بحث جاهز حول الخوف عند الاطفال

9 - الخوف والذكاء :
إن انعدام الخوف في طفل ما قد يكون نادراً للغاية، وتعليل خوف الطفل يرجع عادة إلى قلة الإدراك كما هو الحال في ضعاف العقول الذين لا يدركون مواقف الخطر والضرر، فقد يضع يده في مكان يصيبه بضرر لعدم تقديره لخطورة الموقف[1].
وقد ثبت أن هناك ارتباطاً بين المخاوف الواقعية والذكاء، فالأطفال الأكثر ذكاءً أقدر من غيرهم على تقدير العواقب السيئة بطريقة أفضل من الأطفال متوسطي الذكاء. فكلما زاد الذكاء لدى الطفل كلما أصبح أسرع وعياً بالأخطار الحقيقية وأكثر قدرة على التمييز بينها وبين الأخطار الوهمية المتخيلة، فمثلاً الطفل الذكي لا يمكن أن يعتقد بضرر العفاريت لأنه يملك القدرة على التفكير المنطقي[2].
إن الوعي بالخطر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرات الإدراكية، فالأطفال الأذكياء يعون الأخطار في وقت باكر ويتغلبون عليها في وقت باكر أيضاً. وتنشأ لدى هؤلاء الأطفال مخاوف في سن الثانية أو الثالثة تفوق مخاوف الأطفال متوسطي الذكاء، ولكن هذه العلاقة تنعكس مع مرور الوقت فيصبح الأطفال ذوو الذكاء العالي في سن السادسة لديهم مخاوف أقل من مخاوف متوسطي الذكاء. كما أن الأطفال الأذكياء يقل وقوعهم في المخاوف المتخيلة، فهم أكثر ميلاً إلى اختبار الواقع ويكتسبون الخبرات بصورة سريعة وهم أكثر انفتاحاً للاقتناع من الأطفال الأقل ذكاءً[3].
10 - تأثير الخوف على الطفل :
إن الخوف هو انفعال يكثر تعرض الطفل له ويلعب دوراً يبلغ من الأهمية في تكوين شخصية الطفل حداً يتطلب أكبر قسط من العناية به وتدبير أمره. فكثير من المخاوف التي لابد أن يلقاها الطفل هي من النوع الهدّام المعجز ولا تجديه نفعاً، بل تشتت نشاطه الذي يجب أن يهدف وأن يستخدم في تحقيق رفاهية الطفل[4].
ويتفق علماء النفس على أن زيادة المخاوف لدى الطفل تعوق حريته وتلقائيته، كما تؤدي إلى نقص قدرته على مواجهة توترات الحياة[5].
والطفل الذي يخاف ليس من السهل عليه تكوين الأصدقاء، ويفضل أن يبقى مع نفسه ويرى أن العالم الخارجي من حوله ليس مصدر أمان وطمأنينة له ولذلك فإنه يتجنبه لأنه بذلك إنما يقي نفسه الدخول في مشاكل جديدة تجعله يشعر بالتعاسة. والطفل الذي يخاف لا يستطيع الاعتماد على نفسه ويصبح مشلولاً غير قادر على التصرف بمفرده في مواقف الحياة المختلفة في المنزل أو في المدرسة بين أقرانه فيفقد الثقة بنفسه لأنه يشعر أنه غير قادر على أداء أي عمل بنفسه دون خوف[6].
كما يجب أن يستعمل الآباء انفعال الخوف البنّاء في تنمية شخصية الطفل وتعويده النظام والواجب دون مبالغة ودون تخويف، وهذا سيساعده على المحافظة على نفسه وعلى التكيف في المجتمع وعلى النجاح في حياته المدرسية ومع أقرانه في البيئة[7].

