقد جاء هذا النصّ القانوني عاما ينطبق على جميع أصحاب المهن الحرّة بها في ذلك المحامي.

ومن القرائن التي تدل على عدم تسامح القانون مع هذه الممارسة هو أن الفصل الثاني من هذا الأمر قد جرّم هذا الفعل حتى وإن لم يثبت بأن هؤلاء الوسطاء قد قبضوا أجرا عن ذلك. والمسؤولية الجزائية للمحامي عن إخلاله بشرف مهنته وعدم مراعاته للأصول الأخلاقية التي تحكم مهنته قد تؤدي به إلى العقاب البدني ذلك أن الفصل 3 من هذا الأمر ينصّ على أن: "جميع الأنفار الذين يثبت عليهم ارتكاب هذه الجنحة يعاقبون بالسجن من 3 أشهر إلى عام وخطية من 3 آلاف فرنك إلى 12 ألف فرنك والعقوبات نفسها تنطبق على الشركاء في المخالفة".

والمحامي يعتبر شريكا إذا تعامل مع "من يشتغلون اعتيادا بالبحث عن الحرفاء ليعرفوهم بكل شخص مباشر لصناعة حرّة مرتبة بقانون" وفي هذا دليل على أن بغض الحياد عن الأخلاق قد ينجرّ عنه أكثر من تأنيب الضمير. والجدير بالذكر أنه في الولايات المتحدة لا يعتبر جلب الحرفاء مخالفا للقانون إذا كان في إطار القوانين المعمول بها، ذلك أنه لكل شخص وكيل أعمال أو شركة تنظم عملية وتقوم بتنصيع صورة الشخص وجلب الأسواق أو المعاملات له مقابل عمولة قد تصل إلى 25 % من القيمة الجملية للعرض وذلك ينطبق في كل المجالات والمهن الحرّة.

ولكن هنالك أساس أخلاقي لهذه العلاقات وهي المنافسة الشريفة والنزيهة ولكن أيضا وبالنسبة للمحامين اعتماد شبكة علاقات بعيدة عن المأمورين العموميين، الشرطة والقضاة.

المثال الثالث: التطرّف في مساندة الحريف في الولايات المتحدة

إن من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي التعاطف مع منوّبه ومساندته والإيمان بنفس أهدافه وبذل المجهودات اللازمة بكل نشاط وحزم ذلك أن الفصل 7 من The Code of Professional Responsibility يحرّض "المحامي على تمثيل حريفه بكل حماس وذلك في إطار القانون". « A lawyer should represent a client zealously within the bounds of the law ».

كما ينصّ الفصل 1.3 من Model rule of Professional على أن "المحامي يجب أن يتصرّف بحرص وإيمان في مصالح حريفه كما عليه أن يمارس المحاماة بحماسة لصالحه". « A lawyer should act with commitment and dedication to the interests of the client and with zeal in advocacy upon the client’s behalf ».

ولكن الحماسة لا يجب أن تذهب بعيدا بالمحامي الذي قد يعرّض نفسه لجريمة "الإفراط في الحماس" extreme over zealousness إذا قام بمساندة حريفه إلى درجة تحريضه على تظليل العدالة أو تدمير مستندات تدينه وتغيّر مجريات القضية أو ممارسة العنف اللفظي ضد الشهود وتتراوح العقوبات بين المطالبة بالتعويض، التنحي عن القضية ولكن أيضا السجن كما حدث في العديد من القضايا . مثل Ferraro Koncalass تحت عدد 467 صادرة عن محكمة نيو يورك. فالمحامي الأمريكي قد يكون محل مساءلة قانونية يتحمّل إثرها عقوبات بالسجن إذا ثبتت مسؤوليته الجزائية. فالاعتصام بالأخلاق هو الحل الوحيد الذي يحمي شرف المحامي في كل مكان من العالم. ولأن البعض منهم قد لا يرتدعون تلقائيا فإن العقوبات المدنية والجزائية قد تكون هي الفيصل. لكن هل أن هذه الآليات المهنية والقانونية ناجعة بشكل كامل ؟ الإجابة هي قطعا لا، إذ يجب أن يكون هنالك آلية رقابة ذاتية هي الضمير.

