الشخصية الاعتبارية في القانون
الشخصية الاعتبارية
الشخصية الاعتبارية la personnalité morale هي الشخصية القانونية التي يتمتع بها مجموعات الأشخاص الطبيعيين، والتي ترمي إلى تحقيق هدف معين، أو مجموعات الأموال المخصصة لغرض محدد. وتُعدّ مجموعات الأشخاص والأموال هذه شخصاً اعتبارياً أو معنوياً مستقلاً عن الأشخاص الطبيعيين المشكلين له.
الأصل أن الإنسان هو وحده، بصفته كائناً بشرياً، يتمتع بالشخصية القانونية التي تمكنه من أن يكون طرفاً من أطراف الحق. والإنسان يعدّ شخصاً طبيعياً، ولكن تبين منذ الأزل أن الإنسان، كشخص طبيعي، عاجز بمفرده عن تحقيق جميع أهدافه وغاياته، ومن ثمَّ كان لا بد من أن يدخل في علاقات اجتماعية مع أقرانه من أجل تحقيق تلك الأهداف والغايات.
وأدت هذه العلاقات الاجتماعية إلى ظهور شخص آخر، يتمتع بكيان مستقل عن كيان الأفراد، أطلق عليه: الشخص الاعتباري la personne morale.
وقد اختلف رجال القانون حول الطبيعة الحقوقية للشخصية الاعتبارية، وظهرت نتيجة لذلك نظريات عدة تحاول تفسير تلك الطبيعة. ومن أهم هذه النظريات: نظرية الشخصية الحقيقية أو الواقعية ونظرية الشخصية الافتراضية.
أ ـ نظرية الشخصية الحقيقية:
يرى أصحاب هذه النظرية أن الشخص الاعتباري هو، كالشخص الطبيعي، شخص حقيقي، ولكنه يختلف عن الشخص الطبيعي من حيث أنه لا يتمتع مثله بكيان مادي، بل يتمتع بكيان معنوي. ولذا فإن الشخصية الاعتبارية تُعدّ شخصية حقيقية وواقعية.
واختلف أنصار هذه النظرية في تبريرها، حيث نادى بعضهم بتبرير الشخصية الحقيقية التي يتمتع بها الشخص الاعتباري على أساس الإرادة المشتركة. والواقع أن الشخص الاعتباري يتمتع بإرادة مستقلة عن إرادة الأفراد الذين يتكون منهم، وهي الإرادة المشتركة لمجموع هؤلاء الأفراد، ويعبر عنها ممثل الشخص الاعتباري.
في حين أن آخرين حاولوا أن يؤسسوا الشخصية الحقيقية التي يتمتع بها الشخص الاعتباري على أساس المصالح المشتركة التي يسعى هذا الشخص إلى تحقيقها. وتعدّ هذه المصالح المشتركة مستقلة عن المصالح الفردية للأفراد الذين يتكون منهم الشخص الاعتباري.
والحقيقة أن أنصار هذه النظرية يبالغون في وجه الشبه بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري.
ب ـ نظرية الشخصية الافتراضية:
يرى أنصار هذه النظرية أن الإنسان وحده، بصفته شخصاً طبيعيّاً، يتمتع بالشخصية في نظر القانون. وهذه الشخصية هي وحدها التي تعتبر حقيقة واقعية، في حين أن الشخصية الاعتبارية لا تتمتع بوجود حقيقي، وإنما هي مجرد افتراض قانوني يلجأ إليه المشرّع من أجل الاعتراف لبعض الجماعات من الأشخاص أو تجمعات الأموال بأهلية اكتساب الحقوق وتحمّل الالتزامات.
ويؤخذ على هذه النظرية أن نظرتها قاصرة، وذلك لأنها تحاول تضييق نطاق وجود الشخصية القانونية التي ترى بأنها قاصرة على الأفراد فقط.
وفي الحقيقة فإن نطاق الشخصية الاعتبارية هو أوسع من ذلك بكثير، حيث إنها تثبت للإنسان ولغيره، لأن مفهومها يفيد صلاحية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، ومناط هذه الصلاحية هو القيمة الاجتماعية للكائن الذي يتمتع بهذه الشخصية.