11 - المخاوف المتلاشية والمتزايدة :
هناك مخاوف معينة نمطية بالنسبة لمراحل الطفولة، وتمثل عملية النمو خطاً بيانياً يكشف عن صعود وهبوط. فبعض المخاوف تختفي بصورة وقتية ثم تعاود الظهور فجأة في وقت لاحق، ومع تحسن القدرات الإدراكية للطفل فإنه يخشى أشياء لم يكن يخاف منها من قبل، وذلك لأنه لم يكن على وعي بما تنطوي عليه من تهديد وشيك له، وفي الوقت نفسه فإنه قد يقع فريسة للخوف من أشياء قد أصبحت مألوفة لديه. ومع تطور قدراته التخيلية فإن الكائنات والمواقف التي لا توجد إلا في الخيال من الممكن أن تثير فيه الخوف[8].
ويحصل انحسار تدريجي لمخاوف معينة من سن الثانية وحتى السادسة. ويخاف معظم الأطفال في سن الثانية من الحجرات المظلمة، ويبلغ هذا الخوف ذروته في العام الرابع ثم يخبو بعض الشيء في العام الخامس ويختفي في العام السادس في معظم الحالات، كما أن الخوف من الغرباء يبلغ درجة عالية في العام الثاني والثالث من عمر الطفل ثم يهبط ببطء في العام الرابع والخامس وفي العام السادس فإن هذا الخوف من الغرباء يكون قد اختفى عند معظم الأطفال لأنهم أصبحوا أكثر انتقائية وبمقدورهم التفرقة بين الشخص اللطيف والشخص غير اللطيف. كما أن ازدياد علاقات الطفل مع الأطفال الآخرين والراشدين يساعد على خفض هذا الخوف. كذلك خوف الطفل من أن يترك بمفرده مثلاً يبدو من أشد المخاوف في الرابعة من العمر وعادة ما يتلاشى هذا الخوف في العام السادس. ويطول بقاء مخاوف أخرى مثل المخاوف من الموت والمرض والجراحة واللصوص والخوف من الثعابين الذي يزداد مع تقدم عمر الطفل ويبلغ ذروته في العام الرابع ويمكن أن يستمر إلى سن الرشد أو أكثر.
فالعملية السوية للنضج والتعلم لا تؤدي إلى اختفاء تام لكل المخاوف وإنما تؤدي بالأحرى إلى تخطي المخاوف غير الواقعية وتنمية مخاوف واقعية، فالأطفال ينمون وينضجون تدريجياً، ولكل طفل سرعة أو معدل نضج وقدرة فطرية على التعلم والاستفادة من الخبرة تحدده العوامل البيولوجية. ويجب على الآباء تهيئة أفضل الفرص الممكنة من أجل النمو وأن يساعدوا الطفل على تخطي المخاوف، وتعتبر المخاوف صورية طالما أنها تظهر في مراحل معينة من النمو النفسي وطالما يتخطاها الطفل تدريجياً، ولكن هذه المخاوف تعتبر غير سوية وضارة عندما تتعمق جذورها وتمنع الطفل من بلوغ مرحلة أعلى من النمو النفسي[9].
12 - الوقاية من الخوف :
إن مخاوف الأطفال تتكون أغلبها باستثارة البيئة لانفعالات الخوف وتكرارها، وفيما يلي بعض القواعد التي يجب مراعاتها لوقاية الأطفال من الخوف[10] :
أ - تهيئة الطفل للتعامل مع التوتر :
ينبغي أن تكون مرحلة الطفولة فترة تهيئة مستمرة للتعامل مع المشكلات المختلفة وخاصة التوتر، وأن تتضمن الكثير من التطمين والتوضيح والتحذير المسبق من المشكلات المختلفة والمحتملة، ويجب أن تنمي في الطفل الخبرة والممارسة والتجريب في القيام بالخبرات السارة غير المخيفة حتى يعتاد أن يتعامل مع مواقف الحياة ليشعر بالأمن والطمأنينة.
ويستخدم الأطفال اللعب للتدريب على التعامل مع المشاعر والحوادث، فاللعب هو الطريقة لتعلم كيفية التعامل مع الخوف. والتعبير عن المخاوف يؤدي غالباً للتحرر منها فألعاب الماء مثلاً تؤدي إلى ألفة الطفل للماء، والألعاب الإيهامية تساعد الأطفال من جميع الأعمار على تجريب طرق بناءة ومرضية للتعامل مع المشاعر الجديدة وما يرافقها من توتر. وتكون هذه الألعاب فعالة جداً عندما تكون الصدمات متوقعة ويكون الأطفال مهيئين لها بشكل مناسب. كما أنه يمكن أن تجرى مناقشات حول الخبرات الصادقة، ويمكن لصغار الأطفال أن يقوموا بتمثيلها في لعبهم، ويمكن أيضاً استخدام كتب الأطفال التي تصف تعامل الأطفال الإيجابي مع حوادث مثل العمليات الجراحية أو موت أحد الأقارب أو طلاق الأبوين...الخ. فالقاعدة العامة هي تنمية أساليب جريئة وفعالة لدى الطفل في تعامله مع البيئة، كما ينبغي تجنب الحماية الزائدة وتشجيع التعامل الفعال مع موضوع الخوف، وليس من المفيد تجاهل حالة الخوف أو إبعاد موضوع الخوف أو إجبار الأطفال على دخول الموقف المخيف بل يجب أن يُعلّم الأطفال إتقان العمل واتخاذ الحيطة والحذر وليس الخوف[11].