المبحث الثاني : الضمير آلية رقابة ذاتية:

إن المحافظة على الأخلاق المهنية والتمسّك بها لا يمكن أن يكون وليد الرقابة التي تمارسها الهياكل المهنية أو السلط القضائية فقط. ذلك أن الهياكل المهنية مهما حاولت الاحاطة بالمحامي وتوعيته بل وتأديبه لن تتمكن من غرس القيم الأخلاقية في نفسه إذا لم يكن به وازع من ضميره. كما أن القوانين التي يجب المحامي تطويعها لن تجدي في ردعه أو إذا لم يرتدع تلقائيا. فالضمير وحده هو الضابط والحكم. فالضمير المهني هو الذي بإمكانه أن يعصم المحامي كليا عن ارتكاب الأخطاء مهما كانت بساطتها وهو المحدّد الذاتي الذي يسطر السبل الأخلاقية التي على المحامي انتهاجها في مهنته ومعاملاتها وذلك لسببين: 1- أولا لأن بعض التجاوزات الأخلاقية مثل الإخلال بواجب الزمالة وعدم الجدية في العمل، لا يمكن للقانون أن يثبتها إلا بصعوبة. من ذلك أن الواجب المحمول على المحامي للاتصال بزميله واستشارته عن إمكانية التعامل مع حريف لهذا الأخير وسؤاله إن كان أخذ منه مستحقاته كاملة، لا يمكن أن يثبت الإخلال به وحتى في صورة إثباته فإن العقوبة تكون مهنية وليست قانونية. وكذلك واجب التنسيق بين الأعمال إذا كان المحامون ينتمون إلى نفس الشق في الدفاع، لا يمكن إثبات الإخلال به إن وجد. 2- لأن الأخلاق هي عنصر معنوي لا يمكن الإطلاع عليه بسهولة ولأن المحامي يجب أن تكون روحه نقية ونفسه مهذبة وهذا الأمر يتطلب رقابة ذاتية أكثر من الرقابة التي تمارسها الهياكل المهنية أو القوانين.

من ذلك أن المحامي الأمريكي قد يعمد إلى تقديم تصريحات بمقابل إلى مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ويكون ذلك خاصّة في القضايا الجنائية ويكون ذلك أثناء المحاكمة. وتعدّ الأموال التي يقبضها من وسائل الإعلام، بعد موافقة منوبه، جزءا من أتعابه في القضية التي لا يمكن أن يتحملها الحريف بمفرده نظرا لضخامتها. والاتجار بآلام الناس ومصائبهم رغم بشاعته فإن القانون لا يمنعه في ولاية كاليفورنيا التي لها قانون محاماة محلي لا يتطابق مع القانون الذي أصدره الهيكل الفدرالي للمحامين الأمريكيين والذي ينصّ صراحة في فصله (b) 1.8 على أنه "لا يمكن للمحامي أثناء إنابته لحريفه أن يعقد أي اتفاق للحصول على حقوق أدبية من وسائل الإعلام أساسها معلومات متعلقة بالمعلومات المرتبطة بنيابته". « Prior to the conclusion of representation of a client, a lawyer shall not make or negotiate an agreement giving the lawyer library or media rights to a portrayal or account based in substantial part on information relating t the representation ».

ولعل هذا النصّ الذي جاء محدودا في الزمن قد شجع المحامي الأمريكي على قبول الاتصال بوسائل الإعلام بعد انتهاء القضية فقط. وهذا القانون رغم أنه محدود الفاعلية إلا أنه لم يأخذ به أصلا في ولايات مثل كاليفورنيا، كارولينا الشمالية...

وبذلك تكون الأخلاق صعبة التحقيق بشكل مثالي مع عدم نجاعة القانون في بعض الأحيان حيث يعجز عن تطويقها بشكل كامل مما يفتح المجال أمام التجاوزات التي يكون الضمير فقط عاصمها.

فالأخلاق بالمحصلة ليست دروسا تلقن أو قوانين تجبرنا على عدم الإخلال بها إنما هي سلوك ذاتي يرفع من شأن صاحبه إلى مصاف العظماء المصلحين إذا اعتصم بها. والأمثلة عديدة ولا سبيل إلى حصرها وكلها تؤكد عدم النجاعة الكاملة لآليات الرقابة ورغم أنه من واجبات المحامي تجاه مهنته أن يعلم الهيئة الوطنية للمحامين عن أي تجاوز يلاحظه يمسّ من هيبة المهنة وشرفها. إلا أن هذا أيضا إلتزام أخلاقي وقع تناسيه وإغفاله ولا يعاقب أي قانون على عدم الإشارة إلى فعل لا أخلاقي من قبل زميل.

