السيرة الذاتية للمطربة اللبنانية فيروز
صوتها الدافئ الحنون لا تسمعه بأذنك ولكنه يتسلل مع موسيقاها الحالمة إلى قلبك لتجد نفسك مدفوعاً بقوة
للوقوع في عشقها، حيث ينساب خليط الذكريات من قلبك رويدا رويداً ليمتزج بألحانها وأغنياتها التي كانت
ومازالت تقف صامدة في وجه الزمان لتعلن في شموخ وكبرياء أنها واحدة من أهم علامات الفن في العقود
الأخيرة، أنها المطربة اللبنانية فيروز. لقد غنت فيروز للطفولة وللشباب وللحب وللوطن، ومازالت محتفظة بتلك الموهبة النادرة التي تجعلنا نسبح مع صوتها في بحر لانهائي من الشجون.
- خطواتها الأولى :
بليالي الشتاء 21 نوفمبر 1935م كان عامل المطبعة وديع حداد، وزوجته ليزا البستاني يتلقيان الهدية الإلهية
نهاد حداد التي عرفت فيما بعد بـ"فيروز"، حيث ولدت وسط عائلة حداد فقيرة تعيش في بيت متواضع مؤلف
من غرفة واحدة في زقاق البلاط الحي القديم المجاور لمدينة بيروت الجميلة، وظل الأب يكافح لرعاية أسرته
الصغيرة ويكفيهم قوت يومهم بالكاد. ولكن لم يمنع الفقر تلك العائلة من الاستمتاع بحياتها بمشاركة باقي
الجيران التي كانت تعاني من نفس الظروف أيضاً، حيث كان يسهرون معا يضحكون ويغنون وفي إحدى تلك
الليالي الباردة بدت موهبة تلك الصغيرة في الظهور وغنت وأدهشت الجميع بصوتها الفريد فأشاعت في الجو
الدفء والحيوية. ونجح الأب في توفير جزءاً من دخله البسيط من أجل تعليم أولاده، لذلك حظيت نهاد بفرصة
الالتحاق بالمدرسة، وهناك استطاع صوتها أن يجذب الانتباه فوراً بوصفه يتمتع بنوعية فريدة، حيث كان يمكنها
تحويل الأناشيد العادية الوطنية إلى شيء مدهش بجماله.
- في المدرسة :
وجاءت الفرصة لفيروز لتعبر عن جمال صوتها الآخاذ عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها، حيث سألها مدير مدرستها أن تغني في حضور محمد فليفل أستاذ الموسيقى وأحد مؤسسي المعهد الموسيقي الوطني في لبنان
والذي كان يبحث عن أصوات جديدة بهدف تأسيس فرقة كورال لبرنامج يتم إعداده من أجل مناسبة رسمية.
وما أن سمعها السيد فليفل حتى وقع في عشق صوتها، وسألها إن كانت تريد الانضمام إلى فرقة المنشدين التابعة
له، ووافقت نهاد ولكن كان يجب الحصول على موافقة والدها.
ولم تكن موافقة الوالد المحافظ بتلك السهولة، ولذلك قررت فيروز وأخيها ووالدتها
كتمان ذلك الخبر، وبدأ أخيها
جوزيف وديع حداد بمرافقتها إلى معهد فليفل لمدة أربع أو خمس سنين، حيث تعلمت كيف تغني وفق منهاج
موسيقي، وفي نفس الوقت رتب لها السيد فليفل لكي تدرس في المعهد الموسيقي الوطني، ولم يعلم الوالد أن ابنته
التحقت بأحد معاهد الموسيقى إلا وقت حفل التخرج، عندما دعته لحضور حفلة موسيقية، وبعد أن أزيحت
الستارة بوقت قصير ظهرت نهاد على خشبة المسرح ليرى وديع ابنته تقف باعتزاز، لتغني تنويعات موسيقية
وتتسلم شهادتها. ونظرت نهاد إلى وجه أبيها لترى الدموع تنهمر على خديه، لقد كان أسعد من في الحضور لكن
بدون أن يعترف بذلك.
- حكاية فيروز :
ولم يمر الكثير من الوقت حتي جاء نهاد عرض عمل في الإذاعة اللبنانية، لكن والدها أقام الدنيا وأقعدها، لأنه
أرادها أن تواصل دراستها في المدرسة العادية، إلا أن خالها الشقيق الأصغر لأمها أقنعه بأن يتركها تقبل
الوظيفة، وأعطى الوالد موافقته لتسبح فيروز في عالم الأنغام لتطربنا مع الألحان بالأبدع والأروع.
وفي أحد الأيام تلقت نهاد دعوة من حليم الرومي والد المطربة "ماجدة الرومي" الذي كان موسيقياً ومدير
البرامج وطلب منها أن تغني بشكل انفرادي، كما اقترح أن تغير اسمها إلى فيروز لأنه أسهل على اللفظ واقترح
عليها اسمان أحدهما فيروز والثاني "شهرزاد"، ومن ثم أصبح فيروز اسمها الفني. وظهرت مطربتنا خائفة
ومرتبكة في أغنيتها الأولي، وبعد أن فرغت من غناء أولى إبداعاتها "تركت قلبي وطاوعت حبك" من
كلمات "ميشيل عوض"، هرع فريق العمل نحوها لتهنئتها، ومع الوقت غنت أغان أكثر وبدأت تداعب في خجل
أطراف أصابع الشهرة.
- انطلاقتها الحقيقية :
بدأت انطلاقة فيروز الفنية الحقيقية عام 1952م عندما تعاونت مع الأخوين رحباني (عاصي ومنصور
الرحباني) حيث كان الأخوان رحباني يأتيان إلى الإذاعة ليقدما برامجهما، وهناك التقت فيروز عاصي ، وملأت
أغانيها وقتئذ كافة القنوات الإذاعية وبدأت تتسلم مفاتيح النجاح، وفي 1955م تزوجت مطربتنا ذات الصوت
الحنون من عاصي الرحباني، وأنجبت منه زياد وريما. ...