ب - التعاطف ودعم الأطفال :
إن إدراك الأطفال أن آباءهم متفهمون ومساعدون يجعلهم يشعرون بأنهم أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المخيفة. ويساعد الحب والاحترام في نمو الشعور بالأمن لدى الطفل بعكس التهديد أو النقد المستمر، ويسهم التعاطف في فهم أفكار الطفل ومشاعره ومشاركته فيها، وعندما يعبر الأطفال عن مشاعر الخوف أو الاضطراب فإن على الآباء أن يكونوا متقبلين وأن يمدوا يد العون لأطفالهم. لأن الأطفال يحتاجون غالباً إلى مساعدة في فهم استجابات التوتر وتفسيرها، وأية فكرة أو حادثة تخيف الأطفال يجب أن تناقش معهم في أقرب وقت ممكن، وينبغي أن تصحح المناقشة ميل الطفل للمبالغة أو لتشويه فهمه لسبب الخوف أو معناه، كما أن فهم الطفل ونمو مقدرته على التعامل مع الخوف يجب أن يمتدحا.
إن استجابة الخوف يجب ألا تستخدم لمعاقبة الطفل أو ضبطه، فما زال كثير من الآباء يقولون لأطفالهم جملاً مثل ((إذا عملت هذا مرة أخرى فإن وحشاً سيختطفك)). إن مثل هذه التهديدات تجعلهم يحسون بعدم الأمن، وهذا يصدق بشكل خاص على الأطفال دون السادسة من عمرهم الذين ما زال تمييزهم بين الحقيقة والخيال ضعيفاً. وينبغي أن يتم التعبير عن الخوف وليس تجاهله أو السخرية منه، فالأطفال يحتاجون إلى طمأنينة حول مخاوفهم من موضوع كالموت مثلاً، ويجب الانتباه إلى أن الاهتمام المبالغ به لا يساعد والحماية الزائدة لا تعطي الأطفال فرصة لكي تتكون لديهم الكفاءة ويشعروا بها أكثر فأكثر[12].
ج - التعرض المبكر والتدريجي للمواقف المخيفة :
يحتاج الطفل إلى أن يخبر بشكل تدريجي الأفكار أو الحوادث الجديدة المخيفة أو التي يحتمل أن تكون كذلك. فمثلاً عملية التوقف عن إضاءة الغرفة في الليل أمر إيجابي، ولكن يجب أن يتم ذلك عن طريق خفض الضوء بشكل تدريجي ليلة بعد أخرى أو إغلاق الباب على نحو متزايد في كل ليلة حتى يشعر الطفل بالارتياح للنوم في الظلام. كما ينبغي اصطحاب الطفل في زيارات لعيادات الأطباء وأطباء الأسنان قبل أن يحتاج إلى فحص أو معالجة كي يشاهد ما يحصل في هذه العيادات ويزود بمعلومات يجدها مثيرة، وأن يشاهد طفلاً سعيداً يعالج دون خوف. ولأن الأطفال نشطون ولديهم الكثير من الطاقة يمكن أن يُشجعوا ليلعبوا بدمى الحيوانات ويرمونها حولهم. فالمواجهة التدريجية التي تتم عندما يكون الطفل مرتاحاً يؤدي إلى إشراط الطفل بشكل بطيء بحيث يتعامل مع المخاوف البسيطة ثم ينتقل لمواجهة مواقف أكثر خطورة. فمثلاً إن مشي الطفل في ممر طويل تكون فيه الإضاءة خافتة يعطيه تدريباً على مواجهة المخاوف ويمكن أن يرافقه أحد الكبار في البداية أو أن يستخدم مصباحاً يدوياً ثم يتم تخفيض الدعم شيئاً فشيئاً بصورة تدريجية[13].
د - التعبير عن المشاعر ومشاركة الآخرين بها :
عندما يجد الطفل أن هناك من يشاركهم في مشاعرهم في الجو الذي يعيشون فيه فإنهم يتعلمون أن الهموم والمخاوف هي أمور مقبولة، ولكن يجب عدم المبالغة في ذلك كأن يشارك الطفل الراشدين في مشاعرهم وأفكارهم وإنما التحدث عن المخاوف الواقعية التي توجد لدى الجميع[14].
ويمكن القول أنه من الأفضل للطفل كقاعدة عامة أن يعبّر عن مخاوفه وقلقه بصراحة وانفتاح بدلاً من أن يخفيها لأن الأطفال الذين يتعرضون للسخرية والنقد ويضطرون إلى إخفاء مخاوفهم يحرمون أنفسهم من أفضل طريقة لمجابهة هذه المخاوف بنجاح[15].
والأطفال الذين يرون الراشدين يعبّرون بشجاعة عن مخاوفهم مما يقلل من غموض المخاوف ومن إحساس الأطفال بالذنب حيالها، كأن يقول الراشد (إن هذا البرنامج كان مخيفاً فعلاً، كان يبدو حقيقياً إلى درجة أنني شعرت بالخوف من أن تكون سفينة الفضاء في ساحة بيتنا ولا شك أن هذا الشعور سيبقى عندي فترة) [16]، هذا يساعد الطفل على فهم الخوف وبذلك لا يشعر بأنه منفرد في مشاعره أو أنه خوّاف وجبان، وأن من الضروري الإصغاء لمشاعر الأطفال باحترام فهم يحتاجون ويستحقون بعض التعاطف مع مخاوفهم مما سينعكس بدوره بشكل إيجابي على النمو النفسي للطفل.

