مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي
بحوث عامة في القانون التونسي
مثال التهيئة العمرانية في القانون التونسي
إشراق شبيل - أستاذة القانون بالمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان
يعتبر ظهور قانون التهيئة الترابية والتعمير في تونس نتيجة حتمية لتنامي الوعي بأهمية التخطيط الترابي
والعمراني ومحاولة من نوع جديد لتجاوز سلبيات الوضع السابق للمجلة الجديدة الصادرة بمقتضى قانون عدد
122 لسنة 1994 المؤرخ في 28 نوفمبر 1994 بعد أن تأآد قصور النص السابق المنظم لهذه المادة عن
الإلمام بكل الجزئيات ومقتضيات المجال المذآور. وهو ما برر قيام المشرع التونسي بالجمع بين التهيئة
الترابية والتهيئة العمرانية ضمن نفس المجلة نظرا لتداخلهما وترابطهما العميق من جهة، ولرغبته الملحة في
تكريس أفضل لفكرة التهيئة آكلوالقائمة على منطق العقلانية والتخطيط والتنظيم من جهة أخرى. ولتحقيق هذه
الأهداف يتم استخدام مجموعة من الوسائل والتقنيات من بينها خاصة مثال التهيئة العمرانية وهي وثيقة نص
الفصل 12 من مجلة التهيئة على أنها تضبط قواعد وارتفاقات استعمال الأراضي وتحدد جملة من العناصر
آالمناطق الترابية حسب الاستعمال الرئيسي المحدد لها أو طبيعة الأنشطة السائدة أو آذلك آثافة البناء ورسم
طرقات الجولان وغيرها من المجالات التي تجعل هذا الصنف من الأمثلة ذو مضمون محدد وتجسيم تشريعي
لفكرة التهيئة العمرانية آكل، وهو في هذا المستوى وغيره من الجوانب يختلف عن أمثلة أخرى معمول بها في
القانون التونسي ونظمتها مجلة التهيئة آالمثال التوجيهي للتهيئة الترابية أو آذلك المثال التفصيلي .
إذ يعتبر الصنف الأول بدوره أداة ووسيلة لتحقيق أهداف التهيئة الترابية المحدد مضمونها بكل دقة بمقتضى
الفصل 2 والذي لخصها في : " جملة الاختيارات والتوجهات والإجراءات التي يتم ضبطها على المستوى
الوطني أو الجهوي بهدف تنظيم استعمال المجال الترابي والتي من شأنها أن تضمن خاصة التناسق في ترآيز
المشاريع الكبرى للبنى الأساسية والتجهيزات العمومية والتجمعات السكنية ". وذلك في مقابل غياب تعريف
تشريعي ضابط لمفهوم التهيئة العمرانية. أما بالنسبة للمثال التفصيلي وبالرجوع إلى الفصل 32 من المجلة
فوظيفته تتمثل بالأساس في ضبط مواقع البنايات وغيرها من طرق استعمال الأراضي ، آما يضبط أيضا شبكة
الطرقات والشبكات المختلفة والارتفاقات الواجب احترامها.
لكن ورغم هذا الاختلاف القائم ظاهريا بين مختلف الأمثلة المذآورة فإنه لا جدال في فاعلية جملة القواعد
الموضوعة بمقتضى مجلة 1994 والموجهة حسب الفصل الأول منها لتنظيم واستعمال أمثل للمجال الترابي
والتخطيط وإنشاء التجمعات السكنية.
وهي في الواقع قواعد لم تنشأ بين ليلة وضحاها وإنما سبقتها محاولات وتجارب متنوعة جسمتها النصوص
المتفرقة التي صدرت في البلاد التونسية على امتداد فترات متنوعة من تاريخها والتي نظمت مسائل ومجالات
2
متعددة منها التهيئة العمرانية إذ سجل أول ظهور للأمثلة الخاصة بهذه الأخيرة بمقتضى الأمر المؤرخ في 25
جانفي 1929 المتعلق بامتداد تجمعات المناطق العمرانية آما سعت إلى تنظيم وتقنين هذا الصنف من الوثائق
العديد من النصوص المتتالية أهمها أمر 10 سبتمبر 1943 المتعلق بالهندسة المعمارية وتنظيم المدن وصولا
إلى مجلة التعمير الصادرة بتاريخ 15 أوت 1979 والتي أقرت مبدأ العمل بمثال التهيئة العمرانية .