ويستخلص من ذلك أن الشخصية الاعتبارية هي حقيقة واقعية، مثلها مثل الشخصية الطبيعية، ولكنها تتميز من هذه الأخيرة بأنها حقيقة معنوية وليست مادية محسوسة، مثلما هو عليه الحال بالنسبة للشخصية الاعتبارية.
تنقسم الأشخاص الاعتبارية إلى نوعين: عامة وخاصة.
1ـ الأشخاص الاعتبارية العامة: وتخضع لأحكام القانون العام، وتنقسم بدورها قسمين:
أ ـ أشخاص اعتبارية عامة، يشمل اختصاصها جميع المرافق العامة في حدود إقليمية محددة، مثل الدولة، المحافظات، المدن، البلديات...
ب ـ أشخاص اعتبارية عامة، يقتصر اختصاصها على نوع من النشاط العام، مثل المنشآت والمؤسسات العامة، الجامعات، والمنظمات الشعبية...
2ـ الأشخاص الاعتبارية الخاصة: وتخضع لأحكام القانون الخاص، ويمكن التمييز بين نوعين منها:
أ ـ مجموعات الأشخاص: ويتكون من فردين أو أكثر من أجل تحقيق غرض معين، مثل الشركة، والجمعية...
ب ـ مجموعات الأموال: وتتألف من أموال محددة يتم رصدها من أجل تحقيق غرض معين، مثل: الوقف في الشريعة الإسلامية، والمؤسسة الخاصة.
النظام القانوني للشخص الاعتباري في القانون السوري
تنص المادة /55/ من القانون المدني السوري على أن الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق باستثناء ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون. وأهم حقوق الشخص الاعتباري وخصائصه هي الآتية:
1ـ اسم الشخص الاعتباري: يتمتع الشخص الاعتباري، على غرار الشخص الطبيعي، باسم يتميز به، وهو مستمد غالباً من الغرض الذي أنشئ الشخص الاعتباري من أجل تحقيقه. ويختار المؤسسون اسم الشخص الاعتباري الذي أنشؤوه، ويضفي المشرع الحماية القانونية على اسم الشخص الاعتباري. ويكتسب هذا الاسم قيمة مالية بالنسبة للشركات التجارية. ويمكن تغيير اسم الشخص الاعتباري، ولكن هذا التغيير يحتاج إلى تعديل النظام القانوني للشخص الاعتباري.
2ـ موطن الشخص الاعتباري: تنص المادة 55/2، د من القانون المدني السوري على أن موطن الشخص الاعتباري هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته. أما بالنسبة للشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في سورية فيعتبر مركز إدارتها في نظر القانون الداخلي، المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية للشركة. ومن أهم آثار الموطن تعيين المحاكم المختصة محليّاً للنظر في الدعاوى التي ترفع على الشخص الاعتباري، وتحديد المكان الذي يمكن تبليغ الشخص الاعتباري فيه.
كما يمكن للشخص الاعتباري أن يتخذ له موطناً مختاراً بالنسبة لعمل معين. وأخيراً، يمكن أن يكون للشخص الاعتباري مواطن خاصة هي الأماكن التي توجد فيها فروعه بالنسبة للأعمال المتصلة بها.
3ـ الذمة المالية للشخص الاعتباري: مادام الشخص الاعتباري يتمتع بكيان مستقل واسم خاص به، فمن المنطق أن تكون له ذمة مالية مستقلة خاصة به تضم حقوقه والتزاماته المالية الحاضرة والمستقبلية. ويؤدي ذلك إلى الفصل بين الحقوق المالية للشخص الاعتباري والتزاماته من جهة، والحقوق المالية لأعضائه والتزاماتهم من جهة ثانية. ويترتب على ذلك أنه لا يحق لدائني الأعضاء الحجز على أموال الشخص الاعتباري لاستيفاء ديونهم مادام موجوداً، لأن ذمة الشخص الاعتباري مستقلة عن ذمة أعضائه، وبالمقابل، لا يستطيع دائنو الشخص الاعتباري، من حيث المبدأ، استيفاء ديونهم من الأموال الخاصة لأعضائه، ولكن هناك استثناء على هذا المبدأ بالنسبة للشركاء المتضامنين في الشركات التجارية، حيث يعدّ هؤلاء مسؤولين عن ديونهم بكامل أموالهم.