هـ تقديم نموذج للهدوء والتفاؤل والاستجابة المناسبة :
إن معظم المخاوف مكتسبة، والأطفال لا يولدون خوافين بل إنهم يتعلمون الخوف من البيئة المحيطة والأفراد الذين يعيشون معهم لاسيما الوالدين. فالأطفال يبدون استعداداً قوياً لاكتساب مخاوف والديهم، فمثلاً إذا لم يتغلب الوالدان على مشكلة خوفهما من الموت فإن الأطفال أيضاً سوف يتعلمون بسرعة الخوف من الموت، ومن المفيد أن يستمع الأطفال إلى عبارات مثل (إن الموت كالولادة جزء من عملية الحياة) أو (كل إنسان فان... وهكذا)، وكثير من الآباء يناقشون مفاهيم دينية مع أطفالهم لمساعدتهم على فهم الموت وغيره من الحوادث. وينبغي ألا تناقش المخاوف باستمرار مع أن الإقرار بوجود المخاوف واتخاذ موقف شجاع نسبياً حيالها يقدمان مثالين جيدين يحتذي بهما الأطفال.
كما يجب تجنب تكرار التأكيد على الجوانب السلبية في المواقف (ماذا لو) كما يحصل في بعض الأسر حيث يتكرر ذكر الأمور السيئة التي يمكن أن تحدث للناس ويتردد ضمن جو الأسرة مبدأ "وراء كل خير يكمن شرّ مرتقب". إن مثل هذا الجو سوف يؤدي إلى تنمية اتجاهٍ من الخوف والقلق، فالتشاؤم ينتقل بالعدوى بينما التوجه الهادئ المتفائل نسبياً يمكّن من التعامل مع الخوف بشكل جيد ودون استجابات مبالغ فيها.