الخــاتـمـة

إن هذه المحاضرة كانت محاولة بسيطة للتعريف بأخلاقيات مهنة المحاماة، ذلك أن الالمام بجميع المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع وذكر جميع القواعد السلوكية الأخلاقية يستوجب أكثر من دراسة. أخلاقيات مهنة المحاماة هي إرث معنوي عريق لا سبيل إلى التنازل عنه أو الاكتفاء ببعضه ولعل الصعوبات التي تعترض مهنة المحاماة اليوم والتحديات التي ما فتئت ترفع أمامها تستوجب منا أكثر من أي وقت مضى التمسّك بأخلاق مهنتنا والتكاتف حول المبادئ الأخلاقية التي هي أساس مهنتنا. المحاماة هي أمانتنا التي في محافظتنا عليها نضمن مستقبل مجتمعنا الذي يحتاجنا رعاة للحق وحماة للأخلاق ودفاعا عن الحرّية فيه. إن كل فرد فينا مسؤول عن حماية أخلاقيات مهنتنا والذود عنها كمسؤوليته عن حماية كل ضعيف وطالب حق. المحامي هو خط الدفاع الأول للمجتمع ضد الاستعمار الثقافي والاقتصادي الجديد والأولي بالفارس أن يحمل اللواء ويكون القدوة والمثال.

قائمة المراجع

المراجع باللغة العربية
علي بن الصادق عبيد: "المسؤولية الجزائية للمحامي" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق اختصاص علوم إجرام السنة الدراسية 2000/2001 جامعة تونس المنار، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
الأستاذة لمياء الشابي: "أتعاب المحاماة" مذكرة ختم تمرين سنة قضائية 2006–2007.
الأستاذ رابح الخرايفي: "مقالات في مهنة المحاماة التونسية" دار قتيبة.
الأستاذة أمينة ذكار الشايبي: "مسؤولية المحامي المهنية" مذكرة ختم تمرين سنة قضائية 2002-2003.
الأستاذ سامح التليلي، محاضرة تم التمرين السنة القضائية 2006-2007.
مدخل لدراسة القانون، محمد الشرفي وعلي المزغني، المركز القومي البيداغوجي، تونس 1993.
النظرية العامة للالتزامات: 1- العقد، محمد الزين، مطبعة الوفاء، تونس، 1997.

قائمة المراجع

المراجع باللغة العربية
عبد القادر الاسكندراني: "محاضرة بعنوان أخلاقيات المهنة ركيزة أساسية لتكوين المحامي"، "ندوة تكوينية حول تكوين المحامي ضمانة لحق المتقاضي".
علي بن الصادق عبيد: "المسؤولية الجزائية للمحامي" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق اختصاص علوم إجرام السنة الدراسية 2000/2001 جامعة تونس المنار، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
الأستاذة لمياء الشابي: "أتعاب المحاماة" مذكرة ختم تمرين سنة قضائية 2006–2007.
الأستاذ رابح الخرايفي: "مقالات في مهنة المحاماة التونسية" دار قتيبة.
الأستاذة أمينة ذكار الشايبي: "مسؤولية المحامي المهنية" مذكرة ختم تمرين سنة قضائية 2002-2003.
الأستاذ سامح التليلي، محاضرة تم التمرين السنة القضائية 2006-2007.
مدخل لدراسة القانون، محمد الشرفي وعلي المزغني، المركز القومي البيداغوجي، تونس 1993.
النظرية العامة للالتزامات: 1- العقد، محمد الزين، مطبعة الوفاء، تونس، 1997.

المراجع باللغة الانقليزية

Alisdair Macintyre, after virtue; a study in moral theory
Bernard Williams, morality; an introduction to ethics.
Debarah L.Rhode, Professional responsibility, ethics by the pervasive method.
Geoffry James Warnok, the object of morality.
Henry Sidgwick, the methods of ethics.
James Rachel, the elements of moral philosophy.
Kurt Baier, the moral point of view.
Nathan M.Crystal, an introduction to professional responsibility.
Stanley MILGRAM, obeidience to Authority: an experimental View.

فقه القضاء الأمريكي

Meyerhofer v. Empire Fire & Marine Ins. Co, 497 F.2d 1190 (2d Cir.), cert, denied, 419 U.S. 998 (1974), and text at Chapter 4.G.
Estate of Pinter v. McGee, 679 A.2d 728 (N.J. Sup. Ct. app. Div. 1996).
Hopper v. Frank, 16 F.3d 92 (5th Cir. 1994); ABA Comm. On Ethics and Prof Resp, Formal Opinion 91-361.
Hishon v. King & Spalding, 467 U.S. 69 (1984) (female associate who had been passed over for partnership stated cause of action for sex discrimination against her firm under Title VII of the Civil Rights Act of 1964).
Doe v. Kohn Nast & Graf, P.C., 862 F. supp. 1310 (E.D. Pa. 1994) (facts similar to movie Philadelphia).
White v. McBride, 937 S.W.2d 796 (Tenn. 1996) (one-third contingent fee in
contested probate proceeding was clearly excessive).
Townsend v. State Bar of California, 197 P.2d 326 (Cal. 1948) (en banc).
Committee on legal Ethics v. Hart, 410 S.E.2d 714 (W. Va. 1991). March21, 1997) and Model Rule 1.2 (d





منتدى القانون والقضاء
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com