4ـ أهلية الشخص الاعتباري: يتمتع الشخص الاعتباري بأهلية وجوبٍ وأهلية أداء، حيث إنه يعتبر أهلاً لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات من جهة (أهلية وجوب)، ويمكن له من جهة ثانية مباشرة التصرفات القانونية لحساب نفسه (أهلية الأداء). ولكن لا تثبت الأهلية[ر] بنوعيها للشخص الاعتباري إلا في حدود الغرض الذي أنشئ من أجله. فلا يجوز مثلاً لشركة غرضها بيع السيارات وتأجيرها أن تقوم ببيع العقارات وتأجيرها، لأن هذا العمل لا يدخل في حدود الغرض الذي أنشئ من أجله.
ومادام الشخص الاعتباري لا يتمتع بوجود مادي محسوس فإنه لا يستطيع مباشرة التصرفات القانونية بنفسه، وإنما لا بد أن يكون هناك من ينوب عنه من الأشخاص الطبيعيين، وتعيين نائب الشخص الاعتباري أو ممثله يتم وفقاً لأحكام القانون.
وهذا ما نصت عليه المادة 55/3 من القانون المدني السوري بقولها أنه يكون للشخص الاعتباري نائب عن إرادته.
5 ـ حق التقاضي: تنص المادة 55/2،ج من القانون المدني السوري على أن الشخص الاعتباري يتمتع بحق التقاضي. ويّمكّن هذا الحق الشخص الاعتباري من المثول أمام القضاء باسمه الشخصي وبشكل مستقل عن أعضائه، بصفة مُدَّعً أو مُدَّعىَّ عليه، ويمثل الشخص الاعتباري أمام القضاء نائبه القانوني الذي يعمل لحسابه.
جنسية الشخص الاعتباري
اختلف الفقهاء في مسألة إمكانية تمتع الشخص الاعتباري بالجنسية، فذهب بعضهم إلى أن الجنسية لا تثبت إلا للشخص الطبيعي، وذلك لأن الجنسية هي رابطة قانونية وسياسية بين الدولة والأفراد الذين تتكون منهم، والشخص الاعتباري لا يعدّ فرداً من الأفراد الذين يشكلون ركناً من أركان الدولة. ويمكن أن يخضع الشخص الاعتباري لقوانين دولة من الدول دون أن يتمتع بجنسيتها.
في حين يرى آخرون أنه مادام وجود رابطة بين الشخص الاعتباري والدولة التي يؤسس فيها هذا الشخص أمراً ضرورياً من أجل تحديد الأحكام القانونية التي ستطبق عليه، فإنه لا بأس من أن تسمى هذه الرابطة بالجنسية.
ولم يتطرق المشرع السوري، في المادة /55/ من القانون المدني، إلى جنسية الأشخاص الاعتبارية، في حين نص قانون التجارة السوري صراحة على إمكانية تمتع الشركات التجارية بالجنسية. وتنص المادة /99/ من هذا القانون على أن الشركات التي تؤسَّس في سورية تكون جنسيتها سورية..
ومادام أن القانون المدني السوري لم يتطرق إلى جنسية الشخص الاعتباري، فمن المنطق أن لا يتضمن هذا القانون نصاً يحدد كيفية اكتساب الشخص الاعتباري الجنسية، ولكن استخلص بعض الفقهاء من نص المادة /12/ من القانون المذكور أن الشخص الاعتباري يكتسب جنسية الدولة التي يوجد فيها مركز إدارته الرئيسي الفعلي.
فواز صالح