13 - علاج المخاوف :
يختلف نوع العلاج باختلاف أسباب الخوف وأنواعه، ولكن تبقى هناك بعض الإرشادات العلاجية العامة التي تصلح لمعظم حالات الخوف المتنوعة :
أ - تقليل الحساسية والإشراط المضاد :
إن هذا الهدف هو مساعدة الأطفال الخوافين وذوي الحساسية الزائدة ليصبحوا أقل حساسية أو لا يستجيبوا للموضوعات التي تثير حساسيتهم. فعندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي سار "إشراط مضاد" فإن حساسية الأطفال من الخوف تقل. فمن المفيد جعل الأطفال يلعبون إحدى ألعابهم المفضلة أو ينهمكون بأي نشاط ممتع أثناء الخوف، وقد أمكن محو جميع أشكال المخاوف المحددة بهذه الطريقة. وعلى سبيل المثال يمكن أن يقوم الطفل بتمثيل بعض المشاهد في غرفة خافتة الإضاءة كخطوة أولى للتغلب على الخوف من الظلام، ويحدث تقليل الحساسية بشكل طبيعي عندما يمكن للأطفال مشاهدة حادثة مخيفة عن بعد. وفي حال خوف الطفل من الحيوانات الأليفة يمكن تقريب الأشياء المخيفة من الطفل تدريجياً لنزع الصورة الوهمية، فإذا كان الطفل يخاف من الكلاب فلا ينبغي إجبار الطفل على الاقتراب منها وإنما ينبغي ترك الطفل يراقب كلاباً يتم إطعامها من النافذة، ثم يراقب كلباً في الغرفة نفسها، ثم يقوم بإطعام الكلب بنفسه، فالتقدم التدريجي يؤدي إلى تزايد الشجاعة شيئاً فشيئاً، ويجب أن تُقرأ قصص عن الكلاب وإتاحة الفرصة للطفل ليلعب مع الجراء الصغيرة وهذا سيؤدي إلى نقص طبيعي في المخاوف.
كما أن وجود العائلة إلى جانب الطفل يمكن أن يحوّل الخوف إلى نشاط ممتع ويساعد في تقليل الحساسية حيث أن الأطفال يشعرون بالأمن بشكل أكبر عندما يكونون ضمن جماعات.
وهكذا ينبغي تشجيع الأطفال على تقليل الحساسية الذاتي، ويمكن أن يتعلموا استخدام هذه الطريقة[17] وحدهم لمواجهة أي خوف كأن يقوموا بمشاهدة صور الوحوش والحيوانات المخيفة في كتاب ثم يرسمونها أو يصورونها أو يكتبون قصصاً عنها ثم يقومون بمناقشة مخاوفهم مع أخوتهم...الخ. فالمواجهة المتكررة لموضوع الخوف تؤدي إلى تقليل الحساسية بينما تجنب المواقف المخيفة يؤدي إلى إطالة حالة الخوف أو زيادة شدته.