وهي في الواقع مجلة قامت بإدخال تغييرات جوهرية وعلى مستويات مختلفة آالتقنيات المعتمدة أو الخيارات
المتبناة المتعلقة بالتخطيط الترابي والعمراني.
ويمكن القول أن هذا التجديد إنما هو مجهود يندرج في إطار محاولة عقبت فترة ما بعد الاستقلال لتطوير
البلاد من خلال تبني اختيارات اقتصادية واجتماعية جديدة للنهوض بالرصيد العمراني الموجود آنذاك وغيره
من العناصر المميزة للواقع التونسي.
غير أنه تمت ملاحظة العديد من النقائص المستمرة لقانون 1979 وآما أآد على ذلك الأستاذ صالح بوسطعة
فإن مجلة التعمير تعد مجرد " ... تصور ترتيبي للموضوع العمراني" إذ لم تتوصل إلى تحقيق الشمولية
بمعنى أنها عجزت عن الإلمام بمقتضيات التخطيط العمراني وأمثلة التهيئة العمرانية وغفلت خاصة عن توفير
الآليات المؤسساتية والمالية لتطبيق الأمثلة وضمان تحقيق أهدافها.
وهو ما أدى إلى ظهور قانون عدد 122 لسنة 1994 المتعلق بإصدار مجلة التهيئة الترابية والتعمير والتي تم
من خلالها العمل على تجاوز هذه النقائص رغم أنها بدورها عرفت وشهدت العديد من التنقيحات المتتالية مما
يكشف تذبذبا وتغيرا مستمرا في مستوى السياسة المتبعة وهو تطبيق يمكن الجزم بتأثيره بشكل أو بآخر على
محتوى الحلول العمرانية والترابية المختارة، ويلاحظ في آل التشريعات وفي مختلف البلدان إذ عرف القانون
الفرنسي بدوره العديد من التطورات في هذا المضمار آرست خصوصيته بالمقارنة مع نظامنا الذي يمثل
وآسائر البلدان العربية صورة طبق الأصل من الأنظمة الأوروبية ساهمت هي الأخرى في إآساب تلك البلدان
خصوصية من نوع آخر هذه المرة.
ففي مقابل ما يعرف في القانون التونسي بأمثلة التهيئة العمرانية، أحدث النظام الفرنسي وفي نفس الإطار "أمثلة
وهي وثائق للتعمير نظمت بمقتضى قانون (Le plan d’occupation des sols) " إشغال الأرض
التوجيه العقاري المؤرخ في 1967 وأتت في تلك المرحلة لتعوض الوثائق القديمة المعروفة بأمثلة التهيئة
ومن بعدها Plans d’aménagement d’embellissement et d’extension والتجميل والامتداد
Plans d’urbanisme de détail أمثلة التعمير التفصيلية
3
لكن سرعان ما تم التخلي عن أمثلة أشغال الأرض بالقانون المتعلق بالتضامن والتجديد العمراني الصادر
بتاريخ 13 ديسمبر 2000 حيث تم تبني صنف جديد من الوثائق الخاصة بالتهيئة العمرانية يتمثل في: "الأمثلة
( Plans locaux d’urbanisme المحلية للتعمير
في نفس الوقت الذي تم فيه أيضا التخلي عن الأمثلة التوجيهية وأمثلة تهيئة المناطق وتعويضها برسوم التماسك
. تطبيقا لنفس النص أي قانون 2000 « Schémas de cohérence territoriale » الترابي
وبذلك بدأت الأمثلة المحلية للتعمير تحل تدريجيا محل الأمثلة القديمة بعد أن تم الاتفاق في فرنسا على عدم
جدواها وثقل وطول الإجراءات المتعلقة بها والتي أثرت في نجاعتها وقابليتها للتطبيق فمثلا تم في سنة 1983
اتخاذ قرار في إعداد 10.865 مثال لكن لم تقع المصادقة النهائية إلا على 5.370 ليدخل هذا العدد من الأمثلة
فقط حيز التطبيق.
يتبع
منتدى القانون والقضاء
مع تحيات Edunet Cafe
http://www.edunetcafe.com