ب - ملاحظة النماذج :
إن الطفل يتعلم من خلال الملاحظة كيف يتعامل مع الأفراد غير الخائفين مع المواقف، وهذه الملاحظة تجعل الطفل يبدأ بشكل تدريجي بالتعامل دون خوف مع مواقف تزداد درجة الخوف فيها شيئاً فشيئاً. ويجب أن تكون هذه النماذج من الأشخاص العاديين حتى لا يرى الأطفال النموذج وكأنه يتمتع بصفات خاصة تجعله قادراً على أن يكون شجاعاً.
ويقنع بعض الأطفال من خلال الملاحظة أن خوفهم في الواقع لا خطورة فيه، كالاستخدام الناجح لمراقبة أطفال ينجحون في دخول المستشفى وفي إجراء عمليات جراحية تجرى لهم. إن على الأهل أن يستغلوا كل فرصة تتيح لهم تهيئة الطفل للمواقف التي تنطوي على احتمال أن تكون صادقة، ويمكن الاستعانة بالأفلام كطريقة لتهيئة الطفل لموقف ما، وبذلك يساعد الأهل طفلهم في التغلب على موضوع خوفه. ويمكن تقليل حساسية الطفل بسرعة بطريقة بسيطة تسمى الهدف النقيض، فيمكن مثلاً أن نقلل من حساسية الطفل من الأصوات المرتفعة المفاجئة بأن نجعله يقوم بوخز عدد كبير من البالونات بإبرة، فتكرار المواجهة يجعل الطفل يتغلب على مخاوفه.
ج - التخيل الإيجابي :
إن الاستخدام والتدريب المقصود لتخيل مشاهد سارة يسهم في تقليل مخاوف الأطفال الذين يجدون في ذلك أسلوباً ناجحاً، فهم يتخيلون الأبطال الذين يحبونهم يساعدونهم في التعامل مع الموقف المخيف، ويمكن تعريف الطفل على كيفية القيام بهذا التخيل ثم يطلب منه أن يقوم باختراع قصة مشابهة مثل (أنت والمرأة العجيبة تجلسان في البيت عندما تطفأ الأنوار فجأة، إنك تحس بالخوف ولكن أنت والمرأة العجيبة تجدان شموعاً وتذهبان إلى موقع مفاتيح الكهرباء لمعالجة الأمر وتشعر بالعظمة لأنك تمكنت من حل المشكلة، والمرأة العجيبة تهنئك وتطير مبتعدة بطائرتها الخفية)[18].
وينبغي التنويع في هذه الطريقة كأن يطلب إلى الأطفال أن يتخيلوا الفعالية المحببة لهم مثل قيادة سيارة سباق مثلاً، وأثناء تخيل المشهد والاستمتاع به يتخيلون حدوث موقف ينطوي على خوف بسيط، فمثلاً أثناء قيادة سيارة السباق يرى الطفل كلباً ضخماً على الطريق ويقوم بمطاردة السيارة بينما يبتعد الطفل بسرعة بسيارته ثم يبطئ السرعة حتى يصل الكلب إلى جوار السيارة ثم يقوم الطفل بالتربيت عليه ثم يقود السيارة ويتابع طريقه. وهكذا فإن استخدام طريقة التخيل تساعد الطفل على إدراك نفسه على نحو متزايد كشخص يملك القدرة على تحمل الخوف حتى يصل إلى التحرر النسبي منه أخيراً.
د - مكافأة الشجاعة :
ينبغي تحديد سبب المخاوف وزمانها ومكانها تحديداً دقيقاً وامتداح الطفل ومكافأته كلما تقدم خطوة في تحمّل المواقف المخيفة. فكثير من الأطفال يُظهرون الشجاعة كي يحصلوا على المكافآت، فمثلاً يمكن أن نضع للطفل خمس نقاط إذا قال مرحباً لشخص غريب، ويحصل على عشر نقاط إذا أجاب على الهاتف ويحصل على عدد من النقاط إذا تحدّث مع أشخاص مختلفين فيجمع تدريجياً عدداً من النقاط يستخدمها فيحصل على ألعاب أو يحصل على امتيازات نتيجة لتقدمه. كذلك الأمر بالنسبة للخوف من المدرسة، فمثلاً طفل يخاف من الذهاب إلى المدرسة فيشكو من آلام جسيمة وأثبتت النتائج السلبية للفحص الطبي أنها مؤشر واضح على الخوف فيجب أن يُرسل الطفل إلى المدرسة وأن يُمتدح لمداومته، وتتم مكافأة التقدم الذي يحرزه الطفل والابتعاد عن تعزيز الخوف بأي شكل من الأشكال (كاللعب ومشاهدة التلفزيون والاهتمام من قبل الآباء) لأن ذلك سيعقّد المشكلة بدلاً من أن يحلها، بينما تساعد المكافأة على الشجاعة على حل مشكلة الخوف عند الطفل بالتغلب على موضوع الخوف[19].
هـ طرق أخرى للعلاج :
كما يتم أيضاً علاج المخاوف عن طريق تعويد الطفل الاعتماد على نفسه تدريجياً وتخليصه من حماية الأم له، فالإكثار من العطف الزائد والرعاية الزائدة تؤدي إلى ضرر الطفل وليس نفعه، كذلك النبذ والنقد والتهديد والاستخفاف بمخاوف الطفل واتهامه بالجبن وغير ذلك من الأساليب القاسية كلها تؤدي إلى كبت الخوف وتفاقم المشكلة، لذلك ينبغي على الأهل احترام الطفل وتشجيعه على التعبير عن مخاوفه والتغلب عليها[20].

14 - الخاتمة :
مما تقدم نستطيع القول أن الخوف هو حالة انفعالية طبيعية تظهر في أشكال متعددة وبدرجات مختلفة عند الأطفال، وهناك بعض المخاوف التي تفيد الطفل وتساعده على حفظ بقائه وتكيفه. وبالمقابل توجد مخاوف تلحق أشد الضرر بالطفل ويمكن أن تستمر معه مدى الحياة. وباعتبار أن سنوات الطفولة هي الأهم في حياة الفرد والتي تقوم عليها حياته النفسية والاجتماعية فإنه من الضروري الاهتمام بمشكلة الخوف عند الأطفال لما يترتب عليها من آثار سلبية قد تكون عنصراً هدّاماً لشخصية الطفل فيخرج من مرحلة الطفولة شخصاً مضطرباً وقلقاً يعاني من سوء التكيف مما ينعكس على الفرد والمجتمع معاً.
لذلك من الواجب علينا أن نولي اهتماماً أكبر لمخاوف الأطفال والتعرف إليها وإلى أسبابها والعمل على الوقاية منها وعلاجها لنحصل في النهاية على فردٍ سوي وفعّال في المجتمع.


المراجع المعتمدة

1. إسماعيل، محمد ؛ السيد، أحمد، مشكلات الطفل السلوكية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1993.
2. توم، دوغلاس، مشكلات الأطفال اليومية، ترجمة اسحق رمزي، دار المعارف، مصر، القاهرة، 1953.
3. جرجس، ملاك، مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، مكتبة المحبة، مصر، 1993.
4. حسن، جمال، مشاكل الطفولة المبكرة، جامعة دمشق، دمشق، 1983.
5. دبابنة، ميشيل ؛ محفوظ، نبيل، سيكولوجية الطفولة، دار المستقبل للنشر والتوزيع، عمان، 1984.
6. الرفاعي، نعيم، الصحة النفسية، مطبعة ابن حيان، دمشق، 1982.
7. الشحيمي، أيوب محمد، مشاكل الأطفال كيف نفهمها، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1994.
8. شيفر، شارلز ؛ ميلمان، هوارد، مشكلات الأطفال والمراهقين، ترجمة نسيمة داوود ؛ نزيه حمدي، ط1، منشورات الجامعة الأردنية، عمان 1989.
9. عبد الرزاق، عماد، مشاكل الطفولة، مطابع الأهرام التجارية، القاهرة، 1971.
10. فهيم، كلير، مشاكل الأطفال النفسية، دار المعارف، القاهرة، 1978.
11. كلير، ديكس، علاجك النفسي بين يديك، ترجمة عبد العلي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 1994.
12. هرمز، هنا ؛ صباح، إبراهيم ؛ حنا، يوسف، علم النفس التكويني (الطفولة - المراهقة)، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988.
13. ولمان، ب. ب.، مخاوف الأطفال، تقديم عبد العزيز القوصي ؛ محمد عبد الظاهر الطيب، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1991.
14. يوسف، نمر عصام، الأسرة ومشكلات أطفالها، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، ط1، 1985.

[1]
مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 10.

[2]
مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 100.

[3]
مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 49.

[4]
المرجع السابق، ص 45.

[5]
مشكلات الطفل السلوكية، أحمد محمد إسماعيل، 1993، ص 120.

[6]
مشاكل الأطفال النفسية، كلير فهيم، 1978، ص 36.

[7]
مخاوف الطفل وعدم ثقته بنفسه، ملاك جرجس، 1993، ص 28.

[8]
مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991، ص 45.

[9]
المرجع السابق، ص 82 - 83 - 44 - 45 - 46.

[10]
مشاكل الأطفال النفسية، كلير فهيم، 1978، ص 37.

[11]
مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989،
ص 134 - 135.


[12]
المرجع السابق، ص 135.

[13]
المرجع السابق، ص 137.

[14]
المرجع السابق، ص 138.

[15]
مخاوف الأطفال، ب. ب. وولمان، تقديم عبد العزيز القوصي، محمد عبد الظاهر الطيب، 1991،
ص 131.


[16]
مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989،
ص 138.


[17]
المرجع السابق، ص 38.

[18]
المرجع السابق، ص 142.

[19]
المرجع السابق، ص 142.

[20]
مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 111.